الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترويض الديمقراطية

فاضل عباس
(Fadhel Abbas Mahdi)

2007 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


إن أكثر ما‮ ‬يعيق تقدم مجتمعاتنا العربية باتجاه الديمقراطية هما عاملان،‮ ‬الأول‮: ‬رفض بعض الأنظمة الحاكمة لمطلب الشعب بالديمقراطية أو القبول بها تحت الضغط الدولي‮ ‬ومن ثم‮ ‬يعملون ضمن سياسية ترويض الديمقراطية،‮ ‬اي‮ ‬محاولة استئناسها باتجاهات تخدم الأنظمة،‮ ‬وهنا‮ ‬يدخل ضمن هذا الترويض محاولات التشويه لهذا المفهوم أو اقتطاع أجزء منه عن طريق استنفار الجماعات العنصرية والطائفية تحت شعارات الخصوصية أو منع النزاع الطائفي‮ ‬الذي‮ ‬يفتعلونه أو الخطر على الشريعة الإسلامية من التيارات العلمانية ضمن سياسية الترويج لتلك الأفكار على أنها مكونات المجتمع وهى ضمان استقراره،‮ ‬وهي‮ ‬تعلو على الديمقراطية،‮ ‬فتبدأ تلك الأنظمة في‮ ‬خلق اصطفاف داخل الوطن الواحد طائفي‮ ‬أو عرقي‮ ‬بين من‮ ‬يتبنون تلك الأفكار ودعاة الديمقراطية والحرية وما تتضمنه من ثقافة التنوع،‮ ‬وهنا‮ ‬يخرج علينا الفريق الحاكم على انه هو صمام الأمان لحماية الوطن ووحدته ويبدأ مسلسل استنزاف الديمقراطية وتحلل مضمونها من المشاركة في‮ ‬السلطة والقرار والثروة إلى مطلب حرية التعبير فقط أو عودة المبعدين إلى الوطن كما‮ ‬يحدث في‮ ‬بعض الدول العربية‮.‬
‮ ‬والعامل الثاني‮ ‬أن ثقافة الديمقراطية‮ ‬غير واضحة أو‮ ‬يتم تجاهلها لمصالح ضيقة لدى قطاعات شبه رسمية وشعبية ومن هنا‮ ‬ينطلق البعض من ثقافته المحلية الضيقة باتجاهات‮ ‬يحاول أقناع الناس أنها تخدم المجتمع،‮ ‬ولكنها تؤدي‮ ‬إلى محصلة هي‮ ‬تقليم أظافر الديمقراطية تحت شعارات حماية الإسلام أو الطائفة أو العادات والتقاليد أو محاربة الفساد الاخلاقى وعلى طريقة الفزعة الطائفية أو السياسية وكأنها أصبحت من المسلمات وثوابت المجتمع ومن‮ ‬يخرج من إطارها فهو مدان اجتماعياً‮ ‬وسياسياً‮ ‬وعن طريق نزاعات محلية جانبية تخرج عن الأهداف الوطنية وهو سلوك‮ ‬يؤثر على مستقبل الشعب ونشر ثقافة الديمقراطية بشكل صحيح على اعتبار أن لهذه الثقافة أصول أممية لا‮ ‬يجوز التلاعب بها تحت‮ ‬يافطات شخصية أو محلية ضيقة أو طائفية،‮ ‬فلا‮ ‬يمكننا الحديث عن الديمقراطية والحرية ودولة القانون والمؤسسات وبعض الأنظمة في‮ ‬الدول العربية أو القوى والجماعات السياسية تمارس الفعل السياسي‮ ‬التالي‮:‬
أولا‮: ‬التجريم والتخوين،‮ ‬ليس مطلوباً‮ ‬منا أن نجرم كل عمل سياسي‮ ‬في‮ ‬المجتمع فالمقاطعة والمشاركة سواءً‮ ‬كانت للتنظيمات السياسية أو الإفراد هي‮ ‬حق لهم في‮ ‬خيارات العمل السياسي،‮ ‬ودول عربية عديدة ومنها مصر عندما قاطعت المعارضة المصرية الانتخابات البرلمانية‮ ‬عادت وشاركت بعد ذلك،‮ ‬ولكن من الخطأ أن ننجر إلى سياسية التجريم والتخوين لكل فعل سياسي‮ ‬يصدر عن طرف معارض أو من الموالاة،‮ ‬فعلينا أن نحترم خيارات الأخر حتى تحترم خياراتنا‮. ‬
ثانياً‮: ‬رفض التعددية السياسية والفكرية،‮ ‬وهنا لا تستقيم التعددية السياسية إلا بوجود الأحزاب المعارضة والموالية وان تمتلك الحرية في‮ ‬التنظيم واختيار قياداتها وغير ذلك وفق المواثيق الدولية،‮ ‬فلا‮ ‬يمكننا الحديث عن تعددية سياسية وحرية العمل الحزبي‮ ‬كعصب لها وبعض الأنظمة تتدخل في‮ ‬شؤون هذه التنظيمات السياسية الداخلية أو تفرض عليها قيادات معينة،‮ ‬وبالتأكيد المتضرر هنا هي‮ ‬التنظيمات المعارضة على اعتبار أن القوانين تخترق بوجود تنظيمات طائفية أو‮ ‬غير رسمية إلا أن الرفض والمضايقات تكون من نصيب المعارضين فقط،‮ ‬فهذا السلوك في‮ ‬بعض الأقطار العربية‮ ‬يؤدى إلى وجود أحزاب موالية للحكومات فقط أو‮ ‬يجعل تلك الأحزاب ديكورات استكمال المشهد السياسي‮ ‬وبدون فعل حقيقي‮ ‬ولا‮ ‬يحقق التعددية في‮ ‬الرأي‮ ‬أو في‮ ‬العمل السياسي،‮ ‬ومن جانب آخر لا‮ ‬يمكن أن تكون لنا تعددية والبعض‮ ‬يطالب بشطب أو منع هذا التنظيم أو ذاك على اعتبار انه شيوعي‮ ‬أو اشتراكي‮ ‬أو معارض وغير ذلك وكأننا نختصر التعددية فقط على تنظيمات الإسلام السياسي‮ ‬أو الموالاة‮.‬
ثالثاً‮: ‬العنصرية،‮ ‬لا تستقيم الحياة الديمقراطية بإقصاء المرأة أو عرق معين من المشاركة السياسية،‮ ‬فهذه الإعمال تؤدي‮ ‬إلى تهميش شريحة كبيرة من المجتمع ولذلك فإن قوانين الديمقراطية لا بد أن تكون متوافقة مع حقوق الإنسان ولا تمارس الرفض لدخول المرأة للعمل السياسي‮ ‬أو الترشح أو التصويت للمجالس المنتخبة‮.‬
رابعاً‮:‬الطائفية والمناطقية،‮ ‬هل‮ ‬يعقل أننا نتحدث عن وطن واحد وعن وحدة وطنية ثم‮ ‬يمنع المواطن في‮ ‬بعض الدول العربية من التملك في‮ ‬وطنه وكأننا نعيش أيام النظام العنصري‮ ‬في‮ ‬جنوب أفريقيا عندما كان‮ ‬يمنع المواطنون السود من السير في‮ ‬شوارع البيض،‮ ‬وهذا لا‮ ‬يتفق مع حقوق المواطنة التي‮ ‬تدرس للتلاميذ في‮ ‬المدارس ولا حتى مع دساتير الأنظمة العربية التي‮ ‬يضعونها والتي‮ ‬تنص على حرية العمل والتملك دون تمييز‮.‬
جزء كبير من هذه الممارسات‮ ‬يقودها بعض الأنظمة في‮ ‬بعض الدول العربية وكل ذلك من اجل تفريغ‮ ‬الديمقراطية من محتواها الاصلى وتحويل البلدان إلى ساحة للنزاعات المحلية الداخلية فتضيع المطالب الشعبية ولا‮ ‬يبقى من الديمقراطية إلا الاسم فقط ويصبح مطلب الشعب الحفاظ على وحدته وليس المشاركة في‮ ‬القرار أو السلطة أو الثروة وتبقى تلك الأنظمة تمارس الفساد بكافة أشكاله والاقتصاد‮ ‬ينحدر نحو الهاوية والمجتمع مشغول بنزاعاته الداخلية حول المسائل الهامشية،‮ ‬والمخيف هنا أن المجتمعات العربية تستنزف المرحلة الدولية ضمن منطق بعض الأنظمة وحتى تستقيم الأمور كما‮ ‬يراها ذلك الفريق ثم‮ ‬يعود المؤرخون من جديد ليكتبوا صفحات النضال الوطني‮ ‬وكأن شيئاً‮ ‬لم‮ ‬يكن،‮ ‬ونبدأ من المربع الأول ولا مانع ما دامت بعض الأنظمة العربية الحاكمة في‮ ‬الظل أن تستمر أنت في‮ ‬الشمس كما‮ ‬يرونها‮.‬








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟


.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة




.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه