الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طائرات العيد

دينا سليم حنحن

2007 / 1 / 5
الادب والفن


استلمتُ دعوة بالبريد لحضور مراسم عيد الميلاد, بما أني في بلد جديد, وتقبلتها شاكرة.

كانت الاستعدادات لهذا العيد مغايره, ولها طعم آخر, نصبتُ سروة بيضاء, (كما تمنيت دائما) ودشنتها في ركن بيتي الجميل بالكرات الحمراء المتلألئة, وضعت في أسفلها الهدايا المغلفة بضحكات بابا نويل, الخ, فكانت أولى بهجة العيد !

كما كانت أيام العيد حافلة بالبطاقات والهدايا على جميع أشكالها, ألوانها ومعانيها, التي ملأت صندوق بريدي الألكتروني والعادي, المُهم...

مكان الدعوة نهر (بريزبن) الساحر, الذي امتلأ بالناس, توافدوا من جميع المناطق المحيطة, ملأوا المكان بقبعاتهم البابانويلية, ضحكاتهم وسرورهم, اكتظت الجسور العريضة والواقعة على النهر بالحشد والأعلام المرفرفة عاليا. اتخذتُ لي مكانا, بالقوّة وجدتهُ, على طرف الجسر, وبهرني المنظر بينما كانت الموسيقى المنبعثة تغمر المكان بأغاني العيد الجميلة.
بهرتُ بكل هذه الآلاف التي انضمت الى الحفل, أيقنتُ حينها أنني لستُ الوحيدة التي أرسلت لها دعوة للحضور !

انسابت مياه النهر بخفة وهدوء, جمع النهر في حضنه قوافلا من الأضواء المنعكسة بألوانها المختلفة, للمباني العالية القريبة, والأشجار الشامخة المرتصة المتلاصقة المضيئة, التي يعجز عن توثيقها أعظم رسام كوني.

لم أنتظر كثيرا, فمن عادتي عدم الالتزام للمواقيت, خاصة وأن الدعوة كانت مفتوحة لحضور فعاليات استمرت طوال النهار وحتى منتصف الليل, يا لهذه الولاية العملاقة, تظافر كافة جهودها من أجل احلال البسمة في قلوب مواطنيها !

توقفت الموسيقى, اعتلى المنصة من بعيد, مذيع التلفاز للقناة المحلية, الذي انضم الى الاذاعة المحلية أيضا, مكان البنايتان مجاورا للنهر حيث يقف الآلاف, أعلن اقتراب ساعة الحسم. دقت الساعة, والناس تترقب حدثا لم أعهده أنا من قبل:
- عشرة, تسعة, ثمانية, سبعة...
وما أن وصل الصفر ليحتل منصة العدّ, إذ بطائرات حربية تخترق الجو بصخبها المخيف, هديرها المميت, وضخامتها المحكمة, تقترب الى النهر, ظهرت من بين بنايتي التلفاز والاذاعة, حلّقت بتعدادها, نثرت الرعب في قلبي المهدور, ملأتني ريبة ما بعدها ريبة. تطلعتُ الى السماء أستكشف الحدث, لم أجد الإجابات على تساؤولاتي السريعة, ترددتُ , وفكرت بالهرب, لكن من أين؟ وكيف , والعشرات يحيطونني, إن لزم الأمر لتسريحهم فسيكون الجميع مدججين بدمائهم, أحسستُ بالخوف لأني لا أستطيع السباحة ونهر (بريزبن) عميق, أردت الهروب اليه, الى أحضانه, فهو أرحم من كل تلك الطائرات الحربية التي استولت على السماء , كانوا أقرب من رمش العين عليّ, يا الهي , انها خديعة!

تضرعتُ الى السماء التي بدت هي أيضا قريبة جدا, سألت الله عما يجري, لم يجبني ! فقد كانت اللحظات الحاسمة أقرب من انزال جواب ما, لا من الله ولا من عبيده الذين احتشدوا بألوفهم وتجمهروا بأبنائهم وأصدقائهم, سألتُ نفسي:
- ترى , هل هي خديعة مدبّرة من أجل قمعنا هنا بالذات وفي ليلة العيد ؟ ولماذا, هل وصلتنا (طرطوشة) من الحرب السائرة في شرقنا!

بدل أن أغلق عيناي مستسلمة خاضعة لموت أكيد وبهدوء, رأيتني أحملق بالطائرات الحربية التي طوقت المكان, راقبتُ الحدث بملإهما. ارتجف قلبي وارتعشت أوصالي من الأزيز الذي دعا الجسر يرتعد تحت قدميّ.

التزمت الطائرات العشرة صفين متوازيين, متقاربين, ثم اتخذت عدّة أشكال لا يتقنها سوى خيرة الطيارون, تبادلوا الأمكنة, توازنوا بخفة, قاموا بحركات بهلوانية في الجو, غادروا ثم رجعوا, رجعوا وهم يحطون رحال صخبهم من جديد على الكون وعلى الحشد الذي أصرّ على المزيد.
ارتفعت الطائرات العشرة, بينما يختفي التصفيق بين أزيزها المخيف, اشتد التصفيق, آلاف يصفقون ويصرخون, والمذيع يهنىء الحضور بهذه المفاجأة التي أعدتها الدولة لمواطنيها.

الدولة تكرس الطائرات الحربية, من أجل الترفيه, يا للغرابة! تريد لشعبها أن يكون أكثر سعادة وقوّة مما هو عليه, الولاية تعمل على تدعيم وسائل السعادة لمواطنيها فيختارون نهر ومواطني (بريزبن) لأجل هذا الهدف الهام في الحياة هنا, أن يكون الجميع سعداء, المسؤولون هنا يتحاورون, يتجادلون ويتناقشون ,طوال السنة,على كيفية صنع السعادة في القلوب ورسم الابتسامة على أفواه العبيد, نحن!

ارتجف قلبي لوعة وخشوعا, أنا أمام طائرات حربية لا تخيف, أتت كي تبرهن أنها تحب السلام وتكره الحروب, تقول أننا مستعدون, لكن لغير الحرب, لا للقتل , نحن ندعم الانسانية فالبشرية أثمن شىء في الوجود.
لم أعلم كيف أكون حينها, وأن أكون أو لا أكون! أن أكون بشرية تحب السلام, أم أكون مجرد انسانة أتت من الشرق الذي يحترق, معتادة على القصف والحروب, على الكراهية والحقد ! بربكم أعينوني, كيف يجب أن أكون !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج