الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسائل من غرفة اعدام صدام

نائل الطوخي

2007 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


هكذا كانت النهاية إذن، هكذا كانت الحلقة الأخيرة من لعبة الرموز التي تعرض لها صدام حسين منذ سقوط بغداد في التاسع من إبريل، اللعبة التي بدأت أولي مراحلها بإسقاط تمثاله في أكبر ميادين عاصمته وتغطيته بالعلم الأمريكي، مرورا بإخراجه من حفرة وتعريضه للفحص الطبي المتأفف، وانتهاء بالرسالة الأخيرة، المكثفة، لإعدامه في فجر الثلاثين من ديسمبر الماضي، في عيد الأضحية. هنا توجهنا إلي عدد من الأدباء لمحاولة تحليل هذه الرموز المضمرة في مشاهد إعدامه.
يري الشاعر عبد المنعم رمضان أن حدث الإعدام كان تتمة الرسالة الأمريكية ذات الوجه الصليبي الواضح: فالحدث يكاد يكون صليبيا وقام بتحويل صدام حسين إلي هوية وديانة.
ليس هذا فقط بل بدا الأمر وكأنه رمز سني في مواجهة آخر شيعي كما يري رمضان. ويضيف: "ربما كان الحدث تمهيدا لتقسيم طائفي، فحتي موقف إيران المريب يبدو وكأنه موقف طائفي. حيث بدا صدام وكأنه هو ممثل السنة و كأن اضطهاده للشيعة كان اضطهادا سنيا لهم. كما أنه من نتيجة هذا أن أتحول أنا، و أنا شخص أزعم أنني بلا حماسة دينية، إلي التحمس للإسلام باعتباره هوية و ليس باعتباره دينا.
ويختتم عبدالمنعم رمضان بأسف: الحضارة الغربية هنا تناقض نفسها حيث ألغت دول غربية كثيرة عقوبة الإعدام، غير أنه كالعادة يتخلي الغرب في بلادنا عن أن يكون غربا، و إنما يصبح أسوأ منا في طائفيته و عنصريته .
إعدام ملف الأسرار
الكاتبة و الناقدة فريدة النقاش أشارت إلي مقال روبرت فيسك في الإندبندنت والذي دار حول أن التعجيل بإعدام صدام كان يهدف إلي التخلص من أي أسرار قد يحملها معه. غير أن الرسالة الأساسية المضمرة في هذا الإعدام و توقيته هو إذلال العرب و المسلمين، مشيرة إلي مقولة جورج بوش أنها حرب صليبية. ومع كل هذا فلقد لفتت شجاعة صدام الفائقة في استقبال إعدامه نظر فريدة النقاش، حيث هتف لفلسطين ورفض تغطية وجهه بينما كل من حوله كانوا ملثمين خوفا من عمليات الانتقام، برغم كل المحاولات لتصويره منكسرا و خائفا، كما لفتت نظرها الصور المبثوثة عن حياة صدام حسين والتي هدفت لنفس الغرض وهي تصويره في حالة يرثي لها مثل تكرار عرض صورته خارجا من حفرته. واختتمت النقاش حديثها بأن شخصية صدام حسين هي شخصية تراجيدية، حيث هو البطل الذي يسير نحو قدره، في الكويت كان مستأسدا غير أن هذا كان بداية الوصول إلي حتفه الذي سار إليه بلا تردد أيضا.
الكاتب والناقد سيد الوكيل شعر بالرعب مع بث مشاهد الإعدام حيث الرسالة واضحة لكل الحكام العرب وهي أن أمريكا قادرة علي فعل ما تشاء حتي في لحظة العيد الذي يقدم فيه الجميع أضحياتهم. و شعر أيضا بالحيرة لسبب بسيط، و هو أنه لدي رؤيته لمشهد قاس عن إعدام جندي أمريكي علي يد بعض الجماعات المسلحة فكر وقتها أن 35 عاما من القمع قد ولدت لدي هذا الشعب وحشية غريبة، أما مع مشهد إعدام صدام فقد أحس أنه ليس هناك من أمل علي اطلاق، سواء من الداخل أو الخارج، علي يد أنظمة جديدة أو قديمة، وكان مصدر الرعب كذلك أن مشهد إعدام صدام كان متقنعا بالديمقراطية و الشرعية وكان يتخذ مظهرا من القانون، برغم عدم قانونيته طبعا التي أوضحها معمر القذافي عندما قال أن صدام تم القبض عليه في حالة حرب، وبالتالي فهو أسير حرب، ويجب أن يعامل من هذا المنطلق. أضاف الوكيل أن كل شيء كان يدل علي أنهم كانوا يريدون أن يلعبوا ديمقراطية ولكن الأمر خرج علي إرادتهم.
وفي سؤال عن رأيه من الهدف في التعجيل بالإعدام قال الوكيل أن: المحاكمة دليل علي أن بوش يلملم أوراقه للرحيل من العراق. وهو قام بهذا لمواجهة الضغوط عليه كما استجابت الحكومة العراقية لأوامره. ليس من المستبعد أن يكون الإعدام عبارة عن تواطؤ بين الحكومة العراقية و الميليشيات العسكرية، وخاصة الشيعية منها التي لها عداوة مشتركة مع صدام حسين، بدليل وجود مقتدي الصدر في غرفة الإعدام التي يفترض ان تكون مغلقة. ومثل الوكيل فقد لاحظ القاص الشاب الطاهر شرقاوي أن الحدث قد صاحبته أصوات تنادي بأسماء أئمة شيعة مثل مقتدي الصدر وغيرهم وهو بهذا يبدو وكأنه موجه من الشيعة ضد السنة.
يري الطاهر أن تقنية بث عمليات الإعدام غير مسبوقة ماعدا في عمليات الجماعات الإسلامية في العراق والتي ربما يكون حكام العراق قد استعاروها منهم. وأضاف أنهم حاولوا أن يمسكوا علي صدام لحظة ضعف مماثلة لتلك التي وجدوه عليها ساعة أخرجوه من مخبأه غير أنه لم تتح لهم هذه الفرصة.
وحول مدي فاعلية هذه المشاهد بالنسبة لحكام العراق قال الطاهر أن إعدامه و تصويره بهذا الشكل يحوله إلي شهيد و بالتالي يزيد من شراسة المقاومة ومن شراسة الصراع الطائفي في العراق ويؤجج الحقد علي الشيعة الذين لهم اليد الطولي في السلطة العراقية الآن. غير أنهم سقطوا في فخ الانتقام المباشر و لم يحاولوا الاستفادة العملية مما تعرضوا له علي خلاف الأكراد علي سبيل المثال الذين يستغلون أي فرصة لكسب مزيد من التعاطف الدولي معهم. أما الروائي الشاب محمد علاء الدين فيري أن ثمة روايتين في مسألة تصويرصدام حسين، رواية اعتمدتها كاميرا فيديو عادية ورواية اعتمدتها كاميرا المحمول، و عبر الرواية الأولي كانت هناك حالة من الصمت والترقب، أي أن الرواية لم تحو صوتا أما الثانية فقد صورت الإعدام مصحوبا بهتافات للشيعة وللتشفي في صدام حسين، والعنصر الأساسي في كليهما كان ثبات جأش صدام.
كان هناك كذلك عدد من الرسائل المقصودة مثل توقيت الإعدام في فجر عيد الأضحي وتصوير صدام بهيئته المشذبة تلك، أما غير المقصود فهو ثباته ومظهره المتحدي.
أما الشاعر محمود خير الله فقد قال أن الحكومة العراقية تتصرف بشكل انتقامي عشائري قبلي حيث يريدون أن يحرقوا قلب الموالين لصدام وهذه طريقتهم في غسل عار اضطهادهم علي يديه.
كما أن التوقيت كان مقصودا به توجيه رسالة أمريكية إلي السنة و هي أنهم سيعدمونه يوم عيدهم وإلي الشيعة أنهم أضافوا عيدا جديدا إلي عيدهم، و عن هذه الرمزية الشديدة في اختيار عيد النحر لإعدام صدام قال أنها موجهة إلي الحكام الذين يتحالفون مع الرأسمالية العالمية ثم ينقلبون عليها مستخدمين راية العروبة، هي رسالة مضمونها أن أمريكا لا تمزح. سوف تستفيد منهم ثم تتخلص منهم و تستخدم عيدهم القومي للتشهير بهم.
غير أن خير الله يلفت النظر إلي أن الحزن العربي لم يكن علي صدام حسين و إنما لأن إعدامه تم علي يد الغزاة، أما من حزنوا عليه من المصريين فهم الذين عاشوا في العراق وقت رأوا أن هناك توزيعا عادلا للثروة أكثر مما في مصر، أما في سائر الشعوب فلم يكن هناك مجال للتعاطف مع ديكتاتور. ولا يتصور محمود خير الله أن الحدث يمكن أن يحول صدام إلي بطل للمرحلة القادمة، فلم يكن هناك زعيم عربي تحول إلي رمز باستثناء جمال عبد الناصر الذي كان نموذجا حتي لو كان باهتا للمستبد العادل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا