الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغلاء يهدم بيوت المغاربة و سبب الاحتقان الاجتماعي بالمغرب

عبد الحق لشهب

2007 / 1 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


ابتدأت الأزمة منذ سنة 1977 عندما أعلنت الدولة عن سياسة تعسف صارمة عبر مخطط 1978/1980،هذه السياسة ساهمت في زيادات مهولة في أسعار المواد الأساسية (السكر، الزيت، الدقيق، الملبس).و التي أدت إلى ردود فعل موازية أعلنها الشارع المغربي،كان على رأسها انتفاضة 20 يونيو ، خاصة بمدينة الدار البيضاء.
إن تفاقم الديون المغربية و التي كانت نتيجة الارتباط بالمؤسسات الدولية ، من خلال اعتماد سياسة التقويم بداية من سنة 1983، أعلنت من خلالها الدولة عن مسلسل اقتصادي جديد عنوانه البارز خوصصة مجموعة من المؤسسات العمومية للخدمات. مما صعد الخدمة المؤداة عن المديونية الخارجية.تدفع الدولة في اغلب الحالات على البحث عن حلول داخلية ولو على حساب المطالب الاجتماعية ، حتى يتسنى لها تسديد ديونها المتفاقمة من عائدات الميزانية العمومية ، و هو الشيء الذي أدى إلى إفقار الشرائح الإجتماعية الدنيا،و استفحال وضعها الإقتصادي نحو الأسوء، و تدني مستوى العيش، بما صاحبه من ارتفاع صاروخي في أسعار مواد الإستهلاك.
في الوقت الذي بقيت فيه الأجور في مستوى ثابت ، زيادة على أرقام البطالة التي تضخم حجمها دون خلق فرص جديدة للشغل، بل أكثر من ذلك اعتماد سياسة ضريبية تقوم على الإستنزاف كتلك المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة (TVA)، و التي تم إقرار وجودها القانوني ابتداء من منتصف الثمانينات.
سياسة النار و الدم لقمع الرفض
انتفض الشارع مرة أخرى على إيقاع زيادات جديدة في يوم 14/12/1990 إعلان الدولة عن رفع أسعار 3 مواد أساسية سنة 1989، في رد فعل مناهض بكل من فاس و طنجة (بني مكادة)، أرغمت الدولة على استعمال آلة القمع، و إغراق المظاهرات بالنار و الدم، في مقابل سن قوانين جديدة تعلن فيها عن زيادات طفيفة في الأجور.
و ابتداء من ذلك التاريخ و الدولة لم تتوقف على فرملة مكتسبات تحققت في مراحل سابقة. فوضعت مجموعة من القوانين الداعمة لمخططاتها القائمة على ترسيخ اقتصاد ينبني أساسا على الخوصصة، و يرمي إلى تصفية الخدمات العمومية و المجانية النسبية في بعض القطاعات (كالتعليم و الصحة العمومية) من مثل: "ميثاق التربية و التكوين، مدونة الشغل، قانون الإرهاب، قانون الصحافة، مدونة الأسرة، مراسيم القضاء على مجانية التطبيب في المستشفيات العمومية، مشروع القانون التنظيمي للإرهاب. هذا ناهيك عن عزف نفس اللحن المتعلق باستمرار تفويت و بيع ما تبقى من مؤسسات الدولة و الخدمات العمومية (الأبناك، اتصالات المغرب، تفويت تدبير الماء و الكهرباء بعدد من المدن الكبرى و الحيوية).
و في خضم هذه الإجراءات تم الإبقاء على نفس الوضع الأجري، بل أكثر من ذلك تم إلغاء قانون السلم المتحرك للأجور و الذي كان مطبقا منذ الخمسينات، و بإيعاز من الدولة نفسها، هذا دون الحديث عن الإنتهاكات الصارخة المرتبطة بالحد الأدنى للأجور و الذي لا تخضع له مؤسسات الإنتاج بما فيها المؤسسات العمومية.

حلول ترقيعية تفكك النسيج المجتمعي
هي حلول ترقيعية، أقل ما يقال عنها أنها تفكيك تدريجي للنسيج المجتمعي، و ضرب لتماسكه. هل هي ديكتاتورية السوق؟ و ما معنى انقياد الدولة الكلي وراء هذه السياسات رغم معرفتها الأكيدة بخطورتها على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية؟
منذ عقود ثلاثة، و الدولة ماطية في غض الطرف عن تدبير الخدمات العمومية، بتوجيهات من مؤسسات مالية و دولية، تعمد من خلالها إلى تفويت معظم المرافق العمومية الحيوية إلى القطاع الخاص، المحلي و الأجنبي، و هي تعتمد في ذلك على حكومات متعاقبة تسخرها بالتعيين للتنفيذ خياراتها بأداء محكم، بإيقاع متسارع.
إلا أن الإشكال، و الذي يعني تكريس لأزمة مستفصلة دائمة التكرارية، هو فرض سياسات، تعطي تعريفا للنمو يناقض ما هو قائم في المضمون الواقعي للجوهر الاقتصادي و بالذات في دعاماته الإنتاجية، و إرساء بد له، اقتصاد يتصدر فيه الريع، و الامتيازات، و المنافسة غير المتكافئة واجهة اللائحة، دون التزامات مرتبطة بضمانات اجتماعية حقيقية بديلة، تهدف إلى تقليص كلفة الإنتاج، و لكنها تزيد فيها دون تحقيق معدلات نمو كما هو سائد في اقتصادات الدول المتقدمة، خاصية و أنها تقدم على استنزاف الثروة. باعتماد سياسة أجرية غير متساوية مضمونها الأساس تجميد الأجور، بل وتقليصها في أغلب الأحيان.
هذه السياسة ترسخ هوة اجتماعية سحيقة، حيث تتكدس الثروة بين أيدي قليلة معدودة على رؤوس الأصابع، و شركات عائلية كبرى.تهرب ما تم تحصيله إلى الخارج، في اللحظة التي تتعرض فئات و شرائح اجتماعية كبيرة إلى الإفقار و الإقصاء و التهميش، و مختلف الأمراض الاجتماعية، تهدد ثلثي الساكنة، على أكبر تقدير. هذا في الوقت الذي تنتج فيه البلاد ثروات اقتصادية هائلة. في اللحظة التي بات مؤكدا، دون أدى مجال للشك، أن الخوصصة لم تؤد ما كان مطلوبا منها، أي زيادة نسبة متقدمة من النمو، و لكن على العكس من ذلك، أدت إلى الهدر، و الإجهاز على الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، بل إلى إهدار متعمد للمال العام.
إبرام معاهدات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي، و الولايات المتحدة الأمريكية، لم تتضمن بنودها تأسيس إرادة حرة و اختيارية تقوم على بناء سياسة اقتصادية واجتماعية تنموية، بل على الضد تماما، فهي تفتح الباب على مصراعيه بهدف تحويل الفائض الاقتصادي المغربي نحوى الخارج،و هوالشىء الذي يعنى مزايدا من تعميق أزمة التوازنات (الاقتصادية و المالية ) المتأزمة أصلا ، مع ما يصاحبه ذلك من ممارسة استغلال بشع للطبقة العاملة (الصناعة و الفلاحة)، من خلال تشديد الخناق عليها و استغلالها بأبشع الطرق ، كتلك المتعلقة بسن سياسة اجرية ظالمة، كما تجسدها في الواقع، مدونة الشغل، في صيغتها المعدلة.
- اقتصاد ريعي ينتج أمراضا اجتماعية خطيرة
هي أزمة خطيرة تمس الوضع الاقتصادي و الاجتماعي المغربي،وهي إفراز للأحادية الفكر في التدبير الاقتصادي و الاجتماعي ،و استغلال هدا الفكر من طرف فئة مستنفذة في أجهزة الدولة لتكديس الثروة، ومتراكمة الامتيازات، انه نوع من الاستبداد الاقتصادي ،علي شاكلة فردانية الحكم في مستواه السياسي، بضرب مكتسبات، و يعمق شروخا اجتماعية.
فهذه الإزدواجية الاقتصادية، أول إفراز تنقي هو التخلف و التبعية، فتأسيس نمط اقتصادي غير منتج، و مرتبط كليا بالخارج، يتحكم فيه وكلاء محليون لفائدة الشركات الدولية العملاقة، أول ما ينتجه هو أحزمة الفقر المنتشرة كالفطر، في كل مكان. و بالتحديد في المدن الساحلية، حيث الحركية الاقتصادية المرتبطة بحركية السفن في الموانئ الكبرى، في مقابل انتشار اقتصاد متخلف و تقليدي متقادم في المدن الداخلية و الأحزمة القروية المحيطة بها، حيث تتبدى معالم أمراض اجتماعية خطيرة، يتفشى فيها الفقر، و مختلف أنواع التهميش و الإقصاء، بل و سيادة إفرازات و مظاهر منفرة، كالجريمة، و الفساد، و الأمية، هذا في اللحظة التي تلجأ الدولة فيها إلى إعمال آلية التسريح الجماعي للعمال، و الطرد التعسفي، و استبعاد تفعيل مضامين مدون الشغل رغم عيوبها التي لا تخفى على أحد.
إن الإنقياد المطلق نحو الليبرالية المتوحشة تجسده سياسات الدولة المتبعة و الرامية إلى استقالتها من تدبير الخدمات العمومية، و تفويتها في مقابل ذلك لقطاع خاص أجنبي، يعمق الفوارق الاجتماعية، و يؤثر بشكل سلبي على معيشة الطبقات المسحوقة. بل أكثر من ذلك، فإن السياسة الحالية للدولة تذهب بخطى محكمة في اتجاه الإجهاز على القدرة الشرائية للمواطن من خلال رفع أسعار الخدمات الأساسية، و المنتجات الحيوية، سواء عن طريق الزيادة المباشرة في الأسعار، أو بطريق غير مباشر، كالرفع من معدلات الضرائب على الإنفاق، أو من خلال المحاولة الجادة الرامية إلى إلغاء صندوق المقاصة، و استهدافه، رغم أنه لا يقوم بوظيفته و القائمة على أساس خلق حد أدنى من التوازن الاقتصادي و الاجتماعي و المحافظة عليه.
في اللحظة التي يدعي فيها الدولة وجود ازدهار و نمو، تسقط في مفارقة تناقضية، تظهر معالمها بجلاء في واقع مليء بالبؤس، و التهميش، حيث تتقوى فرضية الإنتفاض الجماعي عبر كافة التراب الوطني، كرد فعل مناهض لواقع غير مقبول، حيث تتقلص كل أشكال الدعم الاجتماعي (الصحة و التعليم)، بالزيادة في معدلات الضريبة على الإنفاق، غالبا في البحث عن التعويض عن المواد المالية المفقودة بعد التفكك الضريبي، الناتجة عن فقدان الرسوم الجمركية بعد التوقيع على اتفاقيات التبادل الحر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس