الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البكاء على التدخل في الشؤون الداخلية !

سهر العامري

2007 / 1 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لا أحد ينكر أن الدول التي تنبسط على وجه الأرض قد اقترب بعضها من بعض في الاتصال أكثر من أي وقت مضى ، وقد حدث هذا بفضل المكتسبات الرائعة التي حققها الإنسان في مضمار العلم ، وحقول المعرفة المختلف ، والى الحد الذي بات فيه حملة الخرافة ، والفكر المتخلفة ، والأعمال القذرة ، والتصرف المشين يعيشون في تناقض مر مع البشرية الخيرية التي تخطو بثبات نحو قيم الخير والفضيلة والمعارف ، تلك القيم التي ناضل الإنسان على مدى دهور طويلة من أجل رفع رايتها خفاقة في سماء هذه الأرض التي ابتلت بشرور الأشرار من الناس ، والذين تحكم بعضهم برقاب الناس في هذه الدولة أو تلك من الدول ، وراح يعبث ببني البشر مثلما يريد ، ومثلما يحلو له ذلك ، وحين ترتفع الأصوات الخيرية في هذه الأرض راح هذا الشرير ، والمصفقون له يشهرون سيف " عدم التدخل في الشؤون الداخلية " بوجه كل من يعترض على هذا الحاكم المستبد ، أو ذاك الذي يمارس القتل بالطرق التي تأنف منها حتى الحيوانات .
لقد وقفت الناس الخيرون في مختلف أصقاع العالم ضد الطغاة وعدوانيتهم في هذا البلد أو ذاك ، ورفعوا أصواتهم عاليا ، حكومات وأفراد ، بوجه من راد منهم إحلال شريعة الغاب محل شريعة العدل والقانون ، وهذا تاريخ بشرية يشرق بأمثلة ساطعة على التضامن الفعال الذي أظهرته شعوب الأرض مع شعب شيلي حين عبث المجرم بينوشيت بمعاير القيم الإنسانية ، وصب نيران ظلمه على شعبه خدمة لمصالح الإمبرياليين الأمريكان ، ولم تلتفت تلك الشعوب بحكوماتها لخرافة ما يسمى " التدخل في الشؤون الداخلية " ، تلك الخرافة التي يريد رجال حكومة الاحتلال الرابعة في العراق اليوم الاختباء وراءها .
هذه الحقيقة تجعل من التحجج بمسألة التدخل في الشأن الداخلي أشبه بخرافة تريد حكومة الاحتلال الرابعة في العراق إقناعنا بصبيانية أفعالها ، وبخسة تصرفاتها ، مع أن هذه الحكومة التي كان جل أعضائها ، وقبل أن تحملهم الدبابات الأمريكية على ظهورها ، وتجلسهم على كراسي الحكم في العراق ، مرميين على أرصفة الكثير من الدول ، وكان الواحد منهم لا تطربه نغمة " عدم التدخل في الشأن الداخلي " أبدا ، تلك النغمة التي كان صدام يغنيها حين تهب دولة من الدول شاجبة ما يقوم به من أعمال قتل وتدمير بحق العراق والعراقيين ، وكانوا هم أول من يستنكر عليه كل فعل مشين ، ولكنهم حين صاروا حكاما تحت ظلال المدفع الأمريكي ، الذي شيد قواعد ثابتة للاستعمار الأمريكي على أرض العراق لا يمكن لأي دعي وطنية أن ينكر ذلك ، بكوا على " التدخل في الشؤون الداخلية " ، ومتى ؟ ذلك حين افزعوا العالم بالميتة التي اختاروها لصدام ، والتي استنكرها عليهم حتى أسيادهم في واشنطن ولندن .
والعجيب في الأمر أن رجال أمريكا في العراق ، وفي المقدمة منهم عبد العزيز الحكيم ، قد احتج على العرب فقط ، ولم يحتج على جورج بوش ، والمنظمات الأمريكية المدافعة عن حقوق الإنسان ، ووسائل الإعلام الأمريكية ، هؤلاء الذين استقبحوا ذاك الفعل المشين الذي رفع صداما الى مصاف الشهداء ، مثلما جاء ذلك في أغلب الصحف البريطانية التي صدرت غب إعدام صدام ، والتي طفحت بأصوات الاستنكار من قبل الكثير من الساسة الانجليز بما فيهم توني بلير ، رئيس وزراء بريطانيا التي غربت عن أرضها الشمس ! هذا فضلا عن الساسة الأوربيين ، والساسة في الدول الإسكندنافية مجتمعة ، وكان هذا الاستنكار منصبا على تلك الطريقة المشينة التي نفذ بها حكم الإعدام بصدام ، تلك الطريقة التي أفزعت الكثيرين رغم رقص الصعلوك كريم شهبوري ( موفق الربيعي ) خادم المستعمرين الأمريكان .
سألت جاري السويدي ، هل شاهدت كيف أعدم صدام ؟ رد علي بفزع ، ولماذا تريد لي مشاهدته ؟ هل تريدني لا أنام ؟
لذلك صاح هذا العالم بصوت قوي لا لهمجية الموت هذه ، ولا للرقص حول جثث الموتى ، ولكن دعي التشيع في العراق ، عبد العزيز الحكيم ، وأحد مريدي الولي الفقيه ، جورج بوش ، راح يحاول التستر على تلك الفضيحة ، التي أساءوا بها للشيعة العرب في العراق قبل أن يسيئوا بها لغيرهم ، وذلك بقوله الكاذب من أن عدد المستنكرين لتلك الفعلة الشنيعة كانوا قليلين في الدول العربية وفي دول العالم الأخرى ، وإذا كان الأمر كذلك ، وكانت البشرية في مطلقها تؤيد تلك الأفعال المشينة ، فعلام يشهر رجال الحكومة الأمريكية في العراق سيف " التدخل في الشؤون الداخلية " لبلد مثل العراق !
عجبي ! كان الأولى برجال الزمن الأمريكي أن يحتجوا على تواجد الجنود الأمريكان الذين يدبون كجرب على أرض العراق الطاهرة ، أم أن أشباه الرجال هؤلاء ، على حد تعبير الإمام علي عليه السلام ، لم يعتبروا ذلك تدخلا فظا في الشؤون الداخلية للعراق ؟
ها انتم ـ يا رجال حكومة الاحتلال الرابعة ـ ترون المئات من جنود لدول متعددة ، اعتدوا على العراق لسنوات ، وداسوا على كرامة العراقيين لسنوات ، واغتصبوا أعراض العراقيات لسنوات ، وكان كل هذا أمام أعينكم ، ولكنكم ، ولبئس المنطق ، لا تعتبرون هذا تدخلا في الشؤون الداخلية !
عجبي والله ثم عجبي ! هل يستطيع أحد منكم أن يقول لنا كيف عبثت إيران بالعراق والعراقيين ؟ وكم من عراقي وعراقية قتلت على يد فرق الموت الإيرانية ؟ ألم يعتبر هذا تدخلا في الشؤون الداخلية ؟
ألم يدفع بكم الفرس الإيرانيون الى ملاحقة الشاعر المتنبي ، رغم المسافة الزمنية بينكم وبينه ، وتعمدون الى رفع كل كلمة كان المتنبي يفتخر بها من أنه شاعر عربي من المنهج الدراسي للطلاب العراقيين العرب ؟ فالمتنبي ، كما تعلمون أو لا تعلمون ، عربي ، وفخر بالعرب ، والعروبة في زمن كان الفخر يعد من أشهر الأغراض الشعرية في الشعر العربي الكلاسيكي ، فلا يمكنكم أن تحاكموا المتنبي بمنطق العنصرية الفارسية ، وذلك وفقا لأهواء زمرة حاقدة جاءت من طهران لتستنكر على الشاعر ما قاله بعد ألوف السنين ، لكن رغم ذلك فهذا المتنبي يصرخ فيكم ، مثلما يصرخ الكثيرون من أبناء شعبنا الذي ما خرج من ظلم صدام حتى وقع في ظلمكم ، هذا هو المتنبي اسمعوه يقول :
وإنما الناس بالملوك وما تصلح عرب ملوكها عجم
أتعلمون لماذا قال ابن الكوفة هذا ؟ لأنه يعرف أنكم ستأتون محمولين على الدبابات الأمريكية الى بغداد ، بعد أن جاء أجدادكم الفرس البويهيون إليها من قبل ، تلك المدينة التي اغتصبتموها على زمن الشاعر ظلما وعدوانا في القرن الرابع الهجري ، وقد شان على الشاعر المتنبي أن يدخلها ، فوجه وجهه صوب الشام الذي توجه له اليوم الملايين من العراقيين ، تاركين بغداد نهبا لعصاباتكم وطائرات حلفائكم بعد أن تحالفتم على إبادة الشعب العراقي ، وعاصمته الخالدة التي ينشدها من قبره ابن الناصرية وشاعرها ، مصطفى جمال الدين قائلا :
بغداد ما اشتبكت عليك الأعصرُ ....إلا ذوت ووريق عمرك أخضرُ
أقول ، علام لا تعتبرون هذه الأوامر الصادرة لكم من إيران تدخلا في الشؤون الداخلية للعراق الذين تبكون عليه نفاقا ؟
كونوا على ثقة من أنكم تثبتوا بأفعالكم هذه للعراقيين ، وفي المقدمة منهم الشيعة ، بأنكم ليس من أهل العراق ، وأنكم مستعدون أن تقدموا للمستعمرين الأمريكان كل ما يطلبونه منكم شرط أن تبقيكم أمريكا في مناصب حكم لفترة محدودة من الزمن ، وإذا كنت أنا على باطل فيما أقول ، فلماذا لا تعتبرون بناء الحصن الأمريكي في بغداد ( السفارة الأمريكية ) تدخلا في الشؤون الداخلية للعراق ؟ تلك الشؤون الداخلية التي يبكي عليها وكيل وزير خارجيتكم نبيل عباوي ؟ هل سألكم المستعمرون الأمريكان من أنهم سيبنون سفارة لهم في القلب من بغداد ، وبمساحة هي بضعف مساحة دولة الفاتكان ؟ أتعلمون على أية شاكلة ستكون تلك السفارة ؟ إنها دولة داخل دولة ، لها جيش ، وشرطة ، ودوائر ، وبيوت ، وأسواق ، ومراقص ، وملاهي ، وحانات خمور ، وفي حال ما رفع أحد منكم عقيرته ستنقض عليه الطائرات الأمريكية ، وتجعله عصفا مأكولا ، وساعتها لا ينفعكم البكاء على التدخل في الشؤون الداخلية !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحافظون في إيران ذاهبون إلى انتخابات الرئاسة بمرشح واحد


.. توتر الأجواء بين بايدن وترامب قبل المناظرة الرئاسية | #أميرك




.. هل العالم يقترب من المواجهة النووية؟


.. انتخابات فرنسا.. استطلاعات رأي تمنح أقصى اليمين حظوظا أكبر ف




.. فيديو أخير.. وفاة مؤثرة تونسية خلال تواجدها في صقلية الإيطال