الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف يمكن أن تكون وزيرا في بلد ديمقراطي..؟

رحيم العراقي

2007 / 1 / 11
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


مؤلف كتاب :كيف يمكن أن تكون وزيرا ..؟ هو الفيلسوف الفرنسي المعروف لوك فيري. وكان قد أصبح وزيرا للتربية والتعليم والبحث والشبيبة بين عامي 2003 ـ 2005 في الحكومة الفرنسية. واستغرب الناس آنذاك كيف يمكن لمثقف أن يصل إلى سدة السلطة، ولكنها ليست المرة الأولى التي يستلم فيها أحد المثقفين الفرنسيين منصبا وزاريا مهماً.
فالكاتب الشهير اندريه مالرو كان وزيرا للثقافة في عهد ديغول لفترة طويلة. ولكن هذه هي أول مرة يصل فيها فيلسوف إلى قمة السلطة الفرنسية، أو إلى ما تحت القمة بقليل. فالواقع أن لوك فيري كان قد اشتهر في عالم الثقافة والفكر بعد نشره لكتاب مهم ضد أقطاب الفكر الفرنسي السابق: أي ضد ميشيل فوكو، وجيل ديلوز، وجاك دريدا، وبيير بورديو وكل مثقفي اليسار أو بالأحرى أقصى اليسار.ثم نشر بعده عدة كتب لقيت أصداء واسعة في المكتبات وترجمت إلى أكثر من عشرين لغة، نذكر من بينها كتاب: الفلسفة السياسية في ثلاثة أجزاء، ثم كتاب النظام البيئوي الجديد المدافع عن الطبيعة، ثم كتاب: الإنسان والله ومعنى الحياة، ثم كتاب: حكمة المحدثين، ثم كتاب: ما الحياة الناجحة؟ وأخيرا كتاب: الدين بعد الدين...
وفي هذا الكتاب الجديد يتحدث الفيلسوف الفرنسي عن تجربته في الحكم على مدار عامين متواصلين وما هي الأزمات التي تعرض لها وكيف حاول مواجهتها أو حلها. ومعلوم أن الطلاب تظاهروا ضده في الشارع أو بالأحرى ضد سياسته وقوانينه وكادوا أن يطيحوا به أكثر من مرة.
ثم يستعرض لوك فيري بعدئذ خلاصة الأفكار التي توصل إليها بعد تلك التجربة الغنية والصعبة التي نادرا أن يتاح المثقف أن يعيشها: ونقصد بها بالطبع تجربة السلطة. فنحن تعودنا على أن نرى المثقف في جهة، والسلطة في جهة أخرى، ولم نتعود على أن نرى السلطة متجسدة في شخص المثقف. بل جرت العادة أن يكون المثقف دائما ضد السلطة!
ثم يتحدث المؤلف عن مشكلة أساسية تخص التربية في المجتمع الفرنسي ألا وهي: مشكلة زوال الهيبة في هذا المجتمع، أي عدم احترام الصغير للكبير أو التلميذ للأستاذ أو الابن للأب، الخ.
ويرى المؤلف أن ثورة مايو 1968 أدت إلى تحطيم الهيبة في المجتمع الفرنسي، فلم يعد أحد يحترم أحدا بحجة أن الناس كلها تتساوى وأن احترام الصغير للكبير هو عادة تقليدية أو رجعية خاصة بالمجتمعات القديمة والعائلة البطريركية!
ويرى الفيلسوف لوك فيري أن أحد أسباب فشل التعليم والتربية في فرنسا يعود إلى انهيار الهيبة والسلطة في أعين الناس في المجتمعات المتقدمة. فبقدر ما أن المجتمعات الديكتاتورية تعاني من سطوة الهيبة ورعبها، فإن المجتمعات الديمقراطية الأوروبية تعاني من العكس: أي انحلال الهيبة وتفككها.
ويعتقد لوك فيري أن هناك جذورا تاريخية لفقدان الهيبة واحترامها في المجتمعات الصناعية المتقدمة. ففي الماضي كان الناس يحترمون رجل الدين أو الأستاذ بشكل طبيعي ودون أن يطرحوا أسئلة حول الموضوع. ولكنهم الآن ما عادوا يفعلون ذلك. لماذا؟ لأن تطور الأوضاع في المجتمعات المتقدمة أدى إلى الاستقلالية الذاتية لكل فرد فأصبح لا يحترم إلا ما يعتقد أنه أهل للاحترام.
وهذا شيء إيجابي بحد ذاته وينبغي أن نفرح به. ولكن المشكلة هي أنه إذا ما زاد عن حده انقلب إلى ضده: أي عدم احترام أي شيء وأي شخص في المجتمع.
في السابق، أي في المجتمع التقليدي البطريركي، كان الإنسان خاضعا ذليلا لكل من هم فوقه وبشكل أوتوماتيكي. وأما الآن فأصبح يحتقر أو يزدري كل السلطات والهيبات التي تقف فوقه.
فكيف يمكن أن نشكل جيلا من الطلاب إذا كان مفهوم السلطة أو الهيبة معدوما في المجتمع؟ ألن ندخل في حالة من التفكك والفوضى ويصبح كل شخص يغني على ليلاه دون أن يستمع إلى رأي الآخرين؟
هذه هي بعض الأسئلة التي تؤرق المؤلف على ما يبدو، وهو يلقي عليها مسؤولية فشله في وزارة التربية والتعليم وكذلك فشل الوزراء الذين تبعوه. وبالتالي فهناك مشكلة كبيرة في المجتمعات الغربية، هي مشكلة التحرر من كل هيبة فوقية.
ويرى لوك فيري أن الفيلسوف رينيه ديكارت هو المسؤول الأول عن فقدانها أو تدميرها في فرنسا، ولكن بالمعنى الإيجابي لا السلبي. فهذا الفيلسوف هو الذي علّمنا كيفية الاستقلالية بقراراتنا والاعتماد على أنفسنا من أجل إدارة أمورنا. لقد حررنا من الطاعة العمياء للكبار ورجال الدين وهيبة الأقدمين عندما دعانا إلى أن نستخدم عقولنا قبل قبول أو رفض أي فكرة تعرض علينا.
ثم يردف المؤلف قائلا: في السابق، أي في المجتمع التقليدي، كان يكفي أن يقول أحدهم سمعت القديس الفلاني يقول كذا، أو البابا يقول كذا، لكي يصدقه الناس.
وأما بعد ديكارت فلم يعد هذا الموقف واردا. فديكارت أسس المنهج العقلاني في التفكير ودعا كل شخص إلى استخدام عقله من أجل تسيير أموره في الحياة وفرز الصالح عن الطالح.
وحذرنا من الطاعة العمياء للأقدمين أو لرجال الدين أو لأي شخص كان. وقال لنا: لا تصدقوا أي شيء يقولونه لكم قبل أن تتفحصوه جيدا وتغربلوه غربلة بعقولكم وأفهامكم. وهذه القاعدة المنهجية هي التي حكمت أوروبا منذ عدة قرون وأدت إلى تطورها وتفوقها على جميع شعوب الأرض.
إنها قاعدة العقل والعقلانية العلمية.ولكن المشكلة هي أن الناس بالغوا في استخدامها إلى حد أنها انقلبت إلى عكسها! وبدلاً من أن كانت إيجابية نافعة أصبحت في وقتنا الحاضر سلبية ضارة.
فمن الواضح أن المجتمع لايستطيع أن يعيش بدون هيبة محترمة: أي بدون أن يحترم الصغير الكبير، والتلميذ الأستاذ، والابن أباه، الخ. فالتربية قائمة في أساسها على الهيبة والاحترام. ولكن لا ينبغي أن تكون الهيبة ساحقة وتقضي على شخصية الطفل كما يحصل في المجتمعات التقليدية الديكتاتورية.
ويرى المؤلف أنه منذ القرن السابع عشر، أي منذ عصر ديكارت، فإن هيبة المحاجات المعتمدة على العقل وحاسة التمييز فقط.
وهذا تطور إيجابي كما قلنا وقد أدى إلى تشغيل الناس لعقولهم في أوروبا وتحقيق كل هذا التقدم والازدهار الحضاري.
ولكن لا ينبغي أن نبالغ في ذلك فنتخلى عن الهيبة كليا في مجتمعاتنا لأنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتماسك بدون هيبة واحترام.
وواضح أن الحرية تجاوزت حدودها في مجتمعات الغرب حيث أصبح التلميذ يسخر من الأستاذ والابن من الأب ويضرب عرض الحائط بكل نصائحهما ووصاياهما.
وأصبح يتعاطى المخدرات وكل أنواع الشذوذ والتجارب من جنسية وغير جنسية بحجة ممارسة لحريته الشخصية. وهذا ما يدينه المؤلف على مدار كتابه ويحذر منه لأن توجها من هذا النوع إذا ما استمر قد يؤدي إلى تدمير الحياة الاجتماعية كلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة