الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النيو ليبرالية : سمات وسياسات متوحشة ثلاثة عشر عاما من الحصاد في الأردن

ابراهيم حجازين

2007 / 1 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


يرفض الأردنيون النظام الاقتصادي المسمى النيوليبرالية الاسم الملطف للرأسمالية المتوحشة التي خبره الشعب الأردني على جلده وفي معدته الخاوية ، ومن المتوقع أن تغدو أكثر خواء مع اتخاذ المزيد من الإجراءات " الليبرالية" الحكومية وإقرار موازنة العام المقبل .
وتعمل المراكز السياسية والأيديولوجية والإعلامية التابعة للاحتكارات الدولية لفرض هذا النظام الاقتصادي على العالم وخاصة الدول النامية والفقيرة لتعظم من هيمنتها الاقتصادية والسياسية ، وتقوم الدول الرأسمالية الكبرى باستخدام كافة الوسائل بما فيها العسكرية لتحقيق هذه الأهداف ،كما جرى في أفغانستان والعراق ولبنان وغيره من الدول .
وفي وعي الأردنيين يرتبط هذا النظام بمرحلة الإعداد وتوقيع اتفاقيات السلام في وادي عربة ، لما بدأ التبشير بأيام الخير التي ستهل على الأردنيين نتيجة السلام وتفرغ الحكومات من أعباء الحروب والمواجهة لبناء الاقتصاد وإدارته وتنمية الديمقراطية ولم ينس مروجي هذا الخطاب التلميح للمساعدات الأمريكية القادمة في حال سرنا في ركب السياسة الأمريكية.
وكان أول الغيث في هذه المرحلة حل مجلس النواب المنتخب عام 1989 قبل إنهاء مدته القانونية وفرض قانون انتخاب الصوت الواحد بصفة مؤقتة تمهيدا لعودة نفس الحكومة التي ستوقع على اتفاقيات وادي عربة مع العدو الإسرائيلي وبتفرغ الحكومة للبناء الاقتصادي بعد السلام كانت مأساة صفقة الحليب الفاسد عام 1993وفرض ضريبة المبيعات بدل ضريبة الاستهلاك كضريبة إحلالية كما بررت الحكومة هذه الضريبة التي تلتهم قدرات المواطن العادي الشرائية وتوحد بينه وبين من يملك 80% من ثروة الوطن بهدف التخفيض المستقبلي للضرائب المباشرة على أصحاب الدخول العالية ومؤسساتهم كما يجري الآن وترافق هذا مع إجراءات أمنية تم فيها التراجع عما حققته البلاد من انفراج سياسي إثر الانتخابات أنفة الذكر وحملة مركزة من الخداع والتظليل كتدشين لمرحلة الليبرالية القادمة . وهو ما يميز الليبراليين الجدد .
ظهرت الشخصيات التي تبنت أو سوغت أو طبقت النهج الليبرالي هكذا فجأة كالفطر بعد برق ورعود هزت المنطقة وشارك معظمها في كل الحكومات التي تشكلت منذ ذلك الحين ولم يخرج إلا لتسليم قصبة السباق لأخر للسير في مرحلة أكثر تقدما .ورغم الاختلاف في السمات والمصالح الشخصية لرؤساء هذه الحكومات ، إلا أنها سارت على نفس المنوال وطبقت السياسات الليبرالية الجديدة إما تدريجيا أو بالصدمات وكان من الملاحظ أن عمق التزام هذه الحكومة بالنهج الليبرالي يرتبط طرديا مع عداء سافر لقضايا الأمة والأمن القومي العربي واجماع على سد النوافذ أمام السير على طريق الإصلاح الديمقراطي أو حتى أقلها التنمية السياسية .
عنيت تلك الحكومات بتطبيق نهجها بالاقتصاد فتراجع المستوى المعيشي للقسم الأكبر من السكان بالإضافة لتآكل الدخل الحقيقي للمواطنين نتيجة الغلاء الذي استشرى وأصبح وباء لا فكاك منه إلى جانب نهجها السياسي الذي ادخل البلاد في دوامة من الأزمات لا تزال مستمرة وتعرض مستقبل الوطن للخطر .
فسياسيا جرى إقرار قانون الصوت الواحد واقل ما يقال عنه أنه بدعة حقيقية بامتياز في عالم الانتخابات ، الذي أدى إلى تراجع الطابع المدني للمجتمع الأردني إلى مرحلة ما قبل نشأة الدول ، فأعلى من شأن النزعات الجهوية والقبلية والعشائرية وأضعف إلى مستويات دنيا المجتمع المدني وأربك عناصره وأدخلهم في أزمة انتماء وطني وحضاري . كما تمت إعادة النظر بالعديد من القوانين مما أطفاء الأمل في التأسيس لحياة ديمقراطية مستقبلية ، ومن هذه القوانين قانون المطبوعات والنشر والاجتماعات العامة وقوانين أخرى كالعقوبات ومكافحة الإرهاب ، وازدياد التدخل الأمني في حياة المواطنين وتكثيف الحملات ضد حرية التعبير عن الرأي .ففي عام 1996 جرى قمع تجمع احتجاجي نظمته وشاركت فيه شخصيات وطنية عامة ضد العلاقات التطبيعية مع العدو الإسرائيلي ، كما تكررت الحملات أكثر من مرة ضد احتجاجات مدنية على سياسات الحكومة في مدن ومناطق أردنية وخاصة في مدينة الكرك ومدينة معان التي عانت ولا تزال أكثر من غيرها من المدن الأردنية من ويلات السياسات الأمنية الحكومية . وفي ذروة إحدى الحملات حذر بعض المسؤولون الحكوميون بان مصير معان سيكون مصير كل من تسول له نفسه معارضة سياسات الحكومة ، أي أن هذا المسؤول يعترف بما اقترفته الحكومة من أعمال مخالفة لحقوق الإنسان، وبدلا من تقديمه للمحاكمة كما درجت الليبرالية أن تعمل جرى نقاه إلى مكان أخر كاحتياطي لاستخدامه مرة أخرى . ومن المؤشرات الهامة أن هذا التصريح صدر عشية الغزو الأمريكي للعراق .
وفي نفس لسياق كان يجري حل المجالس النيابية ليس لأن هذه المجالس كانت غير مدجنة بل بالعكس لكن لأن الليبراليين الجدد لا يطيقون التمثيل الشعبي مهما هزل مستواه ، ففي المرة الأخيرة حل المجلس لفترة كانت كافية لفرض قوانين مؤقتة غير دستورية شكلا ومضمونا أدت إلى انقلاب تشريعي في الحياة السياسية والبرلمانية لفتر طويلة من الزمن .لكنها كانت إجراءات ضرورية لتعميق التوجهات الليبرالية وانفلات عقال قوى السوق العمياء وفرض مزيد من الضرائب غير المباشرة على المواطنين وتخفيضها على النشاطات الرأسمالية غير المنتجة كشركات التامين والبنوك وغيرها في ظل سعي حثيث لدى هذه النخبة الحاكمة لزيادة الضرائب على النشاط المنتج والذي يشغل أعداد من اليد العاملة .
إذا كان التراجع عن الحريات العامة وتشويه الحياة السياسية هي السمة الغالبة على النهج الليبرالي في السياسة ، فإن هذا النهج في الاقتصاد جعل الأردن أنموذجا حقيقيا للتحديث الليبرالي العجيب . فجرت الخصخصة على أصولها ، وتخلصت الدولة من المؤسسات الرابحة والتي بنيت من أموال وبسواعد الأردنيين طول سنوات سابقة ، وبيعت لشريك استراتيجي يحقق الأرباح الهائلة ، وهي من حق الشعب الأردني ويدفع هذا الشريك بدلا منها ضريبة سنوية بمقدار 25% تسعى أوساط النخب الليبرالية لتخفيضها إلى 20% . لا ندري أي عبقري تفتق ذهنه عن هكذا خطط تحت ذريعة أن الشريك الاستراتيجي سيعمل على التطوير التكنولوجي لتلك المؤسسات . بهذه الطريقة تقوم الحكومات الليبرالية ببيع ثروات الوطن بثمن بخس مقابل "المعلوم" يحققه البعض لزيادة أرصدته وإلا كيف نفسر إحصائية نشرتها إحدى الصحف الأردنية من أن 4% من السكان في الأردن يملكون 80% من الأرصدة في البنوك المحلية ، ولم تتطرق الإحصائية إلى الأرصدة في البنوك الأجنبية . وقس على هذه الإنجازات ارتفاع جنوني في أسعار المحروقات وبشكل غير مبرر مما أدى إلى رفع مستوى الأسعار لكل شيء تقريبا مع ظهور أنواع جديدة من البزنس الليبرالي لامتصاص كل ما يوجد في جيوب المواطنين . وهكذا تحول الفقر في الأردن من جيوب إلى ثياب يرفل بها الشعب . ومع ذلك ولمزيد من التظليل تطبل وسائل إعلامهم لبرامج مكافحة الفقر بدلا من مكافحة أسبابه التي باتت معروفة وتتطلب سياسة اقتصادية جديدة ديمقراطية تشجع كافة قطاعات الاقتصاد على العمل بينما يجري ضمن هذه السياسات التركيز على تشجيع فرع الاقتصاد الطفيلي . والنتيجة المحققة لها كانت عشرات الألوف الجديدة الذين ينظمون إلى صفوف العاطلين عن عمل ينظم إليهم المزيد بسبب سياسة إخراج غير المصنفين وأصحاب العقود ممن عملوا سنوات طوال في المؤسسات الحكومية ، ومن النتائج أيضا الفشل في استقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية إلى القطاعات التنموية وتصاعد الضرائب وتلاشي الطبقة الوسطى مع ما يترتب على ذلك من أخطار اجتماعية وسياسية على المستقبل بالإضافة انتشار الفساد في كل من القطاعين الخاص والعام مع تزايد الديون الخارجية . وهذا حصاد طبيعي لسياسة زرعت قصدا وعمدا ولم تكن نتيجة أخطاء هنا وهناك .
لتطبيق برامج الليبراليين لا بد من توفير ظروف وشروط ملائمة لذلك وهذه الظروف بدورها تنمى حسب الاحتياجات . من أهم الظروف اللازمة لتمرير هذا النهج تجاوز الدستور وتحويله إلى وثيقة شكلية غير فعالة والالتفاف على الديمقراطية بحيث تنعدم كليا مع الإبقاء على شكلية كالانتخابات على طريقة الصوت الواحد وإبقاء أحزاب ديكور للتظليل الإعلامي والعالمي وشعب مسلوب الإرادة كليا بفعل وسائل كالترهيب والتجويع والتظليل ، وإضعاف المؤسسات المدنية خاصة النقابات ووضعها تحت سيف الدمج أو الحل وإلغاء استقلال القضاء وتشويه الوعي السياسي وبعث العلاقات الاجتماعية التقليدية وتوطيد العلاقات الخارجية مع دول معادية للمصالح الوطنية والقومية والأهم تحديد مخرجات تعليمية تخدم هذا النهج سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا .
وتتميز سياسات الليبرالية الجديدة في الحكم بمجموعة من السمات أهمها عدم احترام الدستور والقضاء وإثارة قضايا تعكر صفو الوحدة الوطنية وإلهاء المواطنين بقصص بعيدة كليا عن المصالح الحقيقية للناس وتعكير صفو العلاقات الاجتماعية بالنعرات والعصبيات المتخلفة والترويج لها عبر وسائل مختلفة كل ذلك لإضعاف المجتمع المدني وتسفيه العقل من خلال برامج تعليمية مقصودة وجعل الحياة الجامعية تعكس التشوه الاجتماعي بدلا من بناء نموذج جامعي يعكس المستقبل المأمول للبلاد . ومن سمات الليبراليين الأخرى استعلاء واستغفال النخب لباقي المواطنين وتهميش القطاعات المنتجة وتعظيم اقتصاد الفهلوة والبزنس المريب . واستشراء الفساد ونشر الثقافة الاستهلاكية الخالية من المحتوى وإضعاف الوعي الوطني والقومي وتشويه صورة الإنسان العربي وطمس معالم شخصيته وإشاعة روح الهزيمة والاستهزاء بالمقاومة وإشاعة التفسخ الاجتماعي وإظهار الفكر العربية بمظهر العاجز أما أهم سمة فهي مزيدا من تضخم جيوب هذه الفئة تحديدا على حساب أغلبية المجتمع .
في ضوء هذا كله أصبحنا بحاجة إلى الدفع لنهوض حركة وطنية ديمقراطية ، وطنية للدفاع عن الوطن واستقلاله المهدد نتيجة سياسات التبعية العمياء للمركز الإمبريالي العالمي المهيمن واستجابتها لإملاءاته دون الأخذ بالاعتبار المصالح الوطنية والقومية وإلغاء كافة الاتفاقيات التي وقع عليها الأردن وتمس استقلاله وفي مقدمتها اتفاقيات وادي عربة المشؤومة . وديمقراطية لأن الأغلبية العظمى للشعب الأردني له مصالح تختلف جذريا عن مصالح هذه الفئة الغريبة . وبالتالي فإن الديمقراطية الحقيقية ستفرز قيادات جديدة للحكم ، كما أن الديمقراطية تعني أيضا تداول السلطة سلميا عبر انتخابات تشكل بعدها الأغلبية النيابية الحكومة . بهذه الطريقة يمكن مواجهة الليبرالية المتوحشة عالميا ومحليا . إن وحدة الديمقراطيين من التيار اليساري والقومي والتقدمي في إطار سياسي موحد هو عامل مهم للسير في هذا الاتجاه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال