الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس مواطن سوري من ضيف عراقي

سلطان الرفاعي

2007 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في صبيحة يوم عيد الأضحى، رأيته، عجوزاً قارب الثمانين من عمره يحمل في الصباح الباكر عبوة بلاستيكية، يدور بها بين الحارات باحثاً مفتشاً على قليل من المازوت، كم لينر لا يطمح بأكثر ! حتى يتقي شر البرد القارص مع زوجته المريضة أصلاً. يقف (طنبر) عربة يجرها بغل (ليست مظهر سياحي) تحمل قليل من المازوت، تتدافع الناس باتجاهها، يطلب صاحب (الطنبر) من الجميع وضع العبوات البلاستيكية بالدور. من حالفه الحظ ربح عشرة لترات، من لم يحالفه الحظ مثل عجوزنا، عاد الى منزله بخُفي حنين، لكي يشكو أمره وبؤسه إلى باريه، فالأمر لا يقتصر على المازوت ولكن أيضا على الغاز، وعلى الغلاء الفاحش للمواد الغذائية.

هذه الحياة التعيسة، بدأت مظاهرها، وأحاديثها، تطرق أبواب كل البيوتالأيام.، والعراقية، على أساس أن البيوت العراقية أيضاً تحتاج إلى المازوت والغاز والتدفئة، ويبدو أن كل هذا قد غاب عن المشرع!!!!؟؟؟.ونحن لا نحمل هؤلاء الزوار المستوطنون كل هذا البؤس الذي نعيشه هذه الأيام . فأزمة المازوت والغاز والكهرباء مستمرة منذ زمن طويل. ولكنها اليوم تفاقمت وأُ ضيف إليها الغلاء الفاحش للمواد الغذائية، تفاقمت اليوم بشكل لم يسبق له مثيل، فمن غير المقبول ولا المعقول ولا الأخلاقي ولا الإنساني، أن تعيش آلاف العائلات السورية من غير تدفئة، في أشد أيام السنة برداً.



الشعب السوري، شعب كريم مضياف، ومن مبدأ إنساني وأخلاقي وقومي يفتح ذراعيه وقلبه لاستقبال كل مظلوم ومحتاج، ولا نعني الحاجة، التسول، بل نعني الحاجة إلى الأمن والحماية.وضمن هذا المبدأ والإطار، كان هناك مئات الآلاف من الأخوة الفلسطينيين، الذين استقروا في سوريا، بعد اغتصاب بلادهم. وكان هناك أيضاً الآلاف من الأشقاء اللبنانيين الذين هربوا من أتون الحرب الأهلية والتي عصفت ببلادهم، في منتصف السبعينات، من القرن الماضي. وأيضاً بعدالعداون الإسرائيلي الأخير في تموز الماضي.

ومن هنا كان استقبال الأخوة العراقيين وبأعداد كبيرة، في كل المدن السورية. هؤلاء الأخوة جميعاً قاسمونا خيرات بلدنا، وكانوا ضيوفاً كراماً على سوريا. ومع أنني لا أُحب استعمال كلمة لكن في مثل هذه الظروف، فأنني أعتبر أن وجود الأخوة الفلسطينيين( في تجمع واحد) هو حتمي نتيجة الصراع القائم منذ فترة طويلة والمستمر إلى ساعته. وأجد أن ضيافتنا للأخوة اللبنانيين في أي محنة واجب علينا، فهم النصف الآخر للشعب السوري. وأعتبر الأخوة العراقيين الذين لجأووا إلى سوريا أيضاً هم بحاجة لضيافتنا وحمايتنا وواجب الضيافة مرتبط باحترام حقوق المضيف.

الأخوة العراقيين أتوا بأعداد كبيرة جداً وسكنوا بكثافة كبيرة ضواحي بعض المدن الكبرى في سوريا، كمستأجرين في البداية، وتم الترحيب فيهم على هذا الأساس.

بدأت تظهر تجمعاتهم والتي تتوافق مع سلوكهم الاجتماعي وطبيعتهم العشائرية. ونحن في كل هذا لسنا بصدد الإشارة إلى قضايا صغيرة وتافهة. اجتماعية كانت، أو اقتصادية. إنما إلى قضايا بدأت تُعتبر هاجساً يومياً للمواطن السوري، الذي بدأ يشعر بثقل الضيافة، وأن هناك من لا يريد أن يقاسمه فقط موارد رزقه ومكان عيشه، بل هناك من يُريد أن يسلبه هذا الحق كله.

وبتنا نرى أن هناك تدرجاً لدى البعض من أجل استيطان طويل الأمد في سوريا، بغض النظر عن أحكام القوانين الخاصة بالإقامة وال استملاك في سوريا، إضافة إلى قوانين العمل.

استياء الشارع السوري من الغلاء الفاحش لأجور السكن التي تجاوزت الحد المعقول وكان سببها أن الأخوة العراقيين يملكون إمكانيات مادية أكبر، مما سمح لهم بدفع إيجار أكبر، مما أدى إلى ارتفاع فاحش في الإيجارات

وامتد الأمر إلى قضية استملاك المنازل والمحلات التجارية، والتي دُفع فيها أرقام خيالية، فاقت قدرة المواطن السوري، الذي يحلم بامتلاك منزل أو محل متواضع من أجل بناء أسرة سورية جديدة.

إضافة إلى فرض طريقة وأسلوب حياتها ومعيشتها على بعض الأحياء في ضواحي دمشق =أسماء المحلات-نوعية الطعام-اليد العاملة العراقية التي أخذت مكان اليد العاملة السورية=

فرض هذه العادات والتقاليد على هذه الأحياء الشعبية، والتي تضم في ثناياها، الظاهرة التي يتميز بها المجتمع السوري المنفتح، آلا وهي التعددية واحترام الآخر، والآمان، والذي يتمثل بخروج السيدات والفتيات بحرية في أي وقت من اليوم.

فالمرأة السورية، اعتادت شراء حاجياتها، وحاجيات منزلها، بنفسها، واليوم لم تعد تأمن النزول إلى شارع يقطنه إخوتنا العراقيين، بسبب التجمع ألذكوري الكبير ( في أي فترة من اليوم). مع عدم تواجد مطلق للسيدات العراقيات ضمن هذه التجمعات، مع أن جميع الزوار هم من العائلات. مما أدى إلى بعض التحرشات والمعاكسات والإساءات التي طالت السيدة السورية. ويكفي في حي من الأحياء السورية، أن يُفتتح مطعم عراقي، حتى يعم الوجوم الحي بكامله، ويمتنع الأطفال عن النزول إلى الشارع من أجل شراء حاجياتهم، كما تمتنع السيدات والفتيات عن الخروج بمفردهن. ويضج الحي بتجمعات لا ضابط لها، وتقبع الأسر السورية في منازلها، فاقدة حرية كانت تتمتع بها كثيراً في السابق.

وقد بدأ الكثير من الأسر السورية التفكير جدياً بالرحيل عن هذه الأحياء، التي ولدوا فيها، وعاشوا فيها أجمل أيام حياتهم. لأنها لم تعد تؤمن لهم الحياة السورية البسيطة الآمنة الهادئة . وظهر هذا التخوف من عدة مظاهر:

بغض النظر عن وجود فئة كبيرة من الأخوة العراقيين من الذين يتمتعون بالسمعة الطيبة، هناك أيضاً عدد من الذين أساؤوا إلى هذه التجمعات والى مضيفيهم، بافتعال المشاكل وإحالة الهدوء والآمان إلى حالة من الفوضى والقلق والصخب على مدار اليوم.

والبعض منهم بحكم الفراغ الذي يعيشونه، شكل نوعا من العصابات، ضمن هذه التجمعات، تُمارس كل أنواع التجارات الممنوعة والسمسرة، بما فيها صرافة الأموال والبغاء، الذي بدأ السوريون، ينفرون من بعض مظاهره وخاصة ضمن الشقق المفروشة (وما أكثرها) المجاورة لمنازلهم. ناهيك عن أن بعضهم يمارس نفس أسلوب الفوضى العراقية من تهديد وخطف. وآخر الحوادث ما جرى في مدينة الزبداني، حيث تم خطف طفل عراقي (هذه المرة) وطلب فدية كبيرة من أهله، يجري دفعها في العراق. وحتى ساعته لا تزال المفاوضات مستمرة .وفي عملية بغاء واضحة المعالم، تم قتل شخص سعودي على يد سيدة عراقية أيضا. هذه من بعض الممارسات، والتي نأمل أن لا تعم وتنتشر في مجتمعنا الآمن المطمئن.

وقد سبب كل هذا شح في المواد النفطية المدعومة من قبل الدولة، أساساً لصالح المواطن السوري، صاحب الدخل المحدود، والموظف المسكين. إضافة إلى غلاء أسعار في كل المواد الأساسية، لم يعد يحتملها المواطن السوري العادي. مما انعكس سلباً على مستوى دخل المواطن السوري ، صاحب الدخل المنخفض،وصغار الكسبة الذين فقدوا أعمالهم لصالح كتلة المال الكبيرة التي أتت (وبطرق قد تكون غير مشروعة) مع العراقيين بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.

ومن النتائج الملموسة لهذه الحالة: عدم تمكن المواطن السوري صاحب الدخل المحدود(والذي لا يساوي معاشه كاملا نصف إيجار منزل) من دفع إيجار منزل مما اضطره إلى السكن بعيداً عن مدينته وعمله والاكتفاء بغرفة تنعدم فيها شروط الحياة الكريمة.



مع حرصنا الشديد لعدم الإساءة إلى حسن الضيافة ومعاملات الأخوة، فان أي حالة اجتماعية مماثلة تتطلب تنظيم من قبل المشرع وخاصة إذا كانت حالة اضطرارية، كما هو الحال بالنسبة للشعب العراقي. منعاً لحدوث أي الفوضى أو افتعال المشاكل بينهم وبين أهل البلد(كما يحدث اليوم في العديد من البلدات). فحقيقة الأمر، هناك مشاكل كبيرة يعلمها أو لا يعلمها المشرع السوري، نتيجة تصرفات غريبة عن المجتمع السوري والذي يرغب في أن يحافظ ويصون هويته في لحمة وطنية لا يرضى لأحد أن يمسها. فهناك شعور لدى المواطن السوري، بأن البعض الفاسد في الإدارات والبلديات في هذه الأحياء، يتواطأ لمصالح مادية وشخصية بتمرير مخالفات لا يقبلها القانون السوري (التلاعب على القانون والتشريع).

وبالرغم من أن بعض الإجراءات التي اتخذت أخيراً للحد من هذه المشاكل إلا أن هواجس المواطن السوري أكبر بكثير من هذه الإجراءات البسيطة والتي تتطلب ضمن نظام نحرص على استقراره وديمومته أن يكون هناك إجراءات تضمن وتؤمن حسن الضيافة للأخوة العراقيين وتُطمئن المواطن السوري على استقراره وأمنه.

وعلى أن سوريا الوطن الذي يفخر بتعدده وتنوعه ومحبة أهله لبعضهم البعض، وتسامحهم مع بعضهم البعض. لن يسمح أبداً لشبح الطائفية الذي يضرب اليوم في العراق ولبنان من الاقتراب من حدوده.

فمتى سيصل الهمس الذي تحول إلى تذمر وأحاديث وشجون يومية إلى مسامع من بيدهم الحل والربط. أم أننا كالعادة، ننتظر حتى حدوث المشكلة، وبعدها نسارع إلى إيجاد التبريرات ونبدأ بطرح الحلول التي تصبح ساعتها عديمة الفاعلية.

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

أن تأخذ قراراً باستقبال أعداد هائلة من الضيوف في منزلك، ليس أمراً صعباًً، ولكن الصعب أن تُخطط مسبقاً لاستقبالهم، وتؤمن لهم احتياجاتهم، لا أن تجعلهم يتقاسمون اللقمة مع أولادك، الذين هم في الأساس يجدون الصعوبة الكبيرة في الحصول عليها في هذه الأيام الصعبة.

دمشق

3-1-007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أثار مخاوف في إسرائيل.. حماس تعيد لملمة صفوفها العسكرية في م


.. ساعة الصفر اقتربت.. حرب لبنان الثالثة بين عقيدة الضاحية و سي




.. هل انتهى نتنياهو؟ | #التاسعة


.. مدرب منتخب البرتغال ينتقد اقتحام الجماهير لأرض الملعب لالتقا




.. قصف روسي يخلف قتلى ودمارا كبيرا بالبنية التحتية شمال شرقي أو