الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في القدس

ريما كتانة نزال

2007 / 1 / 13
الادب والفن


وصلت باكرا الى الحاجز الحدودي الذي يطلق عليه حاجز قلنديا؛ وكنت قد انقطعت عن الذهاب الى القدس بقرار الواقع الجداري، وللقدس مكانها ومكانتها في ذاكرتي؛ منذ اصطحبتني جدتي ذات زمن وحرصت أن أظهر نشاطا وحرصا على ممتلكاتها الصغيرة الضرورية لعلها تصطفيني من بين اخوتي دائما في زياراتها للحرم، حرصي جعل النسوة يحسدن جدتي على "خادمتها الواعية"، تمنيت يومها لو أن الأرض تبتلعني على احتمال نكات إخوتي على لقبي الجديد.
على أعتاب المدينة تنبعث ذاكرة القدس من جديد؛ وللمكان ذاكرة الصديق الوفي على العكس من ذاكرة الزمان الغدار، ففي رائحة كعكها وتوابلها ايحاء حميم، وفي ملمس حجارتها ترقد حواس ترغب في اختصارالكون واحتضانها بمسام الشعر، مرة أخرى أعود دون قوة خارجة ولكن بوهم إرادي أفترضه، فكان أن حصلت على تصريح يؤهلني الدخول والبقاء فيها لمدة أربعة عشرة ساعة بالتمام والكمال.
وضعت خطتي للتحرك لأغبّ مفردات مدينة لا تفصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، اتحرك برؤيا مجنونة لتفاصيل لقاء مرسوم بأحجيات ورموز، سأطمئن على الأسوار في مكانها وبقاء حجارتها متراصة؛ وأعدّ بعضها الذي انهار حديثا وأضيفه على المسجل في الذاكرة، وسأذهب الى الصخرة المعلقة بالفضاء بخيوط مقدسة ، وسأتذكر أن أضع غطاء على رأسي احتطت على وضعه في حقيبتي؛ لأوفر على نفسي الشجار مع احد شيوخ الجامع الذي اعتاد أن يضطهدني في كل زيارة سابقة للمسجد بسبب كشفي لرأسي؛ على الرغم من غضه النظر عن آلاف السائحات السافرات، هذه المرة أحرص على عدم التجاوب مع استفزازاته رأفة به وبحالي، فلا أريد إفساد وجدي ولهفتي رغم اشتياقي لمناكفاتي السابقة، وأحدث نفسي بأن حالي قد تغير ونالت من عزيمتي سنين الحصار، وسأسعى ذهابا وإيابا في الطريق الواصل بين القيامة والأقصى فهذه الطريق صلاة وجمال؛ وسأجدد وعدا أقطعه دائما في الزقاق بتنظيم فعالية لا أعرفها في تلك الفسحة التحفة؛ وسأتسكع في الأسواق وسأهدر بعض المال على هوايتي النسوية في حب إقتناء القديم من الحليّ.
أطمئن على الزواريب والمشربيات والبوابات والجداريات والسراميك ، اربت على ظهور النسوة في باب العامود يبعن الزعتر والأعشاب والخضار التي تبدو لي دائما أكثر اخضرارا من أي مكان في الدنيا؛ وبعد الاطمئنان على الحوانيت ذات الأقواس الصغيرة وألاحظ أنها لا تزال تسمي نفسها بأسماء السلام بكل اللغات؛ أركض باتجاه القنصلية بيت قصيدي وأحصل على فيزا للقيام بمهمة الأمهات الصالحات لدى استقبال الأحفاد القادمين إلى الدنيا من بوابة العم سام، وهناك أمام القنصلية كنت في موعدي المحدد؛ انضم إلى الطابور المختلط مع أبناء العمومة ويحلو لي أن أتشاءل بأننا متساوون على السطر ذاته، وتختلط اللغات الثلاث وتلتحم ومن ثم تعود وتنفصل، وأستمر بالتأمل في ملامح الوجوه حولي بينما الوقت يطول بالانتظار؛ وأصنف الجنسيات حسب سحناتها من قاموس واقعي وآخر نمطي في رأسي، ويختلط الأمر علي بين نساء يهوديات محجبات كثر يعقصن أغطية الرأس الى الخلف؛ وسأتعرف عليهن من رجالهن ذوي القبعات والمعاطف السوداء الطويلة والشعور المجدولة الهابطة من فوق السوالف، وأستمر في تسليتي وسأعتقد بأن الرغبة في الهجرة لديهم تفوق رغبتنا.
أستلم الفيزا كرأس كليب وغيي يدفعني الى جولة جديدة؛ استكمل فيها طقوس عشق أفقي وعمودي للقدس مدته أربعة عشرة ساعة دون أيّ وهم، وأحرص في ساعة الصفرعلى أن أكون على سوار المدينة الأخيرفوقتي مصنوع من حواجز وممنوعات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا


.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟




.. الفنان الكوميدي بدر صالح: في كل مدينة يوجد قوانين خاصة للسوا


.. تحليلات كوميدية من الفنان بدر صالح لطرق السواقة المختلفة وال




.. لتجنب المشكلات.. نصائح للرجال والنساء أثناء السواقة من الفنا