الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبعة و سبعون

حسين عبدالله نورالدين

2007 / 1 / 10
القضية الفلسطينية


ما يجري في الأراضي الفلسطينية هذه الأيام يذكر بصورة كئيبة بما جرى في الأردن عام سبعين. ربما كثيرون من قادة الفصائل الفلسطينية الذين يحملون السلاح الآن فضلا عن الشباب المسلحين في القطاع لم يكونوا قد ولدوا بعد عندما وقعت الأحداث الدموية المؤسفة في الأردن في ذلك العام. ربما كان رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي وكذلك بعض قادة الفصائل الفلسطينية لم يتجاوزوا العاشرة من أعمارهم. ولم يكونوا منخرطين في أي عمل سياسي أو مسلح. لكن الرئيس محمود عباس كان في تلك السنة الكئيبة رجلا ناضجا ومسؤولا في منظمة التحرير وكان وقتها في عمان على ما أظن وكانت له تجربه صعبة في تلك الأحداث.

ماذا يتذكر الرئيس محمود عباس عن تلك السنة؟ لا بد انه يتذكر الشيء الكثير وكذلك لا بد انه يتذكر العبرة والحكمة التي خرج بها بعد تلك الأحداث.

في تلك السنة شهدت عمان وبعض المدن الأردنية فلتانا امنيا أشبه ما يكون بما يجري الآن في قطاع غزة. فصائل ومنظمات مسلحة أخذت تنتشر في شوارع عمان وساحاتها. بدأت الحالة الأمنية تتدهور منذ شهر تشرين ثاني نوفمبر عام ثمانية وستين، وتلاحق التدهور عام تسعة وستين وبلغ ذروته عام سبعين.

كان الملك حسين بكل حكمته ورويته وصبره وحلمه يحاول (كما يحاول محمود عباس الآن) احتواء ألازمة وتجنب الصدام. تعرض لمحاولات اغتيال من قبل بعض الفصائل، وجرت محاولات حكومية عديدة لضبط الشارع ومنع الاحتكاك بالجيش. تم التوقيع على أكثر من خمس اتفاقات بين الحكومة الأردنية واللجنة التنفيذية. تم إنشاء ما عرف بالكفاح المسلح لضبط الفدائيين. قدمت الحكومة الأردنية كثيرا من التنازلات. الملك حسين كظم الغيظ وأعفى، كما طلبت المنظمات والفصائل الفلسطينية، قائد الجيش من منصبه، وكان خاله، وكذلك أعفى قائد سلاح المدرعات وكان ابن عمه، وأعفى رئيس وزرائه وعين رئيس وزراء مرضي عنه فلسطينيا.

كلف الملك الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها في تصريف الأمور وتامين النظام والأمن والاستقرار في العاصمة وفي المملكة. وبعد بضعة أيام اتفقت الحكومة والمنظمات على وقف إطلاق النار ومجموعة بنود أخرى. ومع ذلك لم تلتزم الفصائل بل تفاقمت الحالة وبلغت الذروة بخطف الطائرات وتفجيرها.

عند هذه النقطة وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة. أقيلت الحكومة وكلفت حكومة عسكرية "لتخليص البلد من فتنة لا يستفيد منها إلا أعداؤنا". كانت مهمة الحكومة العسكرية ... إعادة الأمور إلى ما ينبغي أن تكون عليه ووضعها في نصابها الصحيح وحفظ الأمن وإعادة النظام وفرض سلطة الدولة على رعاياها وصون المقاومة وحمايتها من المخطط المعادي لها وتحقيق التعاون الايجابي الفعال معها".

بالتأكيد أن الرئيس محمود عباس وقد عاش تلك الفترة يعلم انه لولا الحزم والتحرك السريع واستخدام القوة من قبل السلطة الأردنية لما كان الأمن قد عاد للبلد. وبرغم وقوع بضع مئات من الضحايا(وليس آلاف الضحايا كما ادعى المدعون) فان دمهم لم يذهب هدرا بل كان القربان الوطني من اجل الأمن والاستقرار الذي تلا تلك الأيام العصيبة.

ليس القصد من هذا الكلام تحريض السلطة الفلسطينية ضد حركة حماس فالدم الفلسطيني مقدس ولا يجوز هدره بدون ثمن. ولكن في الوقت نفسه، لا يجوز أن يستمر الوضع على ما هو عليه الآن. الوضع الآن لا يطاق في غزة. لا رواتب، لا عمل، لا تنمية ولا حياة طبيعية، بل قتل وموت وانتشار لحالات اضطراب وفوضى سيكون لها نتائج سلبية ومدمرة على البلد والناس.

من المعروف أن ما قام به وزير الداخلية الفلسطيني بتشكيل قوة مسلحة من حركة حماس ليضاهي بها قوة الأمن الوطني الفلسطيني ويتحدى بها سلطة الرئيس محمود عباس هو أمر مخالف للقانون الأساسي أولا وبادرة انشقاقية ستؤدي إلى حالة عصيان وفوضى واستقطاب تجر إلى اقتتال بين الأخوة لا يفيد منه سوى الأعداء.

بالتأكيد أن الرئيس محمود عباس الآن في وضع حرج للغاية، فهو لا يملك قوة ضاربة تعيد فرض الهيبة والأمن ويخشى أن حاول ذلك أن يخسر ما تبقى له شخصيا من هيبة. أما أن يترك الأمر للمسلحين ممن ينتمون إلى حركة فتح، وان كان يبدو أن هؤلاء مستعدون لذلك، فالنتيجة ستكون دموية وتوقع ضحايا عديدة. وبالطبع لن يستطيع الرئيس عباس أن يطلب مساعدة عسكرية من إسرائيل أو أي دولة عربية للقيام بمثل هذه المهمة.

على المستوى المحلي الفلسطيني فان أكثر ما يخشاه الفلسطينيون هو الاقتتال الداخلي وفقا لاستفتاء أجرته وكالة : "معا نيوز" حيث أشار ثمانية وستون في المئة من الذين شاركوا في الاستفتاء إلى خشيتهم من الاقتتال الداخلي في هذا العام أكثر من خشيتهم من الاحتلال الإسرائيلي.


أما لجوء الرئيس محمود عباس إلى لعبة الديمقراطية مجددا على أمل أن يختار الشعب حركة فتح من جديد وإعادتها إلى السلطة وتكون الديمقراطية هي الأداة للتخلص من حماس فلن يحل المشكلة. عند ذلك ستتحول حركة حماس إلى منظمة معادية وربما تعمل تحت الأرض وتقوض السلطة الوطنية الفلسطينية نهائيا وتقع البلاد تحت رحمة المتطرفين.

وقبل ذلك، هل يضمن الرئيس محمود عباس نتائج الانتخابات؟ وهل يضمن أن الشعب سيعود وينتخبه رئيسا؟ إلا يخشى أن تأتي نتائج الانتخابات التي دعا إليها بحماس من جديد كأغلبية في المجلس التشريعي كما قد تأتي بمرشح حماس للرئاسة فيخسر هو وفتح كل شيء؟

الوضع الآن في الأراضي الفلسطينية يتطلب خطوة جريئة حاسمة، تكون في الوقت نفسه مدعومة شعبيا ودستوريا ومقدور عليها عسكريا. واستنادا إلى القانون الأساسي الفلسطيني في مادته رقم مئة وعشرة فإنه عند وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية يجوز إعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد عن ثلاثين يوما.

وما يجري في الأراضي الفلسطينية الآن تهديد سافر للأمن القومي وهو أشبه ما يكون بعصيان مدني الأمر الذي يخول الرئيس الفلسطيني فرض حالة الطوارىء. فلماذا لا يفعل. لماذا لا يفرض الرئيس حالة الطوارىء ويقيل الحكومة ويقيم حكومة أمنية مصغرة يكون هدفها الوحيد إعادة الأمور إلى نصابها. اعتقد أن الدول العربية لن تعترض على ما قد يقدم عليه الرئيس الفلسطيني في هذا الشأن طالما كان الهدف هو المصلحة الوطنية العليا. حتى الشعب الفلسطيني لن يعترض. صحيح أن حربا أهلية محدودة ستقع بين الأخوة ويصبح الفلسطينيون مثلا للإخوة الأعداء، ولكن الحرب الأهلية ستقع لا محالة وبصورة أكثر دموية لو بقي الأمر معلقا كما هو الآن.

الرئيس محمود عباس في وضع لا يحسد عليه. فهو ينطبق عليه المثل القائل مثل بالع السكين. ولكن حتى بالع السكين يأتيه وقت لاتخاذ القرار الحاسم. وربما كان هذا الوقت بالنسبة للرئيس محمود عباس يقترب.

أما إذا لم يتخذ الرئيس محمود عباس القرار الحاسم المطلوب وفي الوقت المناسب قبل فوات الأوان، فإنه يصبح كمن ينتظر خروج روحه من جسده. والخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني.

حسين عبدالله نورالدين
[email protected]
كاتب صحفي عمان الأردن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي