الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفل موسيقي ياباني مصري قليل من الفن .. كثير من الضجر

أحمد عبد الرازق أبو العلا

2003 / 7 / 11
الادب والفن


موسيقي الوسائط الإلكترونية في
حفل موسيقي ياباني مصري قليل من الفن .. كثير من الضجر
                                                                           


    كتب العالم الموسيقي ( هند رسون ) emily anderson تفسيرا لجماليات الموسيقي في كتابه
" ماهي الموسيقي الجيدة ؟" كتب يقول : ( إن القوانين التي تحكم وتشرح علاقة الحواس البشرية بالفن الموسيقي ، ينتمي بعضها إلى الجانب العقلي والفكري ، والبعض الآخر منها إلى الجانب العاطفي ، فالحواس تكون دائما في خدمة كل من العقل والعاطفة وعليها أن تطيع متطلباتها لأن الحواس البشرية وسيلة ، وليست غاية ، فكل الحواس التي تستقبل الجمل الموسيقية تنتمي إلى مادة الفن ، وهذه المادة تخدم الفكر والشعور )  يأتي هذا الكلام بمناسبة الحديث عن الحفل الموسيقي الذي قدمته أوركسترا القاهرة السيمفوني تحت عنوان عام   ( تناغم)  - في المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية -  وهو حفل ياباني مصري بمصاحبة موسيقي الوسائط الإلكترونية تحت قيادة د. محمد عبد الوهاب عبد الفتاح  ، قدمت فيه خمس مقطوعات موسيقية ، ثلاث منها يابانية ، واثنتان من مصر ، خرج بما قدمه عن   المألوف  والمفهوم ، والواقعي ، وقدم مقطوعات  لا تناغم فيها - كما أراد من عنوانه -  بقدر ما قدم إزعاجا موسيقيا إذا صح العبير ، هذا الإزعاج الموسيقي يدور في دائرة التغريب ، أي أنك كمتلقي تشعر أنك غريب عن ما تسمعه وما تراه، وأن ما تراه وما تسمعه – بالتالي-  أصبح غريبا عنك ، هذا الشعور ينتابك في تلك المقاطع الموسيقية التي استخدمت  فيها الوسائط الالكترونيه ، التي يتحدثون عنها ، والسؤال الآن أليست الآلة الموسيقية وحدها ، وبالعازف الماهر الموهوب الذي يقف وراءها كافية لإثارة المتعة والدهشه لدي المتلقي ؟؟ ، وهل نحن في حاجة إلى هذا التشويش الذي يضيع القدرة علي التلقي ؟؟ وكيف تكون العلاقة سوية بين حواس المتلقي البشرية ، وبين ما يتلقاه ، ؟ وكيف تستقبل الحواس هذا التشوش الذي يسمي ادعاء ( تناغما ) ، وهو في حقيقة الأمر نشاز لا تستريح له الأذن ، الأذن العادية ، والأذن المدربة علي السمع .. فعلي سبيل المثال في المقطوعة التي قدمت بعنوان ( قصر الشوق ) وهو قالب موسيقي يسمي  (رقصة ) رأينا تنويعات مرئية من فيلم
( قصر الشوق ) الذي أخرجه : حسن الإمام في عام 1967 عن رواية ( نجيب محفوظ ) ، هذه التنويعات المرئية ، التي استخدمت فيها شاشة عرض كبيرة في خلفية المسرح ، تعرض عليها شرائح فيلمية بواسطة الفيديو بريجكتور ، واخري تم عرضها علي شاشة التلفزيون بواسطة الفيديو ، هذه التنويعات تمت بمصاحبة المقطوعة الموسيقية الراقصة ، هذا فضلا مقاطع من حوارات الفيلم ، وكان هذا من العوامل التي ساعدت إلى حدوث تشوش كبير في عملية الاستقبال ، فكيف يتسنى لك سماع الموسيقي وسماع الحوار الفيلمي ومشاهدة اللقطات الكبيرة المعروضة علي الشاشة ، وكذلك  مشاهد
( نادية لطفي ) الراقصة في الفيلم المعروض علي شاشة التلفزيون ؟؟ كل هذا في وقت واحد ، لابد أن تملك إذن أكثر من عينين ، واكثر من أذنين ، لكي تستطيع استقبال كل هذا !! هذا الزحام ، لا تبرره الرغبة في الخروج عن المألوف باستخدام الوسائط الأخرى ، لأن عملية الاستمتاع والإحساس بالموسيقي لا تتطلب كل هذا الحشد من العناصر الفنية التي لا يربطها أي رابط ، ولا تستطيع الوصول بنا إلى هدف محدد سوي إزعاجنا ، أو فرارنا من المسرح لكي ننجو بأنفسنا من الضجيج ، وعلي ذكر الضجيج ، تأتي المقطوعة الثانية التي قدمها ( محمد عبد الوهاب ) تحت عنوان " علي أجنحة الهواء " لتحدث ضجيجا أكثر ، دفع بعض الحضور إلى سد آذانهم خوفا عليها !!! لقد جاءت مجرد ارتجالات موسيقية مصاحبة لأصوات الهواء ،  ولوحات فيلمية تعرض صورا للفضاء والطبيعة في لحظة فورانها ، بينما علي شاشة أخري نري الإوز الطائر يحلق في الفضاء ، وكان الموسيقيون في هذا العرض يجلسون وسط الجمهور ، والبعض الآخر يتواجدون فوق خشبة المسرح ، وكل هذا الخلط يتم بلا مبرر  فني أو موضوعي ، مما أحدث جلبة كبيرة ، وتشوشا أكبر ، ولم يعطي للأذن فرصة لأن

 

 

 

تسمع ، ولا للعين فرصة لكي تري ، ولا للعقل فرصه -  ثالثة -  لكي يفهم ، وعلي الرغم من أننا نعرف أن الأوركسترا تعني الجزء الفاصل بين مقاعد الجمهور وخشبة المسرح ، وهو حفرة الموسيقي في دار الأوبرا ، وهي المكان الذي يجلس فيه العازفون بين الصف الأول من مقاعد المشاهدين ، وخشبة المسرح   ، إلا أننا نري  - أمامنا -  شيئا آخر تماما غير هذا ونتساءل : لماذا تواجد العازفون وسط الجمهور وعلي مقاعدهم ؟؟   الخروج علي القواعد المتعارف عليها لا تحكمه ضرورة فنية ، ولا ضرورة من أي نوع ، سوي إعطاء الإحساس بأن ثمة شيء يحدث .. ما هو هذا الشي .. لا أحد يعلم  إلا الذين قاموا بصنعه !!!! فالمعني في باطنهم لن يفصحوا عنه أبدا ، لأنهم ربما لا يعلمون  - هم أيضا-  شيئا عنه!!                                 
   أما عن المقطوعات الموسيقية اليابانية ، فقد ذهبت وأنا مهيأ تماما لسماع ما كنت أود أن اسمعه من تلك الموسيقي  ، التي لا نعرف عنها الكثير هنا في مصر ، لكنني لم أسمع منها شيئا ، ربما بسبب تلك الوسائط التي استخدموها ،  فأضاعت تلك الروح التي تُعطي للموسيقي حياتها  ، فبدت بلا روح ، بلا حياة ، مقطوعات تصيبك بالملل الشديد ، لرتابتها ، وإيقاعاتها الطويلة .. ثلاث مقطوعات موسيقية يابانية الأولي بعنوان ( ضجيج يوتا – 2003 ) قدمتها المؤلفة الموسيقية اليابانية ( أساكومياكي ) التي درست الموسيقي في مدرسة " توهو جاكوئين" باليابان وأكاديميتي     INA-   GRNوIRCAM  بباريس ، وقدمت هذه المقطوعة مع الأوركسترا ،  والصور المرئية ،  والأصوات الالكترونيه ، وربما كانت هذه المقطوعة - بالفعل - مقطوعة جميلة موحية ، حيث قامت المؤلفة بتحويل الأصوات الواقعية التي قامت بتسجيلها للكهنة ( تويا)  والطبيعة  ، ثم أعادت تسجيلها إلكترونيا ، فبدت في صورة جديدة أحدثت تأثيرا مختلفا ، وتلك حيلة فنية لجأت إليها لتُحدث بها التأثير المرجو ، ونجحت في ذلك ، إلا أن الصور المرئية التي صاحبت المقطوعة ،  لم تعط دلالة محددة ، وشعرنا أن الموسيقي تسير في واد ، والصور تسير في واد آخر ، التناغم الذي ينبغي أن يكون موجودا فقد معناه ، وهي تقول عن مقطوعتها ( إنها معنية بالتعبير عن العملية التي يصل بها المخ البشري إلى تكوين صورة هي خليط من الذكريات والدلالات الممثلة هنا بمجموعة من الوسائط المتشابهة ) ،  هذا الذي تقوله ، يجعل المتعة الذهنية في الخلفية تماما ، وربما يتبدل بحالة من الضيق ، نحن في غني عنها ، أقول هذا لأنني استمتعت -  بالفعل -  بمحاولتها استلهام بعض العناصر الواقعية الحياتية الطقسية ، وتحويلها إلى عناصر فنيه موحية ، وجميلة ..                    
  والمقطوعة الثانية التي ألفها ( هيرويوكي ياماموتو ) بعنوان ( تابيولاتا) اعتمدت علي أربع آلات منفردة تسمع من خلال السماعات ( الفلوت – الفيولينه – الفيولا – التشيللو) ، بالإضافة إلى بيانو مسجلة عليه بعض أعمال موسيقي آخر اسمه ( ساتوكو) ، وكلمة ( تابيولانا ) معناها الطبقات ، حيث إن المؤلف قدم مقطوعته في ثلاث طبقات : الأولي هي العرض الحي للأوركسترا ، والثانية هي الأصوات الناشئة عن الآلات الأربع لعازفي الأوركسترا ، والثالثة هي تلك التي تم بثها عبر السماعات والميكرفونات .. كل هذا بهدف أن يدرك المستمع الفرق بين الأصوات الموسيقية في كل طبقة ، وتلك محاولة ، تبدو وكأنها تنطوي علي جانب تعليمي ،  ليس من الضروري للمستمع أن يخضع له ، فقد جاء لكي يستمتع ،  قبل أن يتعلم ، التدريب أولا علي الاستماع ، ثم التعليم ، وليس العكس ، نحن لا نريد لمستمع الموسيقي أن يهرب من الوهلة الأولي ،  نريد إقناعه أولا بالاستماع .     
   والمقطوعة الثالثة التي ألفها ( ماسيو هيروميوا ) مقطوعة تغريبية تماما ، لا حياة فيها ، ولا طعم لها ، تصيبك بضجر وملل شديدين ، بسبب تلك الرتابة التي تستمر لفترة طويلة جدا ، جملة موسيقية

 

 

 


واحدة طويلة ، إيقاعها بطيء جدا ،  مستمرة ،  تريد أن تتوقف لكنها تأبي علي الاستجابة ، فتتململ علي مقعدك ، وتحاول الهروب من القاعة لكنك لا تستطيع ، وهذا الكمبيوتر الذي يرسم لك علي الشاشة حركة الذبذبات اللحنية ، يصيبك أيضا بالملل ، ويدفعك للتساؤل  : ما الذي يعنيه هذا ، ولماذا نضع أمام المستمع حركة ذبذبات الموسيقي الرتيبة  لكي يراها علي الشاشة؟‍ ، أليس من حق حواسه الأخرى أن تستريح ؟؟ ألا يكفي أن نؤرق أذنيه ، فنتجه إلى عينيه ،  لكي نُحدث بهما ألما نتيجة لمشاهدة عبث لا طائل من ورائه ؟؟ قالوا في ورقة العرض أنها مستلهمة  من طقوس التراث الياباني القديم ، ولكي لا أتهم نفسي بالغباء ،  توجهت بسؤال أصدقاء لي من اليابان أستوضح منهم الأمر ، فنفوا أن تكون هذه من طقوس التراث الياباني من بعيد أو من قريب !!
 
    هذا التغريب الذي لاحظناه في معظم المقطوعات الموسيقية في هذا الحفل ، يعود - في اعتقادنا -  إلى مجموعة من الأسباب منها : أن معظم الموسيقيين المشاركين في التأليف الآن  ، يقومون باستيراد الثقافة والقيم الغربية ، حيث إن معظمهم درس في فرنسا وإنجلترا ، فضلا عن أن  غزو الموسيقي الأوربية الجديدة أثر تأثيرا بالغا علي قوميتها، أي ارتباطها بشعوبها ، وبعادات وتقاليد البشر في كل منطقة من مناطق العالم ، وتبعا لاختلاف الثقافات .......اختلاف الثقافات أمر طبيعي جدا ، لكن غير الطبيعي هو هذا التماهي بين الثقافات ، الذوبان ، ليس في صالح الشعوب التي تملك حضارة متميزة ، وحضارة الشرق التي تنتمي إليها مصر ، واليابان ، حضارة لا تتطلب إعطاء الفرصة للذوبان في الآخر ، الآخر الذي لا يملك تلك الخصوصية ، التي ينبغي علي من يملكها أن يتمسك بها ، ولا يتخلي عنها مهما كان الثمن ، فأنت لن تستطيع الوقوف علي قدمين ثابتتين إلا إذا استطعت الدفاع عن هويتك ، وثقافتك الوطنية ، والموسيقي جزء مهم جدا من ثقافة الشعوب ، وإلا ما الذي يجعلنا نندهش ونطرب حين نستمع إلى موسيقي الغجر ، أو الموسيقي الأندلسية علي سبيل المثال ؟؟ الذي يجعلنا نندهش هي تلك الخصوصية ، التي تُميز شعبا عن شعب ، وتُميز ثقافة عن ثقافة ، لعل النظام العالمي الجديد ومفهوم القرية الكونية ، المراوغ ، وهيمنة القطب الواحد هو الذي أدي بفنوننا إلى الاغتراب عن الناس أي أنها  لا تستطيع التعبير عنهم بالشكل الأمثل ، حين لا تجد نفسك في فنونك الموسيقية وغيرها ، تشعر بغربة شديدة ، مثل غربة الذين يعيشون خارج أوطانهم ،  ومن الخطأ أن يعتقد البعض أن القومية ضد العالمية ، لأن نجاح الموسيقي القومية ،  يكمن في قدرتها علي مخاطبة المستمع في الداخل والخارج ، ماذا لو أن الموسيقي التي شاركت في هذا الحفل كانت - بالفعل -  موسيقي يابانية خالصة ، أو مصرية خالصة ؟ الهدف كان سيتحقق ، والمعرفة كانت ستحدث ، والتقاء الثقافات كانت فرصته قائمة ..  الثقافتان اليابانية والمصرية في تناغم ، هذا ما كنت أود أن أفهمه من كلمة تناغم ..            

 

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي