الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدث بشع شوّه الحقيقة! - حول إعدام صدام

ريبوار احمد

2007 / 1 / 10
الغاء عقوبة الاعدام


إعدام صدام حسين هو من جميع جوانبه حدث بشع وخادع ومحل سخط ونفور. أما فيما يخص الجانب الإنساني ومسألة اقامة مراسم بموجب "القانون" لشنق البشر بيد البشر أنفسهم، فيما يتعلق بإعدام صدام بوصفه أكبر مجرمي التاريخ تصبح مسألة هامشية قياساً بالجوانب الأخرى. الجانب الأكثر بشاعة لهذا الحدث هو أن أكثر الدول الدموية في العالم غطرسةً وإجراماً ومجموعة من الجماعات الرجعية الغارقة حتى النخاع بالدم والإجرام الخاضعة لتلك الدولة، قامت في هذا الحدث البشع بالتستر على ملامحها الإجرامية وألبست جسدها الحافل بالإجرام ثياب العدالة.
لقد قلت سابقاً أن تطبيق عقوبة الإعدام بحق صدام حسين، بوصفه أكبر مجرمي التاريخ، ستجعل منه بطلاً تصاغ له مئات الأساطير. واليوم تحقق هذا التوقع تماماً. وما مهد الأرضية لهذا الأمر هو أن صدام عرف طوال عملية المحاكمة بحقيقة أن جرائمه الكبرى لم يكن بالاستطاعة إثباتها للرأي العام. وهذه هي النتيجة المنطقية لمحاكمة أقيمت من قبل المحتل والقوى التابعة له. فمثل هذه المحاكمة لا تستطيع أن تثبت حقانيتها للرأي العام. عدا عن هذا وبالضبط بسبب أن كل شخص كان يعرف أن تلك المحكمة لا تملك ذرة من الاستقلالية وتتحرك بأوامر جنرالات بوش، لهذا كانوا يقسمون صباحاً مساءاً باستقلالها. إن قسماً كبيراً من جماهير العالم وبسبب معرفته بغطرسة أمريكا، مازال لا يصدق أن صدام ونظامه قام حقاً بكل تلك الجرائم المدان بها، ويتصور أن الاعدامات الجماعية وعمليات الأنفال والقصف بالأسلحة الكيمياوية و...هي مجرد اتهامات كاذبة اختلقتها أمريكا والقوى التابعة لها لمعارضيها. وإلا لماذا يعتصر الألم الآن قلب أمريكا لهذه المآسي التي حدثت قبل ربع قرن من الزمان ولم تحرك ساكناً في حينه اتجاهها، بل والأكثر من ذلك أنها ساندت في حينه بشدة من قام بها؟! عملية المحاكمة زادت من هذا الضباب على جرائم صدام وعجزت عن كسب أية حقانية تذكر. لسنوات وجرائم صدام تثير القشعريرة في جسد الناس، ومن الآن فصاعداً يبدو أن أساطير بطولات صدام الجلاد هي ما يثير القشعريرة في جسد الناس. خصوصاً وان إعدامه لم يرحب به على صعيد العالم، وليس هذا فحسب أنه واجه أمواجاً كبرى من الإدانة والشجب والاحتجاج وغطى على جرائمه. في حين كان من الممكن محاكمة هؤلاء المجرمين في محكمة عادلة ومحايدة وكان من الممكن جعل إزاحة الستار عن جرائمهم الكبرى والتي تجاوزت العد والإحصاء دليل
خزيهم وخزي افتضاح مجمل الحركة القومية العربية. كان من الممكن فضح صدام والنظام البعثي والحركة القومية العربية لدى البشرية كلها مثل هتلر والنازية بوصفهم مجرمي التاريخ.
لقد كان صدام جلاداً ومجرماً كبيراً، ولكن ما الأكثر بشاعة من إعدام هذا القاتل الذي قتل آلاف الناس الأبرياء بالهتاف بحياة قادة تلك المليشيا الطائفية التي تجر "فرق الموت" الخاصة بها الجثث المشوهة للناس الأبرياء من الصباح الى المساء لتحل محل الأجهزة القمعية لنظام صدام حسين؟! أي عالم مقلوب هذا يتحول فيه إعدام مجرم الى تنزيه لمجرمين آخرين.
لقد كان صدام بلاءً كبيراً على جماهير العراق والمنطقة كلها، إلا أن أمريكا وأتباعها قد قامت بعمل بحيث تحول موت هذا المجرم مجدداً الى بلاء كبير لهذه الجماهير. ومرة أخرى تعتبر إماطة اللثام عن جرائم صدام وجبنه مهمة عسيرة وصعبة من مهام الجبهة التحررية والإنسانية وأن تبدد الضباب الذي ألقت أعمال أمريكا القذرة وأتباعها به على جرائم صدام حسين ونظامه.
إن إعدام صدام وبالعكس مما يروج له سماسرة السياسة الآن في العراق في القول أنه خطوة في طريق مستقبل مزدهر لجماهير العراق، هو في الواقع خطوة كبيرة في تعميق معضلات الحاضر ومشاكله وتشديد الحرب والمجازر الطائفية والقومية وإغراق المجتمع أكثر في مستنقع الدماء. وقد عمق من تلك الجراح التي أوجدتها خمسة وثلاثين عاماً من سلطة البعث في جسد جماهير العراق والمنطقة، وأخفى عالماً من الحقائق الكبرى عن البشرية، ومهد السبيل أمام شركائه في الجريمة في الاستمرار بإجرامهم وتدمير المجتمع والبشرية.
هذا الحدث ليس له أية علاقة بالحق والعدالة، وليس هذا فقط بل وانه مؤامرة كبيرة جداً ضد الحق والعدالة. ومن قاموا بهذا العمل باسم الحق والعدالة، بدءاً من جورج بوش وتوني بلير وصولاً الى أتباعهم وعملائهم في العراق، تتجاوز جرائمهم العد والإحصاء ويجب محاكمتهم على تلك الجرائم.
ولكن في هذه الأثناء يبدو موقف جلال الطالباني مثيراً للانتباه، فهو كان يفتخر كثيراً بأنه وقع على وثيقة ضد عقوبة الإعدام وبهذا فإنه يظهر نفسه وكأنه ضد عقوبة الإعدام. بالطبع أن ذلك التوقيع لم يمنح أي معنى عملي لموقفه. ذلك أن حزبه ومليشياته وسلطته لسنوات تقوم بإعدام الناس في الجبال والمدن. ولكن بمعزل عن هذا فإن ذلك التوقيع الذي يتحدث عنه، وبقدر ما هو مبعث فخر بوصفه موقفاً مهماً وإنسانياً، يشكل عدم الالتزام به وسحقه بنفس القدر مبعثاً للخزي والعار.
لقد قال الطالباني في البداية:" لأنني وقعت على وثيقة ضد عقوبة الإعدام، لست على استعداد للتوقيع على قرار إعدام صدام، وبوسع أحد نوابي التوقيع عليه". حين كان الطالباني في المعارضة وبدون سلطة، وقع على وثيقة ضد عقوبة الإعدام، ولكن حين حصل على السلطة ومنح دور رئيس الجمهورية وصار قرار الإعدام يتطلب توقيعه، وبدلاً من أن يلتزم بتوقيعه ورفض قرار الإعدام، تحول موقفه المناهض للإعدام الى تكليف أحد نوابه للقيام بهذا العمل!! ففي الفترة التي لم يكن لموقف الطالباني ضد الإعدام أية أهمية تذكر، وقع على وثيقة ضد الإعدام، ولكن في الفترة التي لموقفه فيها دوراً مهماً في تنفيذ عقوبة الإعدام، وكان بوسعه على الأقل عرقلة الأمر، أعتبر عقوبة الإعدام لصدام أمراً عادلاً.
والآن بوسعه الإدعاء بأنه لم يوقع على قرار إعدام صدام، أو حتى أن يقول بعد عدة أيام من مرور الحدث أنه كرئيس جمهورية ليس على معرفة بالأمر. وإذن فإن السؤال هو أين هي رئاسته للجمهورية وما هو معناها وأي موقف يتخذه من مسألة عدم حسابهم أي حساب له؟! ثم أنه وبموجب إدعاءاته كان مقرراً أن يكون ضد الإعدام وأن يقف ضده، لأن أن تتحول الأمور الى أنه يوقع أو لا يوقع الأمر بالإعدام! في حين أنه في هذه العملية ومنذ بداية صدور الحكم تحول مباشرة الى أحد مؤيدي عقوبة الإعدام ووصفها كحكم عادل وقال أنه يجب تنفيذها في مدتها القانونية. إن شخصاً لا يعترف في فترة ما بأن الإعدام موضع نفور واستنكار ويقف في فترة أخرى لمصالحه اليومية خلف تلك العقوبة، فإن هذا يعني أنه يدين نفسه قبل أي شخص آخر. فما الدليل الذي يجعل توقيعه سبباً في سرور أصحاب تلك الوثيقة التي وقع عليها لهم ضد الإعدام؟!










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي


.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو




.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون