الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع المفكر د.ميثم الجنابي

مازن لطيف علي

2007 / 1 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



(1) د. ميثم الجنابي : المثقف هو العنصر الجوهري في تاريخ وعي الذات القومي والاجتماعي والسياسي والروحي

مازن لطيف علي
ان مشكلة العراق تقوم ليس في تخمة التاريخ السياسي، بل بالعكس، أي في جوعه للتاريخ السياسي. انه متخم بالزمن السيئ. بعبارة أخرى، إن اغلب إشكاليات العراق الحالية تقوم في انه لم يستطع لحد الآن إرساء أسس التاريخ السياسي. من هنا سيادة الزمن. وهو الشيء الذي يمكن رؤيته في انتشار وترسخ تقاليد المؤقت في القانون والدستور وعلاقة السلطة بالمجتمع (كثرة الانقلابات) مع ما يترتب عليه من تبخر أو اضمحلال لتراكم التجارب. فالتاريخ هو تجارب مدركة، بمعنى أنها أجزاء من وعي الذات.
هذا ما أكده المفكر العراقي ميثم الجنابي في حوارنا معه :
*ما هي تحديات الديمقراطية في العراق ؟
- من الناحية التاريخية لم يجرب العراق مشروعا ديمقراطيا بالمعنى الدقيق للكلمة. لقد عانى من اجله طويلا، وتحول من حيث كونه قيمة وغاية إلى جزء جوهري في وعيه السياسي،

لكنه لم يتغلغل في وعي الحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية إلى ما يمكنه أن يكون مرجعية فكرية وسياسية واجتماعية وأخلاقية. فالديمقراطية من حيث كونها مبدأ وقاعدة وفكرة لم تتحول إلى جزء من تاريخ الدولة. على العكس لقد كانت الدولة في صراع عنيف مع الفكرة الديمقراطية. وهو الأمر الذي جعل منها محل تخوين وتجريم افقدها القدرة على النمو الطبيعي في العراق كما افقد القوى السياسية قدرة استيعاب مضمون الفكرة الديمقراطية بالشكل الذي يجعلها قوة وأسلوب التحديث والعصرنة والتطور الشامل. وفي هذا يكمن احد الأسباب التاريخية والسياسية والإيديولوجية الكبرى لهزيمة المشروع الديمقراطي في العراق، كما تكمن فيه أيضا مقدمات المعاناة والتعقيد الهائل للانتقال إليها. وليس مصادفة أن تكون قوة التحول من الدكتاتورية إلى الديمقراطية في العراق هي قوة التدخل الخارجي. كما أن قيادة العملية الديمقراطية أصبحت بأيدي قوى تقليدية إسلامية وعرقية وطائفية. إننا نعثر في ارتباط التحول من الدكتاتورية إلى الديمقراطية بقوى خارجية على حالة معبرة بصورة نموذجية عن مهزلة التاريخ العراقي المعاصر ومأساته في الوقت نفسه. إنها مأساة الدولة والمجتمع والأحزاب السياسية والنخب والفكر والتفكير. فهي مأساة للمجتمع من حيث تجريده من كل معنى لوجوده بوصفه اجتماعا بشريا، ومن ثم اغترابه عن ذاته بوصفه مصدرا شرعيا للسلطة. وفي هذا تكمن حلقة المأساة المكملة في الدولة، التي لم تعد أكثر من أداة للقمع السافر والابتزاز اللامتناهي ضد ابسط مقومات الوجود الاجتماعي للبشر. مع ما ترتب عليه من انحسار للحياة السياسية والحزبية بحيث جعل من الاثنين مجرد دمى بيد القدر والمكر والخبث والغريزة. من هنا تخريب الدور الروحي والمعنوي للنخب الفكرية في توجيه الدولة والمجتمع والأحزاب، مع ما ترتب عليه من انحسار لحقيقة الفكر والتفكير. بحيث تحولت أجهزة القمع المتلفعة باسم الدولة، والمجتمع المجرد من كل تحصين حقوقي، والقوى السياسية المتهرئة بحزبيتها الضيقة، إلى كتلة متراصة في مواقفها الصلبة من حرية الإبداع المطلقة. أما النتيجة فهي شموخ متعجرف للرذيلة الأخلاقية والمكر السياسي والعقائدية الفجة، إي لكل ما يواجه حقيقة الفكرة الديمقراطية من حيث كونها نظاما شاملا للدولة والمجتمع والثقافة. وفي هذا تكمن مأساة العراق المعاصرة .
* برأيك ما الذي يجمع العراقيين.؟
- إن الشيء الذي يمكنه جمع العراقيين هو العراق. هي حقيقة بسيطة شأن كل الحقائق الكبرى. ولكن حالما يجري نقلها من علياء الفكر المجرد إلى واقع الحال، فإنها تصطدم بالضرورة بأرضية خشنة وخربة. وهي أرضية هشة ومجزأة على كافة المستويات والأصعدة والميادين. وبالتالي فان توحيد العراق وتكامله الذاتي بحاجة إلى وقت (عقدين على الأقل) من اجل نشوء جيل أو أجيال جديدة. فالعراق مستقبل. واغلب قواه الحالية هي من الماضي بالمعنى الواسع لهذه الكلمة. وهي عملية طبيعية لكنها مؤلمة، وضرورية لكنها حتمية. وهو الأمر الذي يجعل من مهمة الفكر المستقبلي التفكير والتأسيس بإشكاليات الهوية الوطنية العراقية بالشكل الذي يجعلها معقولة ومقبولة للأغلبية. وقد وضعت بهذا الصدد فكرتي عما ادعوه بفلسفة الاستعراق، أو فلسفة الهوية الوطنية العراقية, وأدرجتها ضمن مبادئ كبرى هي: إن العراق ليس تجمع أعراق، ثانيا: إن العراق هوية ثقافية سياسية، وإن العراق غير معقول ولا مقبول خارج وحدة مكوناته الرافدينية العربية الإسلامية، وإن العربية – الإسلامية هي جوهر ثقافي، وإن الهوية الثقافية المفترضة للعراق والعراقية هي الاستعراق، وإن الاستعراق هو الحد الأقصى للقومية في العراق، وإن الاستعراق هو البيت الذي تتعايش فيه جميع القوميات في العراق بصورة متساوية ومنسجمة، وإن الاستعراق هو ضمانة البقاء ضمن الهوية التاريخية الثقافية للعراق والاحتفاظ بالأصول القومية الذاتية له، وإن الخروج على الاستعراق هو رجوع إلى الطائفية والجهوية والعرقية، أي إلى مختلف البنى التقليدية لما قبل الدولة، ومن ثم فهو خروج على منطق الهوية الثقافية للعراق والعراقية وعلى مكونات وجودهما الجوهرية، وأخيرا، إن الخروج على الاستعراق هو خروج على الحكمة الثقافية والسياسية لتاريخ العراق، ومن ثم فهو خروج على القانون أيضا. إن تحقيق هذه المبادئ يفترض التمسك بوحدة الفكرة الشرعية والواقعية العقلانية. والمقصود بالشرعية هو سيادة مبدأ الثبات القانوني المستند إلى الدستور الثابت المؤسس على أولوية وجوهرية فكرة الحق والحرية الشاملة والمواطنة التامة. وهي شرعية لا يمكن تحقيقها دون الإقرار بفكرة الدنيوية باعتبارها رديف الشرعية ومن ثم جوهريتها بالنسبة للرؤية الحقوقية والمدنية، بمعنى تحويلها إلى الأسلوب الضروري لتشريع الدولة. أما الواقعية العقلانية، فإنها مجموع الصيغ والأساليب والرؤى التي تعارض نمط الأسلوب الراديكالي وتقر بفكرة التنوع والتغير والتبدل، والتحرر الدائم والشامل، والمساواة التامة على أسس القانون، واستحالة المقدس في الحياة السياسية ورفض شرعنة إية صيغة ممكنة أو محتملة له في إي من مجالات الحياة العامة (الوطنية).
* لماذا العراق متخم بالتاريخ السياسي أكثر منه بالتاريخ الفكري والثقافي؟
- إن مشكلة العراق تقوم ليس في تخمة التاريخ السياسي، بل بالعكس، أي في جوعه للتاريخ السياسي. انه متخم بالزمن السيئ. بعبارة أخرى، إن اغلب إشكاليات العراق الحالية تقوم في انه لم يستطع لحد الآن إرساء أسس التاريخ السياسي. من هنا سيادة الزمن. وهو الشيء الذي يمكن رؤيته في انتشار وترسخ تقاليد المؤقت في القانون والدستور وعلاقة السلطة بالمجتمع (كثرة الانقلابات) مع ما يترتب عليه من تبخر أو اضمحلال لتراكم التجارب. فالتاريخ هو تجارب مدركة، بمعنى أنها أجزاء من وعي الذات. ووعي الذات هو على الدوام عملية تاريخية متراكمة. من هنا لا يمكننا القول بوجود تخمة في التاريخ، ولكننا نستطيع الكلام عن تخمة في الزمن السياسي. وهي إحدى المعضلات والعقبات التي حالت وما زالت تحول دون تراكم الوعي الاجتماعي والسياسي العقلاني القادر على صنع تاريخي فعلي وحقيقي في مؤسسات الدولة والسلطة والمجتمع. وهو احد الأسباب القائمة وراء ضعف أو مجاعة التاريخ الفكري والثقافي.
طبعا أن لهذه الظاهرة جذورها الخاصة القائمة في كيفية ومستوى ونوعية مرور العراق الحديث بتجربة النهضة من جهة، وبكيفية خروجه من السلطة العثمانية وبناء الدولة الجديدة. فمن المعلوم إن العراق لم يعان من إشكاليات النهضة في ميدان الفكر والحياة السياسية. أو أنها لم تمس أعطافه إلا بصورة خفيفة. أما الانتقال السريع من عالم العثمانية المتهرئ إلى عالم الدولة الحديثة، فقد كان أشبه بانتقال سحري أبقى على كل تراثه الهائل تحت رماد الزمن والنسيان. وليس مصادفة ألا نعثر فيه منذ بداية القرن العشرين وحتى نهاياته على مصادر خاصة فيما يتعلق بالفكر بشكل عام والسياسي بشكل خاص. فقد كانت جميع النظريات والإيديولوجيات (القومية والاشتراكية والشيوعية) غريبة عن معاناته الخاصة. وهو واقع طبع مستوى إدراكه النظري في هذا المجال. وهو سبب سطوة السياسة و"الفكر" السياسي المعزول عن التاريخ الذاتي. من هنا تحول "الفكر" و"التفكر" إلى جزء من مهاترات السياسة (أو بصورة أدق الحزبية) مع ما ترتب عليه من ابتذال للفكر والثقافة. بحيث تحولت الأحزاب السياسية إلى حاضنة الثقافة والمثقفين!! مع أن تاريخ الحضارات والثقافات والأمم الناجحة (بما في ذلك تاريخ الإبداع التاريخي والعالمي العراقي السابق) كانت تسير بالعكس. بمعنى أن رجل الفكر هو الذي يمد الممارسة السياسية بآراء وأحكام وقيم ونظريات وفلسفات. المعادلة الضرورية لوجود الدولة والثقافة، والتاريخ والسياسة، والسياسة والفكر. وبدونها لا يمكن توقع شيئا أفضل مما هو موجود في ظروف العراق الحالية!!
* إلى أي مدى نستطيع أن نعول على دور المثقف في التغيير وفى رسم حياة وحضارة جديدة في العراق.
- يوجد فيما ذكرته أعلاه قدرا من الإجابة على هذا السؤال. بل يمكنني القول، بأنه يحتوي على الأقل من الناحية المنهجية الإجابة الدقيقة عليه. فالتجربة التاريخية للعراق وماساته الحالية تكشف عن القيمة المافوق تاريخية للمثقف في مواجهة الإشكاليات الكبرى التي يواجهها العراق. فهي تجربة برهنت وتبرهن على الفشل المريع لرجل السياسة العراقي، وعقم الأحزاب العراقية. والسبب يكمن في أنها أحزاب بلا ثقافة. وهذه بدورها نتاج وجود منظومة قائمة بذاتها للنخبة في العراق بحيث تصبح النخبة السياسية جزءا منها أو احد مكوناتها. أما حالما تكون النخبة سياسية فقط، وبلا ثقافة رفيعة، من هنا احد مصادر الخراب والانحطاط.إذ لا يمكن توقع نخبة سياسية جيدة بدون نخبة ثقافية جيدة. وذلك لان الفكر هو صانع وواضع أسس الوجود العقلاني للدولة والسلطة والمجتمع. وهي بديهية يبرهن تاريخ النخب السياسية في العراق على بطلانها!! والسبب بسيط ووجيه ويقوم في أن اغلبها لم يحصل حتى على تعليم جامعي. و"زعماء" الأحزاب في الأغلب أميين أو جهلة. إن تاريخ العراق بعد انقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 حتى الآن يكشف عن أن الأغلبية المطلقة من قياداته هي أما عسكرية أو حزبية مغامرة أو "كادحين" من اجل السلطة والمال. وهي ظاهرة أدت إلى خراب الثقافة والمثقفين. أما النتيجة فهي جلية للغاية ولا تحتاج إلى تعليق! لكنها
تطرح من جديد المهمة التاريخية للمثقف في العراق. وهي مهمة يمكنني بلورتها بعبارة "إن المثقف الحقيقي هو صانع المستقبل العراقي".فالمثقف الحقيقي هو العنصر الجوهري في تاريخ وعي الذات القومي والاجتماعي والسياسي والروحي. كما أن المثقف الحقيقي هو موقف اجتماعي دائم. وفي هذا يكمن مضمون وظيفته السياسية. فهو يؤثر فيها من خلال إبداعه الحر ومواقفه الاجتماعية. انه يصنع ويؤسس المضمون الاجتماعي للسياسة عبر وضعها الدائم على ميزان الحكم الأخلاقي والجمالي. ومن كل هذه الحصيلة تتشكل مأثرته الروحية أمام الدولة والأمة والثقافة. وفي هذا تكمن أيضا مخاطرته الحياتية. فهو القوة التي ترهب السلطة، كما انه السلطة التي ترهب القوة. وهي الدورة التي تصنع المثقف الحقيقي والثقافة الحية. بمعنى صنعها للمرجعية القائلة بضرورة البقاء ضمن الحيز الاجتماعي الملتهب في السياسة والابتعاد النسبي عن السلطة. وهي معادلة لا تعني بالنسبة للمثقف سوى الحفاظ الدائم على حريته التامة في معترك التأسيس الثقافي للإشكاليات التي تواجهها الدولة والأمة. إذ ليس هناك من قوة لا تعترف بالسلطة كالمثقف والثقافة، كما انه ليس هناك من سلطة أقوى من سلطة الثقافة والمثقف. وهي مفارقة تعيها السلطة دوما بينما يجهلها المثقف غالبا. وهي الثغرة التي تتغلغل منها السلطة الغاشمة وفيها تعبث أيضا السلطة الديمقراطية. وكلاهما يلتقيان من حيث النية والغاية. بينما تقوم النية المفترضة للمثقف في بلوغ تمثيل الحقيقة ومن خلالها تمثيل الحق. لا بمعنى وضع نفسه محل السلطة، بقدر ما يعني إجبار السلطة على تمثل حقيقة المصالح الجوهرية للمجتمع والدولة. وهي معادلة ممكنة التحقيق. وعليها يتوقف معيار الثقافة والمثقف. وفي ظروف العراق الحالية ينبغي للمثقف أن يكون المرجعية الكبرى والفعلية للمستقبل. إذ ليس هناك من قوة في ظروف العراق الحالية قادرة فعلا للنهوض به من خراب الماضي أكثر من المثقفين رغم كل الدمار والخراب الهائلين اللذين تعرضت له الثقافة والمثقفين. والقضية هنا ليست فقط في استعداد المثقفين التلقائي لقبول فكرة الحرية والاحتمال فحسب، بل وبسبب الترابط العضوي بين الرؤية العقلانية والنزعة الإنسانية القائمة في صلب فكرة الثقافة. إن مهمة المثقف العراقي اليوم تقوم في السباق مع رجل السياسة، الذي لم تتبلور شخصيته الاجتماعية والوطنية العراقية بعد. فقد شوهت المرحلة السابقة صورة رجل السياسة، وخربت المضمون الاجتماعي للسياسة، وقلبت فكرة النظام السياسي رأسا على عقب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلى أين سيقود ستارمر بريطانيا؟ | المسائية


.. غزة .. هل اجتمعت الظروف و-الضغوط- لوقف إطلاق النار؟ • فرانس




.. تركيا وسوريا.. مساعي التقارب| #التاسعة


.. الانتخابات الإيرانية.. تمديد موعد التصويت مرتين في جولة الإ




.. جهود التهدئة في غزة.. ترقب بشأن فرص التوصل لاتفاق | #غرفة_ال