الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق ليس قصة نفطية فقط

ثائر دوري

2007 / 1 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يحاول البعض تلخيص المشروع الأمريكي في العراق بموضوع النفط فقط ، فيقولون إن الولايات المتحدة تسعى للاستيلاء على النفط العراقي للحصول على الأرباح المتأتية من بيعه لصالحها ، و يقيسون نجاح أو فشل المشروع الأمريكي من هذه الزاوية فقط . هذه النظرة الاقتصادوية ليست صحيحة و تتجاهل جوهر الموضوع فهي تنظر إلى التاريخ و الجغرافيا نظرة قاصرة . فالنفط العراقي على أهميته بالنسبة للاقتصاد العالمي لا يشغل إلا حيزاً من أهداف الغزو و الاحتلال الأمريكي لهذا البلد العربي .
إن أهمية الوطن العربي لا تختزل بالنفط بل إن الوطن العربي كان له أهميته الإستراتيجية قبل عصر النفط ، و سيبقى مهماً بعد انتهاء عصر النفط كل ما في الأمر أن ظهور النفط قد ضاعف أهمية الوطن العربي أضعافاً مضاعفة .
بالعودة إلى التاريخ نجد أن أولى محاولات السيطرة الغربية على الوطن العربي بدأت في القرن السادس عشر و ذلك بالهجوم على سواحل المغرب و الجزائر ، و لا يزال الاستعمار الإسباني لسبتة و مليلة شاهداً على ذلك ، كما حاول البرتغاليون أثناء التفافهم حول رأس الرجاء الصالح الاستيلاء على ميناء جدة . لكن ظهور العثمانيين كقوة برية و بحرية في الوطن العربي دفع الغربيين عن سواحل المغرب العربي و حصن مضيق باب المندب في وجه محاولات التدخل الغربية فبقي الوطن العربي مع الدولة العثمانية كالقلعة المحاصرة . و عندما بدأت بوادر نهوض داخل الدولة العثمانية المريضة تجلت في المحاولة الوحدوية التي قامت في مصر على يد محمد علي باشا ، حيث أرسل ابنه إبراهيم باشا إلى سوريا ليوحدها مع مصر ، عند ذلك تناست الدول الغربية كل خلافاتها و حروبها الدموية و توحدت لمهمة وحيدة هي ضرب هذه المحاولة الوحدوية و كان لها ذلك ، في ذلك الوقت لم يكن هناك نفط . و عندما جاء نابليون بحملته الاستعمارية للاستيلاء على مصر لم يكن هناك نفط أيضاً . إن جوهر الأمر هو الموقع الإستراتيجي فالوطن العربي هو قلب العالم و هناك من يشبه بغداد بسرة الكون ، فاستعماره هو حجر الزاوية في عملية استعمار العالم وبالعكس فإن تحرره هو حجر الزاوية في تحرر العالم .
وعندما انعقد المؤتمر الصهيوني في بازل في نهاية القرن التاسع عشر و قرر استعمار فلسطين كمشروع غربي لإقامة حاجز استيطاني غريب يفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه لم يكن هناك نفط ، و عندما أطلق بلفور وعده عام 1917 لم يكن هناك نفط . و عندما أعد الغربيون تقرير كامبل بنرمان الذي يحدد مصدر الخطر على الحضارة الغربية بوجود أمة متماسكة تمتلك أسباب النهوض و لها حضارة واحدة على شواطيء المتوسط لم يكن هناك نفط أيضاً .
أهمية الوطن العربي لا تختزل بالنفط فقط . لقد رفع النفط أهمية الوطن العربي إلى أس عشرة ،عشرين ، ثلاثين ، ربما ألف .لكن ذلك لا يلخص المسألة . كما أن أهمية النفط لا تختزل بكونه سلعة للبيع و الشراء فقط كما يصوره هواة اختزال المسائل و تشويهها ، بل هو سلعة استراتيجية و أداة ضغط سياسي بمعنى أن من يملك قرار النفط يملك إمكانية الضغط السياسي على شرق آسيا و أوربا .
من هنا يجب رؤية المشروع الامبرطوري الأمريكي الذي يريد وضع أساسه العميق انطلاقاً من العراق الذي يعتبر قلب أوراسيا جغرافياً و طاقياً . فالغزو الأمريكي للعراق هو مشروع هيمنة عسكرية على الوطن العربي أولاً لضرب محاولات نهوضه التي تشكل الخطر الأكبر على النظام العالمي القائم ، و من ثم تحويله إلى قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة و الانطلاق منه نحو تأبيد الهيمنة على بقية العالم . و من ينظر إلى الخريطة يجد أن العراق هو الجسر الضروري لإتصال شبكة القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة في آسيا الوسطى مع تلك الموجودة في الخليج العربي . و إذا ما أتيح للأمريكان الإمساك بالعراق فهذا يعني أنهم أمسكوا بالوطن العربي و منعوا نهوضه أولاً ، ثم سيطروا بالعالم أجمع ، و هنا يدخل النفط كتفصيل مهم من تفاصيل الموضوع لكنه لا يختزل الموضوع بتاتاً . لذلك يجب النظر إلى إنجازات المقاومة العراقية الهائلة من هذه الزاوية لا من زاوية تعداد براميل النفط التي استطاعت الولايات المتحدة تصديرها من العراق . لقد منعت المقاومة العراقية الولايات المتحدة من الإمساك بالعراق و عطلت مشروعها الإمبرطوري و خفضت مكانتها العالمية و حتى النفط منعتها من السيطرة على قراره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟