الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية وزير مرتعب

محمد المهدي السقال

2007 / 1 / 13
الادب والفن


دعا الخليفة المستنكف حاشيته بأمر عليه خاتمه الدائري الأخضر,
دون تلميح لما سيكون جدول أعمال ,
نفض وزير التاج يديه من فخذ عجلة ممددة عارية ,
حين وقف الحاجب عليه مرفقا بالرسول ,
افتعل الأبهة بين ندمائه , لكنه سرعان ما تغير لونه , فبدت عليه بالواضح علائم الاضطراب ,
رمق بزاوية حادة نظرة حامل الأمر, يكاد يطبق جفنيه تحاشيا للرد على أي استفسار ,
أما الذي أغرق في تشهيه قبل الاستواء على نار حامية , فيبدو أن العفو سيشمله, ضمن ما سيشمله العفو هذه الليلة ,
تبا له , لم يجد وقتا آخر للدعوة إلى الاجتماع ,
يختار بإمعان في الحقد أفضل الساعات ,
وهذه اللحمة المغرية بالوصال , كيف أسمح فيها ,
حاول التأكد من أنه لم ينبس ببنت شفة في حضرة رسول الخليفة ,
ارتاب ,
طلب قلمه الأحمر , تسبق كلماتِه ابتسامةُُُُُ ُ ضيقة , ما زال شاكّاً في نطقه ما فكر فيه ,
في انتظار وصول الحاجب , توجَّه وزير التاج إلى الرسول بكلمات مهموسة في أعمق أعماقه ,
كان يُجرِّب ,
اطمأنَّ إلى أن أحداً لم يسمعه ,
ردَّ الورقة مُوَقَّعة للتَّصديق على الاستلام ,
بقي الرسول ثابتا جامداً إلا في حركات محسوبة بمقدار, قبل الانسحاب مُوَدِّعاً بما يستـلزمه المقام من فروض الطاعة والولاء ,
استغرق في التخمين تحسبا للموعد , وانطلق في استحضار جرد بالوقائع التي عرفتها الساعات الأخيرة ,
لم يجد ما يلفت الانتباه غير حادثة الوزير الأعظم ,
لعل الخليفة لم يغفر له بالفعل ما أتاه من منكر الأفعال في منطقة " العراقبة " ,
واستدرك داعيا على وليِّ نعمته بالويل والثبور ,
اللهم اجعلها مناسبة للتخلص من الوزير الطاغية , هكذا كان يُعـرَفُ بين الناس ,
وتفكَّر أفضال الرجل عليه , حين كان والياً على بلاد "جبالة " ,
أضاف إليه شغل منصب الولاية على أمن الخاصة من العامة , فكانت الفرصة السانحة لجمع ما جمع ,
وقد قرَّبه من الخليفة حتى وزَّره على شؤون التاج في البلاط ,
ولم يكن يحلم أن يصير من حاشيته , رغم الجهد المبذول للقربى بالحق حينا وبالباطل أحيانا ,
لكنه , لم يتوقف عن الدعاء على صاحبه بالوقوع فيما لا تحمد عقباه ,
حين يقف أمام المرآة , يطلع عليه وجهه في ثوب الشيطان ,
يتذكر التقارير التي ظل يدبجها مثقلة بالوافي من كيل النميمة في حق العباد ,
فتدب في بدنه قشعريرة حياء من افتراءاته التي كان يحبِّرها على مقاس طلب الوزير الأعظم ,
ضبطته زوجته يُكلِّم نفسه , تحاشى نظراتها كعادته حين تلومه على تبعيته فيما لم ينزل به من سلطان ,
أمعن في رؤية الفخذ النديِّ بتراكم ما تبقَّى من بخار ,
تبّاً له ,
لماذا يغلق شهيتي في أسعد اللحظات , باردَ الأوصال حاول التحرك في مكانه , لم تتبقَّ غير ساعتين ,
تتمكن البرودة من كل أعضائه ,
حين يستحضر إمكانية طلب شهادته في الموضوع ,
قد يقول ما يمكن أن يقال , غير أنه موقن بتجاوز الخليفة عن غريمه , بل يمكن أن يجد له عذراً في تماديه ,
ماذا وقع ؟
ثلة من الشباب الطائشين ,
نزعوا لباسهم أمام القبة في الساحة العمومية , احتجاجاً على تماطل المخزن في الاستجابة لمطالبهم ,
فما كان من القوة إلا أن تدخلت لتفريق المتظاهرين ,
في البداية والشهادة لله ,
لم يضرب أحدُُ ,
ساد جوّ من الهدوء رغم عنف الشعارات المنددة بحاشية السلطان ,
وتذكر وزير التاج أن اللين والرفق بالعصاة ,
إنما كان بسبب مرور موكب من السياح الأجانب في العاصمة , قبل أن يطالهم ما يندى له الجبين ,
ثم استبعد معالي الوزير المرتعب أن تكون هذه الحادثة موضوع الاجتماع ,
فما فعله الوزير الأعظم في منطقة " العراقبة " , كان أدهى وأمر , لأن ما حل بالسكان لم يميز بين شيب وشباب ,
استدار به الكرسي ,
فوجد نفسه أمام المرآة شاحب الوجه منتفخ الأوداج , ولسانه ما انفك يدعو على من كان الحيلة والسبب في هذا الاجتماع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام