الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عراق ما بعد الدكتاتورية آليات تشكيل - العراق الجديد

سلامة كيلة

2003 / 7 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



عراق ما بعد الدكتاتورية
آليات تشكيل «العراق الجديد»

سلامة كيلة
خطوات تشكيل الدولة العراقية بدأت. وربما كان هناك من ينتظر تحقيق «الوعود»، تلك الوعود التي تركزت بالأساس، على ما هو حسَّاس وضروري لدى العراقيين، كما لدى العالم، وأقصد هنا: الديمقراطية. حيث كان الحلم بأن يفضي إنهاء الدكتاتورية، إلى أن يؤسس الشعب نظامه، وأن تحكمه سلطة ديمقراطية. فقد كان «الهدف» من الحرب، وفق الخطاب الرسمي الاميركي، هو إزالة الطغاة ونشر الحرية، بتأسيس نظام ديمقراطي يكون جزءاً من «العالم الحرّ».
لكن توضّح منذ البدء أن الجيش الاميركي قادم ليحكم، حيث أصبح القائد العسكري للحرب هو الحاكم العسكري، كما عُيِّن «حاكم مدني» أميركي تحت إمرته، كخطوة لفرض «إدارة إنتقالية»، هدفها بناء الدولة العراقية، وخلق «العراق الجديد» عبر «تأهيل» الشعب العراقي لكي يستطيع حكم نفسه بنفسه، لأنه يحتاج إلى التدريب على الديمقراطية، فقد «ثبت» أنه عاجز عن تحقيق ذلك، فلم يجلب سوى «الدكتاتورية» أو «الفوضى»، ولقد «أكدت» مرحلة الاستقلال ذلك. وإذا كنا نسترجع هنا الخطاب الاستعماري القديم، ونلمس أن هذا الخطاب الجديد يكرّر ذاك القديم، وربما كلمة بكلمة، فإننا نلمس كذلك الأساس الذي تقام عليه ضرورة الاحتلال، أو ضرورة العودة إلى الاستعمار. وهي النظرية التي باتت تطرح تحت يافطة «عودة الامبريالية».
إن الخلفية التي تحكم النظرة الاستعمارية الجديدة، والتي تطبق الآن على العراق، تقوم على المسائل التالية:
* إن الاميركيين يتعاملون مع المجتمع العراقي، إنطلاقاً من انه مجتمع قبائل وطوائف وإثنيات، لم ترتقِ العلاقات فيه إلى مستوى التعامل المدني الحديث.
* وإنهم يعملون على التعامل مع زعماء ووجهاء هذه القبائل والطوائف والإثنيات، ويعملون على تكريسهم ممثلين للشعب العراقي.
* إن السلطة الجديدة ستكون هي سلطة «النخبة» الجديدة، المكونة من هؤلاء الزعماء والوجهاء.
بمعنى أن زاوية النظر الاميركية تنطلق من أن المجتمع العراقي هو مجتمع مفكك ومفتّت، وما قبل حديث، يعيش «القرون الوسطى» بكل تخلفها وربما بربريتها، لا يعرف الحقوق، والمأسسة، ويفتقد النظرة العقلانية الحديثة..الخ، ولهذا بالذات يحتاج إلى الاستعمار، إلى «الحكم الخارجي». وهنا نلمس كيف أن أميركا تحقق «رسالتها التاريخية» التي كلّفها الله بها، حسب آخر إشارات بوش الابن. وبالتالي فقد زحفت الجيوش الاميركية لكي تدربنا على الديمقراطية، ولم تزحف لكي تسقط الدكتاتورية وتقيم الديمقراطية كما اوضحت في خطاب قدومها .
ولهذا فإن الفيدرالية المطروحة كأساس لتشكيل الدولة الجديدة، هي فيدرالية قبائل وطوائف وعشائر، وليست الفيدرالية التي كانت نتاج التكوين المدني الحديث، إنها الشكل الكاريكاتوري لها، التي تقود إلى تأسيس «دولة هشة»، هي في الواقع تجميع شكلي لبنى متنافرة متذررة، وتعمل دوماً على إعادة إنتاج تنافرها وتذررها. وكذلك تكون الديمقراطية هي «ديمقراطية» ممثلي الطوائف والعشائرو الإثنيات، أي لا تنطلق من الأساس البسيط للديمقراطية، الذي هو حق المواطنة، المواطنة التي تتجاوز الطوائف والعشائر والإثنيات.
وإذا كان التخلّص من الدكتاتورية ضرورياً، فإن «ديمقراطية» أميركا تقوم على التخلّص من كل التكوين المدني الذي تحقق طيلة عقود، و«إنبات» المستحاثّات هو تدمير المجتمع، ليعاد القديمة، وتركيب الدولة الجديدة على أساس هذه المستحاثات. والزمن الفاصل بين تدمير البنى القديمة للدولة والمجتمع وإعادة تركيبها هو زمن «الإدارة الانتقالية»، حيث سيعني التدريب على الديمقراطية، تفكيك المجتمع إلى طوائف وقبائل، أي الانتقال من التعامل مع الشعب كشعب يحكمه حق المواطنة، إلى التعامل معه كطوائف وقبائل وإثنيات، لكي تتأسس "ديمقراطية» هؤلاء. إذن أن المرحلة التالية لتدمير الدولة (تدمير جيشها ومؤسساتها) تركيبه وتركيب الدولة على أساسه في ظل الاحتلال الطويل.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الثقة بين شيرين بيوتي و جلال عمارة ???? | Trust Me


.. حملة بايدن تعلن جمع 264 مليون دولار من المانحين في الربع الث




.. إسرائيل ترسل مدير الموساد فقط للدوحة بعد أن كانت أعلنت عزمها


.. بريطانيا.. كير ستارمر: التغيير يتطلب وقتا لكن عملية التغيير




.. تفاؤل حذر بشأن إحراز تقدم في المفاوضات بين إسرائيل وحماس للت