الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن والرأسمالية

خالد الصاوي

2007 / 1 / 12
الادب والفن


يشيخ الكثيرون وقد كتموا رغبة دفينة في الإبداع الفني عجزوا عن تحقيقها، وكثير من المبدعين ماتوا دون أن يعرفهم العالم، وكثيرة هي الإبداعات التي منعتها السلطات من الظهور، وكثيرون هم المبدعون العاطلون عن العمل رغما عنهم.
الإبداع والفن ليسا شيئا واحدا، فالأول غريزة إنسانية بينما الثاني عملية إنتاج اجتماعي تتحكم فيها قوى مختلفة تسيطر على كافة عمليات الإنتاج المادي والروحي في المجتمع.
هناك تناقض ينخر في عظام المجتمع الطبقي، إنه التمييز الاجتماعي الذي يجعل الأقلية "فوق" الأغلبية، هذه هي الطاقة الجهنمية التي تنذر باندلاع الحرب الأهلية الكامنة تحت الجلد.. حرب الفقراء والأغنياء.. حرب المضطهدين وجلاديهم.
فلأن الغالبية منزوعة الثروة –والسلطة بالتالي- توجه غالبية الثروة الاجتماعية إلى الأقلية التي تملك وتحكم معا، فتصنع العالم وفقا لمصالحها ورؤاها، وهي لا تحكم الحاضر فقط بل تحكم الأجنة في الأرحام، وبما تملكه من قدرات تضع يدها على كل شيء في المجتمع من العلوم والدواء إلى السلاح والرياضة والفنون، ويتحول كل ما تلمسه يدها إلى موضوع للاستثمار.. لا أكثر.
وتتخذ عملية تنظيم المجتمع من المصنع صورة جنينية لإدارة المجتمع كله في حالات "السلام الاجتماعي" حيث تتوفر لحكم النصف في المائة السلاسة والهيبة ويتخذ الجميع أدوارهم كتروس بشرية في آلة الإنتاج، أما في حالات التمرد على ظلمها فيصبح الجيش النظامي هو خيالها المثل لإدارة المجتمع استنادا إلى القمع والطاعة العمياء.
وبالنسبة للأقلية المسيطرة لا يعتبر الفن ظاهرة خارج هذه المنظومة..
فالفن ككل شيء آخر مجرد سلعة تحقق الربح لمستثمريه، ولأنه خطير أحيانا يوضع تحت عين الرقابة، ويتم تنظيم عملية إنتاج الفن وتوزيعه بحيث يظل محققا لغايتيه: ترسيخ ثروة الأقلية وتأكيد سلطتها.. ككل نشاط إنساني آخر.
والإبداع الفني الحر يحاول دائما كسر القيود التي تكبله والتي تتنوع طبقا لنوعية الطبقة الحاكمة وعصرها، ويستمر الإبداع الشعبي مستقرا للتمردات الفنية التي لم تمررها الطبقات الحاكمة، ويخرج على الناس من حين لآخر مبدعون متمردون يوجهون طلقاتهم للظلم الاجتماعي وللأساليب والتقاليد الفنية الميتة معا والتي رعتها طويلا الطبقة الحاكمة، كما يحاولون التحرر من قيود المنتجين والرقابة السلطوية ليصنعوا فنهم المختلف ولكي يحرروا طاقة الإبداع المحتجزة في ربوع الجماهير.
لقد قامت الرأسمالية بتسليع الفن مثلما سلّعت السلاح والدواء والإسكان والتعليم وقوة عمل البشر في المصانع والنساء والأطفال في الإعلانات المنحطة، كما وجهت القانون والإعلام والتكنولوجيا لتحقيق أهدافها.. الربح للأقلية، القمع للمتمردين، والأوهام الدعائية للجماهير الكادحة لأنه من المستحيل السيطرة على الناس بالقمع فقط.
صحيح أن القمع والمخدرات والدعارة والرشوة والفساد موجودون قبل الرأسمالية، ولكن في كنف هذا النظام فقط تم تنظيمها وتطويرها كميادين واسعة للتربح محليا وعالميا.
ومع ذلك تطور الفن تطورا مذهلا نتيجة لقانون التنافس وما يفتحه من إمكانات واسعة ولكن.. على حساب دماء البشر وأمانيهم البريئة.
ففي المقابل حولت الرأسمالية المبدعين إلى صفوف من العمال الراضخين لشروط أصحاب العمل، وصاروا يدفعون ثمن الإنتاج المتنافس غير المخطط رغم عدم مشاركتهم لا في قراراته ولا في أرباحه، وبدلا من أن يكون الإبداع عملية ديمقراطية يتاح للجميع تعلمها والتمرس عليها صار قاصرا على جماعة محدودة من الناس محاطة بهالة من التهويل الخزعبلي، ومع تضاؤل فرص التشغيل تخرب ذمم البعض ويختارون الحلول الأسهل مع ما فيها من انحطاط أحيانا وتتمترس هيمنة التجار على المبدعين ويعلو تأثير العلاقات الشخصية على المنتج الفني.
ليست المشكلة في نقص المواهب.. المشكلة في النظام المعتمد لاكتشاف وتطوير وإدارة هذه المواهب المدفونة فعليا.. ولكن تجار الفن غير معنيين إلا بتحقيق الربح، فلو كان هذا الربح متحصلا عن الاستمرار في نفس نمط الإنتاج المتخلف فسوف يستمر لأنهم هم المتحكمون لا المبدعون المأجورون ولا الجمهور الذي يختار بين بدائل معروضة عليه وليس له في النظام الرأسمالي إلا هذا الدور الثانوي، وهكذا يشكل مستثمرو الفنون ذوق الناس الفني لأن الأجيال الناشئة تتربى على بدائل أغلبها الأعظم منحط أحيانا.
في المجتمع الرأسمالي تولد موهبة متوافقة مع السوق كل عام بينما تدفن عشرات المواهب الأخرى كل عام وربما كانت هي المواهب الأهم.
المجتمع الذي نحلم به.. مجتمع يقدس قيمة العمل في كل الميادين.. مجتمع لا يدور حول تكوين الثروة للأقلية بل حول تلبية احتياجات الجميع ما عدا الحاجة الشاذة لاستغلال الباقين بمسميات مزيفة كالديمقراطية الليبرالية والعولمة الرأسمالية، وأيا ما كان القناع الذي يتخفى وراءه هذا الإجرام.
المجتمع الذي نحلم به يحرر طاقة الإبداع في المجتمع ويرعى جميع المواهب بطريقة عادلة ويجعل الفن نشاطا متغلغلا في المجتمع يعكس أولا بأول همومه وطموحاته ويولف بين الفرد المبدع والجماعة المبدعة -ولو بمستوى مختلف- ويجعل للحرية معنى إنسانيا ملموسا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??


.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??




.. فيلم -لا غزة تعيش بالأمل- رشيد مشهراوي مع منى الشاذلي


.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط




.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش