الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على الطريق معمر القذافي وجورج بوش .. وبينهما أفريقيا!

طلال سلمان

2003 / 7 / 12
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 
 

ليس أبأس من الوضع العربي، وهو في وهدة ترديه، إلا الأوضاع السائدة في معظم أرجاء أفريقيا والتي تتراوح بين حروب أهلية معلنة تعيد استدعاء قوى الاستعمار القديم، وبين اجتياحات أميركية واسعة وغير مكلفة لا في المال ولا في العسكر، نتيجة الاهتراء الذي ينخر العمود الفقري القبلي للعديد من الأنظمة المتهالكة في هذه الأرض التي انتبه معمر القذافي، متأخراً، إلى أنها <<قارة المستقبل>> واندفع إليها في مغامرته الجديدة التي فيها من نبل <<دون كيشوت>> بقدر ما فيها من استحالة الانتصار.
الميدان فسيح، لكن المواجهة غير متكافئة بالمطلق بين ليبيا القذافي المتعبة بالحصار الأميركي الطويل، الممرورة لتخلي أهلها العرب عنها طلباً للسلامة أو شراءً للرضا وبين شبق الإمبريالية الأميركية الجديدة بقيادة جورج بوش إلى احتكار السيطرة على العالم، بكل عتو القوة والغنى والاستغناء حتى عن <<الحلفاء>> بل وتقصّد إذلالهم لمجرد أنهم ترددوا في الانصياع للإرادة السامية، وحاولوا تبصيرها بالأسلوب الأنفع لها في اندفاعها للهيمنة المطلقة على المصائر في أربع رياح الأرض.
والمقارنة غير جائزة بين المحاولة الجادة والمكلفة التي بذلها وما يزال يبذلها معمر القذافي لإعادة تجميع الشطور الأفريقية في <<اتحاد>> يكون خطوة متقدمة على <<منظمة الوحدة الأفريقية>> التي شاخت قبل أن تبلغ سنتها الأربعين، وبين الجولة الإمبراطورية لجورج بوش على هذه الدنيا الفسيحة التي يحلم بأن يسترهنها بل ويسترقها دولاً، من دون الحاجة إلى نخاسين كمثل أولئك الذين صدّروا ملايين الملايين من أهلها عبيداً مكبلين بالقيود لكي يموتوا من أجل <<السيد الأبيض>> في العالم الجديد... وكثيراً كثيراً ما ماتوا في سجون بواخره وأقبيتها المعتمة وهم مقيّدون ومجوّعون ومجرّحون قبل الوصول إليه!
لا يكفي شرف المحاولة التي يقوم بها معمر القذافي في <<قارة المستقبل>> سبباً للنجاح في هذه المهمة المستحيلة، خصوصاً أنه يذهب إليها منفرداً، وفي غيبة أخوانه العرب المطالبين مثله، خصوصاً أنه يبدو في لحظة ما وكأنه ذهب منفرداً نكاية بالعرب، أو يأساً من العرب، بينما كان الطبيعي والمنطقي أن يأخذ العرب معه، (لو أنهم كانوا قادرين على الذهاب إلى أي مكان)، أو أن يذهب باسمهم لو أنهم كانوا قابلين بعد أو قادرين على التلاقي لإنجاز أي أمر... بما في ذلك التجرؤ على التلاقي لصورة مشتركة!
وإذا كان بمقدور جورج بوش أن يذهب إلى أفريقيا وحيدا لكي يطرد حلفاءه في <<أوروبا القديمة>> منها، فمن البديهي أنه سيجتاح <<النفوذ>> العربي فيها، إن كان تبقى أي أثر لنفوذ العرب في <<الزمن الجميل>> الذي انقضى ولن يعود، ولدورهم المجيد في مساعدة شعوب أفريقيا على التحرر ثم على التقارب بهدف التكامل الذي كان مقدرا له لو نجح أن يحصنهم في وجه المطامع الأجنبية، ويحمي استقلالاتهم، ويوفر لهم الخبز مع الكرامة، ويؤمن لهم الدواء مع الوحدة الوطنية التي تنقلهم من الحالة القبلية الى حالة تشبه الدولة، وتعصمهم من الانقلابات ذات الجذر القبلي وصراعات الحدود التي تركها الاستعمار كمسمار جحا ليستبقي الحاجة إلى عودته دائمة..
يقول معمر القذافي بمرارة: إن القادة الأفارقة كانوا أقرب إليه وأعظم تعاطفا من إخوانه العرب الذين تخلوا عنه وأنكروه قبل صياح الديك، بل وشارك بعضهم في حصاره... وان القادة الأفارقة قد نجدوه حين ضيق عليه الحصار الأميركي سبل الحياة، فجاؤوه بطائراتهم التسع عشرة مخترقين الحصار في تحد مكشوف للهيمنة الأميركية..
وتقول المرارة بلسان القذافي: إن العرب الذين يشكلون <<رأس>> أفريقيا، والذين يشكلون أكثر من ربع عدد سكانها، لا يهتمون لمصير إخوانهم الأفارقة ولا لمصير دولهم وشعوبها التي يتهددها الجوع والمرض وصراعات النفوذ الأجنبي القادر على تفجير المنازعات القبلية واستغلالها... وإن العرب، وبمعزل عن العواطف،
هم أصحاب مصلحة مباشرة في مساعدة الأفارقة أصحاب الثروات الطبيعية الهائلة، والذين طالما تطلعوا إلى العرب مستنجدين فلم يلب استغاثتهم أحد.
ويستدرك معمر القذافي فيقول: إن العرب إنما يتآمرون على أنفسهم بتخليهم عن أفريقيا، فثمة عشر دول <<عربية>> في هذه القارة المضيع مصيرها في الصراع الدولي الذي حسم لصالح الامبراطورية الأميركية..
لعل القذافي يحب أن ينسى أن معظم قادة الدول العربية، داخل أفريقيا كما في آسيا، يدورون الآن في الفلك الأميركي، وانهم ضحوا أحيانا ببلادهم ذاتها من أجل أن يضمنوا سلامة عروشهم... وان الكثير منهم إنما يستعبدون شعوبهم بالجوع بينما هم ينثرون الذهب بلا حساب على القصور والمواخير وأندية القمار و<<الشرهات>> أو الرشى المكرسة لإذلال المعترضين، في حين يذهب مصدر الثروة، والنفط على وجه التحديد، إلى الخزينة الأميركية ليمول من كيسنا الاحتلال الجديد لبلادنا الغنية أو التي كانت غنية!
لقد دار الفلك بالعرب دورة كاملة، وعادوا <<رعايا>> في بلاد معظمها محتل.
إنه زمن الخسارة من فلسطين إلى العراق، بل من موريتانيا إلى اليمن. ومن أفريقيا <<البيضاء>> إلى أفريقيا السوداء.
والذين تسببوا في فتح بلدانهم للاحتلال الأجنبي، لن يستطيعوا المساهمة في حماية بلاد الآخرين من الاحتلال، فكيف بمساندتهم في مقاومة الاحتلال لطرده منها؟!
دار الفلك بالعرب دورة كاملة والذي قال <<بالدوائر الثلاث>> مات قهراً وكمداً... والارجح ان نظامه قد قتله.
كانت اسماء ابطال التحرير في أفريقيا تزحم ذاكرتنا، وقد اطلقناها على أبنائنا، وكان العرب يساعدون أفريقيا بالمال والخبرات والرجال. اليوم يهجر الرجال <<بلادهم>> العربية طلباً لأعمال <<متواضعة>> جداً، في بلاد <<الاستعمار القديم>>، أما الخبرات فتذهب لتعطي ثمرة عقولها لبلاد الاستعمار الجديد، واما المال فقد بات تهمة ينكره <<أهله>> أو يتخلون عنه لمصارف نيويورك حتى لا يتهموا بالإرهاب، في حين تدين الشعوب حكامها الأثرياء بالسفه والإسراف والتبذير وبإذلالهم بحيث يصبح الاحتلال الأجنبي اهون الشرور..
وها انه لم يتبق من <<عصر>> صدام حسين في أغنى بلد عربي إلا المقابر الجماعية للعراقيين الذين لم يقتلهم إلا.. <<بطل القادسية>>.

لن يعود التاريخ إلى الوراء. التاريخ لا ينوب عن البشر. انه يسجل لهم ما انجزوه، ويسجل عليهم ما قصروا في انجازه أو ما غفلوا عن انجازه.
... وكمال الطويل قد مات، بعدما أكل الغبار نشيده العظيم <<والله زمان يا سلاحي... انده وقول أنا صاحي>>!
لن ينده السلاح، لأن صاحب السلاح قد اذل سلاحه ليذل شعبه ويلغيه..
لم يتبق لأصحاب النشيد إلا الذكريات، وهم يتمنون ان ينسوها ليمكنهم ان يعيشوا في العصر الامبراطوري لجورج بوش ورديفه أرييل شارون...
<<والله زمان يا سلاحي... يا مصر، والله زمان>>!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد