الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعدام صدام حسين..وأنسنة الديكتاتور

كمال رزق

2007 / 1 / 6
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


1- ليبرالية الاجتثاث:
أن تتناول عملية إعدام صدام حسين بالنقد فهناك احتمالين لا ثالث لهما : إما أن صدام ولي نعمتك أو أنك تناصر الطغاة والمستبدين على طول الخط.
ليس هناك احتمالات أخرى كأن تكون – مثلاً- ضد حكم الإعدام من حيث المبدأ
أو أنك ترفض ما صاحب تلك العملية من أجواء تثير الاشمئزاز ( والتي بدت كغيرها من عمليات الخطف والقتل التي تحدث يوميا في العراق الجديد)
وليس لأنك أصلاً تحتقر ثقافة الثأر والانتقام والتشفي .
إذاً عليك أن ترقص مع الراقصين فوق جثة صدام وتستمري منظره وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة .. وتغض الطرف عن النداءات الطائفية المقيتة التي أطلقها جلادوه وقبلها بعض رموز حكومة العراق الوطنية!..
والأهم من كل ذلك أن تتناسى وإلى الأبد شيئاً اسمه احتلالا أمريكياً للعراق .. فمن أسقط صدام ومن اعتقله وحاكمه وأعدمه هو الشعب العراقي ليكون عبرة لمن يعتبر من الطغاة والظالمين ؛ دون مساعدة أحد
وبذلك فقط أنت مع عراق ديمقراطي جديد موحد مستقل!!!
عليك إذاً أن تتلفظ بكلمات على شاكلة : المقبور صدام أو الملعون أو المذلول أو الزنديق إلى آخر هذه العبارات التي تنم عن ذوق إنساني رفيع..... كي يصبح خطابك ديمقراطياً ليبرالياً..
وأما إن تلفظت بجملة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين- مثلاً- فأنت من دون أدنى شك ظلامي إرهابي بعثعفلقي شوفيني وبالتالي عدواً للإنسانية جمعاء.
باختصار:
أن تمتلك خطاب ثأري انتقامي اجتثاثي فأنت ولا غيرك المؤمن بالديمقراطية والتعددية والعيش المشترك!!.

2- من الذي أعدم: صدام الديكتاتور أم صدام الوطني المؤمن ؟
أعدم الديكتاتور صدام حسين شخصا ورمزا يوم قبض عليه مختبئاً في حفرة تحت الأرض....آنذاك حوكم وأعدم فعلياً أمام أعين الملأ - طبعاً على يد الاحتلال الأمريكي- ديكتاتورا هاربا من مواجهة المحتل ؛ خائفا على حياته فقط ؛ غير مكترث بما آلت إليه بلاده.. وبالتالي لم يترحم عليه أحد حينها.
ولكن ولكي يقتنع البسطاء أن العراق حر مستقل كان لا بد من إحياء هذا الرجل من جديد كي تعاد محاكمته ومن ثم إعدامه بأيدٍ عراقية...
ولأن التاريخ لا يعيد نفسه .. ولأن العراقيين لا يملكون أمرهم أصلاً .. ولأن ثقافة الحقد والثأر قد تأصلت في النفوس أكثر من أي وقت مضى ظهر هذا الرجل أثناء محاكمته في صورة مغايرة تماماً عما كانوا يريدونها له ( رجل عنيد.. شجاع ... يلوح للمحتل بيد ويحمل القرآن الكريم بيده الأخرى ..)
ولم يحن موعد إعدامه حتى اكتملت هذه الصورة على شاكلة رجل وطني مؤمن ..
لذلك كان صدام أثناء إعدامه فرحاً وساخراً من جلاديه الملثمين ومنا جميعاً :
فرحاً لأنه أعطي هذه الفرصة- المحاكمة الصورية- وبإشراف من قوى الاحتلال ..
وساخراً ممن كان يمني النفس بأن تكون محاكمته مرحلة جديدة يعتبر منها الطغاة والمستبدين في بلادنا
وكم كان محظوظاً هذا الرجل بجلاديه الذين كانوا أدنى قامة منه بكثير.

3- هدية أمريكية للمليشيات الطائفية المتناحرة:
لا يمكن لطاغية إلا أن يكون عادلاً في توزيعه للظلم على الجميع أياً كانت انتماءاتهم المذهبية أو الإثنية أو السياسية داخل مزرعته الكبيرة.. لماذا إذاً أريد لعملية الإعدام تلك أن تبدو برمتها وكأنها انتقام شيعي دون المكونات الأخرى للشعب العراقي ؟
لماذا لم يوقع على قرار الإعدام جلال طالباني؟
لماذا سلمه الاحتلال الأمريكي في هذا الوقت بالذات لحراس يتبعون لمليشيا طائفية محددة؟ وطبعاً ما أسهل أن يبتلع الطعم من تربى على ثقافة الحقد والعصبية الطائفية والعشائرية( أتحدث هنا عن الجميع) فيبرر توقيت الإعدام ( بعذر أقبح من ذنب) : لأن عيد الأضحى المبارك في العراق يصادف يوم الأحد..
أوليس هذا فخاً وضعه الأمريكي لتدشين مرحلة جديدة يلعب هو فيها دور الحكَم في صراع أهلي متقد ؟ أولم يتحدث بوش عن إستراتيجية جديدة بشأن مستقبل العراق؟
أولم ينسى البسطاء إلى حين الخطر الإسرائيلي في المنطقة وبالمقابل تعلو النداءات المنبهة للخطر الإيراني؟
أولم ينسى الكثيرون ما فعله صدام من مظالم بحق شعبه( وهذا الأخطر) أمام شعورهم بحجم الظلم والتفاهة والحقد والتشفي الذي ألحقه به شانقوه ...
أولم يصبح الخطاب الطائفي الموجه أكثر حماسة الآن بل أكثر مشروعية من ذي قبل؟
إن إعدام صدام حسين بهذا الأسلوب كان فعلاً هدية عيد ولكن ليس لشعب العراق بل كان هدية أمريكية للمليشيات الطائفية بكافة أشكالها والتي تأخذ على عاتقها إحراق وتفتيت العراق بمباركة من قوى الاحتلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف