الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروح المحطمة

مرعي ابازيد

2007 / 1 / 8
الادب والفن


الـروح المحطمة

يتذكر نفسه وحيدا دائماً على الرغم من مرور الزمن. عاش طفولته وترعرع في كنف ملجأ الأيتام دون أن يكون لديه مجرد صديق في هذا الملجأ البائس. كان منغلقاً على نفسه دائما لإحساسه بأنه ليس وسيماً منذ الولادة ولا يثير الشفقة والاهتمام لدى الآخرين وكأنه ليس موجودا. فقط فتاة وحيدة مثله هي الوحيدة التي كانت تشعر به وتحس بأن روحيهما متقاربتان، دائماً حزينة متعبة من شدة المرض الذي تعاني منه. كانا يجلسان في مكان متواضع ساعات طويلة بالقرب من بعضهما دون أن ينبسا ببنت شفة منزويين عن الآخرين.
إنهما شخصيتان منسيتان من قبل الناس والإله. عندما تركته وفارقت الحياة باكرا شعر بالوحدة أكثر من ذي قبل وشعر أن جزءاً من روحه قد مات معها.
مرت السنون ومرت معها سنون الملجأ حيث كان الكبير يأمر الصغير والقوي يتسلط على الضعيف وهذا الوضع كان يلامس أعماق روحه المحطمة أصلاً دون هذه التصرفات ومن ثم المعهد المهني الذي درس به في إحدى المدن الصغيرة التي هي أقرب ما تكون إلى القرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث كانت كل الشوارع توحي بالبؤس والحزن والضجر، و الوحدة تحولت إلى مرض مخيف ومعذب. عاش طويلا في هذه المدينة البائسة بعد تخرجه حيث بقي للعمل هناك، لا يهم أين يبقى! كل الأماكن بالنسبة له متساوية، ليس لديه أهل وليس لديه أحد في مسقط رأسه، ولا يعرف أين سقط رأسه أساسا. لم يحبه أحد في هذه المنطقة المنسية، المراهقون يخافون منه والشباب يستهزؤون منه والكبار أسموه "الذئب المتوحد" !، حتى الكلاب كانت تبتعد عنه عندما تراه في الطريق! حتى أنها تمر بعيدا عن بيته، فقط فتاة نحيلة الجسم تعمل في مكتبة المدينة الموجودة في المركز الثقافي كانت تتعامل معه بلطف وتساعده في اختيار الكتب. كان قلبه يتجمد في كل مرة يزور بها المكتبة التي تعبق برائحة الكتب القديمة والصحف والفتاة نفسها تذكره بتلك الفتاة التي ماتت وأخذت معها جزءاً من روحه في أيام الطفولة، إنها فتاة صغيرة مريضة، لكنها بسرعة وجدت سعادتها مع شاب كان يؤدي خدمته الإلزامية في الجيش ( خدمة العلم ) في هذه المدينة، تعرفت عليه صدفة في المكتبة ورحلت معه إلى العاصمة. مرة أخرى أصبح وحيداً كما في الماضي. أحس بألم حاد في قلبه، مرة أخرى وجد نفسه وحيداً بدون كتب وبدون عينيها وبدون الكلمة اللطيفة.
كان يجلس في كل مساء على رف نافذة منزله الحقير الذي يقع في نهاية الطريق، يشبه كوخاً بائساً فقيراً في وسط غابة، جلس ليشرب الشاي والحياة تمر من جديد عبر ذاكرته كفيلم سينمائي قديم "أسود وأبيض" ولم يلاحظ إلا في هذا المساء بعد أن شرب الشاي وجود كلب يجلس تحت النافذة منذ عدة أيام لافاً ذيله متقوقعا من شدة البرد والجوع، تنبه بعد أن تلاقت نظراته بنظرات هذا الكلب البائس، عندما نظر إليه الكلب كان كأنه يستجدي منه شيئاً. خرج من بوابة النافذة بشكل لا شعوري وحمله بيده وأدخله إلى البيت بنفسه. لأول مرة منذ زمن طويل لم يلامس هذا الكلب إنسانا بجسمه ولم يلعق شخصا وهذا الرجل أيضا لم يتحسسه أحد قط ولم يلعقه أحد قط فوضع له البطاطس المطبوخ على الأرض فأكل بكل امتنان لأنه لم يأكل في حياته من على أرض نظيفة. يأكل وينظر إلى الرجل وكأنه يريد أن يقول له شكراً لك يا أخي في الوحدة والعذاب فأنت مثلي وحيد ومكروه في هذا العالم اللاإنساني. مسح الرجل دمعه البخيل الذي طالما طلبه ولم يلب بينما كان ينظر إلى الكلب بصمت. الاثنان متشابهان إلى حد كبير، عاشا وحيدين منبوذين والتقيا وحيدين في غربة الزمن وسوف يكون سهلاً عليهما الموت معاً.


مرعي أبازيد










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان