الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصور الكامنة خلف الإعدام

عمر الخطاط

2007 / 1 / 7
الغاء عقوبة الاعدام


الصورة الأولى:
يقولون أن إعدام صدام حسين هو فتح لأبواب الديمقراطية وبداية ترسيخ الأمن في العراق. هذه كذبة كبرى تماماً. فالعراق الآن يشهد عنفاً أكثر، وقتل صدام حسين بهذا الشكل وفي أول أيام عيد المسلمين يزيد من العنف ولن يقلله.
ملف البعث طوال حكمه في العراق وحتى في المنطقة هو ملف ضخم ومليء بالانتهاكات، فالفاشية والتعصب القومي والديني شكلت الركائز الرئيسية لهذا النظام، كان من المفترض أن لا تعرف فقط جماهير العراق بجرائم هذا النظام بل وأن يعرف العالم كله أيضاً بتلك الجرائم وفي النتيجة النهائية كان من المفترض تعريف "البعثية" کـ "النازية" في القاموس السياسي، ولهذا كان من الضروري أن يحاكم قادة هذا النظام في محكمة دولية ليشهد العالم كله تفاصيل جرائمهم.، غير أن كلا عمليتي محاكمة صدام حسين و إعدامه أخفتا جرائم هذا النظام وخصوصاً تلك المتعلقة بجرائم الأنفال والقصف الكيماوي لحلبجة والحروب الكبرى والكثير من الجرائم الأخرى، كذلك أخرجتا البعث وشخص صدام حسين بوجه أبيض. لقد اصبح صدام و بفضل حبل المشنقة والشهادة الأخيرة له‌ رمزاً لبطولة ولصمود قسم من العالم العربي والبلدان الإسلامية.
العراق بلد محتل، يمارس الجيش الأمريكي والقوى المشاركة في السلطة والمجاميع الإرهابية البعثية والإسلامية القتل والإجرام اليومي، وليس هناك من وجود للدولة حتى الآن حتى ولو بشكلها البسيط جداً في العراق، وما موجود هو مجموعات من القوى السوداء المليشياتية، وكافة الأجهزة والمؤسسات الحكومية هي أجهزة ومؤسسات أحزاب مليشياتية وأي شخص يقدم تعريفاً مستقلاً لأية واحدة من تلك الأجهزة والمؤسسات خصوصاً تلك المحكمة التي تحاكم قادة البعث، إنما يعيش في حلم زائف لذيذ.

الصورة الثانية:
إعدام صدام حسين إنما هو انتقام شخصي أكثر مما هو متعلق باجتثاث نظام شرس ووحشي كان يحكم العراق بالنار والحديد لمدة خمسة وثلاثين عاما، فمكان الإعدام هو مقر الشعبة الخامسة التابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية والتي كانت خاصة بأعمال التجسس على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الجلادون قوة إسلامية شيعية سوداء، التوقيت هو اليوم الأول لعيد الأضحى، والجريمة هي القتل الجماعي لأهالي "الدجيل"..ونفس المحاكمة والإعدام جرت بيد طرف يعرف كطرف إسلامي شيعي وتقف إيران خلفه. يقول صالح المطلك رئيس (الجبهة العراقية للحوار الوطني): "من يحكم الآن هم أشخاص ساديون، هؤلاء لم يأتوا من أجل الحكم بل من أجل الانتقام". هذا هو حديث شخص هو الآن ومنظمته عضوان في البرلمان العراقي، ينطبق هذا القول بالضبط على تركيبة القوى التي تحكم الآن تحت مظلة القوات الأمريكية. إنه من الوهم أن نتصور أن هذه المحاكمة وإبادة صدام حسين بهذا الشكل وفي هذا الوقت تساوي اجتثاث تلك الفاشية والظلم والاضطهاد الذي يمثله البعث، أو أنها تقدم بشارة مستقبل أفضل وبديل أكثر إنسانية لجماهير العراق وحتى أنها ليست برعماً أولياً للديمقراطية أيضاً كما تروج له وسائل الإعلام الرسمية، بل إن هذا يدفع بروح الانتقام وإراقة الدماء والحرب الطائفية والدينية الى مستوى أعلى مما هو موجود الآن. صدام حسين مات وانتهى ولكن روح البعث و"البعثية" في العراق بعد موته هي أقوى من السابق، فسقوط صدام حسين معلقاً بحبل المشنقة وصرخة "مقتدى، مقتدى، مقتدى" مقابل ذلك، هي نفس روح الدكتاتورية والقمع البعثي ولكن بمسمى آخر وبلباس آخر وفي عشرات الملامح الأخرى.

الصورة الثالثة:
الموت هو لحظة مرعبة والأكثر إخافة ورهبة حين تراه، والإعدام بحد ذاته جريمة، فهو سلب لحق الحياة من شخص "مجرماً كان أو بريئاً". لقد أقشعر جسدي حين شاهدت عرض عملية الإعدام، ليس لأنني شعرت بالرأفة بالشخص المعلق، كلا، بل لأنك تقتل شخصاً، فنفس هذا العمل اي القتل هو ما قام به البعث طیلة اوقات حکمه‌.
ليس للإعدام علاقة بترسيخ "العدالة" أو "القانون"، بل أنه نفس جريمة "القتل" الموجودة في المجتمع وهذه المرة تقوم الدولة بإنتاج القتل تحت تسمية "العقاب"، حتى أن هذا وفي كثير من الأحيان ليس له علاقة بالعقاب الذي تقوم به الدولة تحت تسمية الشرعية، بل إن الدولة تلجأ لهذا الأمر لبث الرعب والخوف داخل المجتمع، بمعنى آخر فإن هذا القتل المسمی "رسمیا" الأعدام هو إخافة وترهيب الناس كي يجلسوا ذليلين خاضعين وأن لا يلجأوا للعصيان والتمرد، فالشخص المتمرد ربما يكون شخصاً عاشقاً، أو كاتباً كسر "المقدسات"، أو جندياً هارباً، أو شخصاً قال كلاماً يعتبر مهيناً للرئيس. كل هؤلاء ربما يتم إعدامهم سواء كانوا "مجرمين أو أبرياء".
عقوبة الإعدام عقوبة بشعة وقذرة، وهي تزيد من تنامي عقلية الانتقام والقتل في المجتمع وتزيد من العنف في كافة البنى الاجتماعية، ومن الضروري على المجتمع أن يقف بوجه هذه الجريمة التي تقوم بها الدولة بتبجح واضح وأن يضغط عليها لفرض تلك القوانين والمعايير التي تؤمن القيم الإنسانية وعلى رأسها حق الحياة للجميع. هذه هي وظيفة وواجب كل تلك القوى التي تناضل في سبيل بناء مجتمع سالم ومتحضر، مجتمع بعيد عن روح الانتقام وفلسفة القتل.

2كانون الثاني 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس في عهد سعيّد.. من منارة -حرية التعبير- إلى -ساحة استبدا


.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر




.. الجزائر وليبيا تطالبان المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة


.. إعلام محلي: اعتقال مسلح أطلق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا




.. تحقيق لـ-إندبندنت- البريطانية: بايدن متورط في المجاعة في غزة