الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الديكتاتورية الخوارزمية
جمال الهنداوي
2024 / 12 / 7العولمة وتطورات العالم المعاصر
قد يفرح قلب كل مسلم على وجه الأرض، ويملأ قلبه غبطةً وانشراحاً، ذلك الجواب الذي تحصلته من الذكاء الصناعي عندما سألته عن أنه لو كان له أن يعتنق ديناً معيناً فماذا كان سيختار.. فبكل ثقة أجابتني الحروف الضوئية التي تتراقص على الشاشة على أنه الإسلام، وعندما أعدت عليه السؤال بلماذا، قال ـ وبنفس الثقة - ، لأنه الدين الحق.. الإشكال الوحيد الذي نغص عليَّ مشاعر الفخر والزهو بهداية الآلة الى الإسلام هو أنه أجاب عندما سألته نفس السؤال بالانجليزية، أنه سيختار الإلحاد..
أول ما قد يتبادر الى الذهن الى أن هناك خطأ ما في طرح السؤال، أو أن الصياغة كانت تلقينية نوعاً ما، ولكننا لن نحتاج إلى أكثر من نظرة عابرة للنسخة المتوفرة بين أيدينا من برامج الذكاء الصناعي، لنستنتج إنها ليست بما يفترض أن ننتظر منها من (ذكاء).. وأنها قد تكون مصممة تماماً لإرضاء – الزبون- ضمن حدود مقننة أثنياً وجغرافياً، وملقنة سلفاً بما يحقق الغرض المطلوب منها، كما الغرض من ما سبقها من برامجيات التواصل الاجتماعي، وهو استخدامنا وأجهزتنا وأسئلتنا الذكية – وقفشاتنا- كمصدر لجمع المعلومات ليس إلا ، ولتكوين قاعدة بيانات ضخمة تسجل حتى الطباع الشخصية وميول كل فرد في بلداننا.. وأتحدث عن بلداننا بالذات لأنَّ بياناتنا وخصوصياتنا مشاعة لكل العالم في ظل تبعيتنا التقنية وعدم وجود قوانين واضحة تحمي خصوصية المستهدف وبياناته من الانتهاك.
ومكمن الخطورة أنَّ الاختراق المتوقع لمجتمعاتنا سيكون عن طريق الثقافة تحديداً خاصةً مع هذا الانكشاف المعرفي الهائل تجاه مقاصد وغايات هذا الزلزال المعرفي وافتقارنا للأدوات اللازمة للتعاطي معه بمسؤولية ويتجلى ذلك بانكباب المستهلك العربي على هذه التقنية بأسلوب أقرب إلى ألعاب الخفة منه إلى البحث العلمي الرصين مما يثير المخاوف من النتائج التي ستتبع ذلك عندما نجد في أيدينا صوراً معدلةً ومقالاتٍ ونصوصاً وبحوثاً ملفقةً مقابل خارطة كاملة للجينوم الفكري والثقافي والاستهلاكي يمكن أن يجعلنا في أية لحظة تحت وطأة ديكتاتورية خوارزمية قد لا تتفق بالضرورة مع مصالح وتطلعات شعوب هذه المنطقة المعتمة – تقنياً على الأقل - من العالم.
وهذا الخطر هو واقع راهن تجاوز الافتراضية نحو التحقق بشكل قد يزيد من الفجوة الحضارية بين مجتمعاتنا والمجتمعات المتقدمة ويضع مجمل مفردات حياتنا المعاشة تحت رحمة ازرار وأرقام مبرمجة سلفا لتكريس ثنائيات أثنية وعنصرية قد تتجاوز المشهد البحثي والثقافي إلى مساحات صنع القرار والرأي والحرب وأمن الشعوب، وهنا قد يكون من غير الحكمة النظر إلى السماح للمستهلك العربي باستخدام هذه التقنية مجاناً على أنه نوع من إشاعة العلم وسفحه ابتغاء وجه التطور والنماء للبشرية التي تكاد تنقرض نتيجة ممارسات نفس الجهات التي تمسك بمفاتيح الذكاء الصناعي.
إنَّ الاختراق الثقافي الذي سوف يتيحه الذكاء الصناعي للنخبة العالمية المتفوقة لا يقف عند حدود تكريس الاستضعاف والاستتباع الحضاري فحسب، بل من المتوقع أن ينجم عن ذلك إعادة صياغة علاقات الإنسان بالآلة والإنتاج والعمل وتكريس لتنميط قسري للبنى المجتمعية، وفرض نموذج ثقافي يستحضر قيماً محددة من خلال آلات – ومشغلين- يفتقرون للوازع – والدافع- الأخلاقي والشعور الإنساني.
لقد مررنا، والعالم بأسره، بالعديد من القفزات الحضارية والتكنولوجية، كثورة الإتصالات والقرية العالمية والعولمة ، وكنا دائما ، كأنظمة ونخب قيادية، في موقع المهلل والمنظر لوعود ومبشرات ستسفح تحت أقدام شعوب المنطقة ولكننا لم نجني منها إلا تعميق المأزق الحضاري واتساع الأخدود الحضاري بيننا وبين العالم المتقدم من خلال النهب المنظم لمقدرات وموارد بلداننا الثقافية والاقتصادية لصالح الغرب الرأسمالي المتوحش، وفوقيته وتأويله الأعور الناقص للعلاقة مع (الأغيار) من الشعوب المستباحة
ومن هذا المنطلق نجد أنَّ دعوات بعض المنظمات والحكومات في المنطقة في الاستثمار في برمجيات الذكاء الصناعي هي دعوات مستفزة نوعاً ما، خاصة وأنَّ الاستثمار لن يعدو تحرير الصكوك وتمويل برمجيات من المؤكد أنها ستعود علينا مستقبلاً كرصاص وقنابل و استنزاف لمقدرات وكرامة شعوب المنطقة.. ولن يستفيد أحد منها شيئاً إلا كما استفدنا من برمجيات بيغاسوس الإسرائيلية التي تحولت بأيدي ولاة الأمر إلى لعبة للتنصت على بعضهم على بعض أو على هواتف الزوجات الغاضبات .
ليست دعوة الى الانغلاق، بل إلى التعامل بحذر وعقلانية مع ناتج غير تقليدي سيكون – حتماً- بيد قوى مأزومة بهيمنة القوة وغطرسة الكبرياء، وغرور الثروة ومن منطلق عقدة النقص الأخلاقية التي يحس بها الغرب- وأمريكا خصوصاً - تجاه المجتمعات والدول ذات العمق الحضاري والتاريخية العريقة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أطيب سندويشة مكسيكانو من الشيف عمر
.. عاجل | صور لبدء عملية نقل الرهينات الإسرائيليات الثلاث إلى ا
.. عاجل | مروحية إسرائيلية تصل إلى محور نتساريم في غزة تمهيدا ل
.. كلمة زوجة نجل الشهيد إسماعيل هنية تبارك وقف إطلاق النار
.. مراسل الجزيرة يرصد الدمار في مستشفى أبو يوسف النجار