الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة في نسيج كرة مجنونة

نبال شمس

2007 / 1 / 13
الادب والفن


انتابني الخوف عندما شعرت أن تلك الليلة تثمل رويدا رويدا, صوت مواء القطط يكاد يخدش وجهي وروحي وعيوني. لماذا تزعجني الأصوات لهذا الحد؟ صوت المطر, صوت الريح وصوت القطط التي لا تسكت, وألم العيون الذي يلازمني طيلة السنة.
ماريان الرضيعة تمشي تحت المطر الغزير, كيف أراها تمشي وهي ولدت أمس وماتت اليوم. تمشي عارية تماما, وحبل الصرة لم يسقط بعد. يا الهي إنها تقتحم نافذتي وحجرتي وأوراقي المبعثرة, محاولة نعف كراتي الملونة التي جمعتها على مر سنين حياتي. ماريان لا تعرف مدى أهمية كراتي الملونة والمكررة فقد أرادت أن تحسها وتلعب بها.
لماذا عدت يا ماريان؟
لماذا عدت يا صغيرتي؟
أتريدين سماع قصة؟ اليوم يا ماريان نسيت كل قصص الأطفال.
أتريدين سماع الموسيقى؟ اليوم يا ماريان ليس لدي سوى صوت العاصفة وصوت القطط المشتتة.
انتابتني الرعب, فلا أريد أن تختنق ماريان بأحد كراتي, وبالوقت ذاته لا استطيع إعادة ماريان إلى قبرها أو إعادتها إلى الحياة.
ماريان الشقية, لماذا اسميك ماريان, أمك قالت إنها لم تسمك بعد. لكنك ماريان التي ولدت وقضت هذا الفجر قبل أن تنهي نسيج كرتها الثانية. قالوا: مرضت . قالوا:اختنقت, لكنها ماتت وتركت كراتها الأسفنجية هديتي لها قبل ولادتها, تحت شرا شفها البيضاء.
ما الذي جعلني أكتب عن الكرات وماريان تركت كرات العالم كله؟
أحاول النسيج ألان بثماني عيون وأربعين إصبع.
أحاول الكتابة بأربعة أقلام وثمانية ألوان, فلا أرى سوى الكرات وسوى ماريان مستمرة في تحسس كراتي.
العالم من حولي دوائر ملومة بكل الألوان. على شباكي أصيص واحد مكسور وفيه ثلاث زهرات, ترابه أصبح كرات عديمة الحياة.
غدا سأنهض في الخامسة لأبدأ بنسيج كرة واحدة جديدة ومتكورة. بعد غد سأنام في العاشرة لأقذف بكرة ثقيلة مملة وحقيرة. أما الأنا ما زال ينسج كرة مجنونة غير مكررة وغير متكررة.
ماريان غفت على كراتي.
ريتا ما زالت ترسم الدوائر على حيطان مدرستها.
الثمانية عيون يركضون نحوي تحت المطر, يرون الصاد دائرة ونصف, والسين ثلاث دوائر ناقصة والباء دائرة مقروصة, والألف دائرة مضغوطة. أمس طلبت منهم أن يرسموا لي على اللوح قوس قزح فرسموا لي دائرة. طلبت منهم أن يرسموا زهرة فرسموا دائرة أخرى.. حاولت فهم ماهية دوائرهم فخرجت أنا المتخلفة وهم العلماء في عالمهم وغموضهم.
صوت أتاني من ارض بعيدة, اسمها الأرض المسروقة, سألني السؤال المكرر: ماذا تفعلين؟ قلت له اعد كراتي, اعد خرزاتي وأحاول تكسير حلقاتي, ثم أعود لانتظر ماريان لتصحو كي تعود إلى تحت المطر.
يعاود السؤال, ومن تكون ماريان؟ قلت له: هي الروح هي الذاكرة وهي الظل العاري من كل كرة. ماريان هي الهاجس الذي مات فجر هذا اليوم. ماريان هي العري الطاهر ونور الجسد قبل دخوله الحلقات الملونة.
الزهرات تتحرك. الأصيص ينكسر. التراب يسقط في ارض الغرفة. صوت القطط يعلو في أذني. تدخل العيون الثمانية إلى غرفتي, ومعهم أقلامهم وألوانهم ودفاترهم وغصتهم, يبعثرون كتبي , يمزقون أوراقي ويرمون بكراتي في داخون الحطب. يقهقهون, يتهامسون ويهربون ومعهم ماريان الرضيعة . بحثت عنهم في الغرفة, في الدار وفي الفناء وفي مكان القطط, فلم أجد أثرهم الذي محاه المطر الغزير, فعدت إلى مكاني أحاول نسيج كرة مجنونة غير متكررة وغير مكررة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة TheStage عن -مختار المخاتير- الممثل ايلي صنيفر الجمعة 8


.. الزعيم عادل إمام: لا يجب أن ينفصل الممثل عن مشاكل المجتمع و




.. الوحيد اللى مثل مع أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان.. مفاجآت في ح


.. لقاء مع الناقد السينمائي الكويتي عبد الستار ناجي حول الدورة




.. هشام حداد يستفز وسام صباغ.. وهل يسبق السوري اللبناني في التم