الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعبوية خافيز وبدعته في الإشتراكية

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 1 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


نقلت وكالات الأنباء أن الرئيس الفنزويلي هوغو خافيز أدى اليمين الدستورية لولاية رئاسية جديدة من ست سنوات متعهداً بترسيخ «الاشتراكية على النمط الفنزويلي» عبر بناء «نظام اجتماعي اقتصادي وسياسي جديد» في البلاد. ولكن هذه الإشتراكية ليست إلا رأسمالية دولة ، لا تختلف كثيرا عن اشتراكية البعث الذي أطلق عليها " الإشتراكية العربية" . ولكن اشتراكية خافيز تتميز عن إشتراكية عفلق بأنها لن تؤدي إلى اندلاع حروب القادسية لأسباب واضحة منها أن أمريكا اللاتينية لم تمر تاريخيا في المسار الذي مرّ بها الشرق الأوسط من فتوحات وتراكمات أحقاد تاريخية وثارات قومية ، كما أن لها جغرافيا لا يمكن استخدامها ذرائع في الخلافات الدولية.
وقال خافيز أمام الجمعية الوطنية «أقسم على الدستور العظيم، وبالمسيح، الاشتراكي الأكبر في التاريخ، بأنني لن أدع يدي ولا روحي تستكين، وسأكرّس حياتي ولياليّ لبناء الاشتراكية الفنزويلية»، مردداً شعار المناضل ارنستو تشي غيفارا «الوطن، الاشتراكية أو الموت».
ومن المعروف أن المسيح لم يكن قط اشتراكيا ، ودعا العباد إلى اطاعة أسيادهم ، وأن يعطوا لله ما لله ويعطوا للقيصر ما للقيصر. والقيصر في عصرنا هو الرأسمالية . وهذا تأكيد على الرأسمالية هي الطريق في فنزويلا عكس قول خافيز . وكان البعثيون يصرحون دوما في سبعينات القرن الماضي إن اشتراكيتهم عربية وتختلف عن الإشتراكية العلمية والماركسية.

و إذا كان ماركس قد عاش إلى هذا اليوم ، لأصطف ربما إلى جانب جورج بوش و كل اللبراليين والمحافظين في العالم ليعلن أنه أيضا من المعادين لهوجو خافيز الذي كان أول ضحاياه السياسيين أحد قادة الطبقة العاملة التي اعتمد عليها ماركس لحفر قبر الرأسمالية ودفنها ، لبناء المجتمع الإشتراكي.
لقد كان ماركس يؤمن بدكتاتورية البروليتاريا لا دكتاتوية قادة قوميين يدعون بناء إشتراكية ليست سوى رأسمالية في الجوهر .
نعم ، كانت الضحية الأولى لحركة خافيز البوبوليستية " الشعبوية" أحد نشطاء هذه الطبقة العاملة التي أوقعتها ديماغوغية حكومة خافيز أنها ستحقق بعض أهدافها الإقتصادية والإجتماعية في ظل السلطة البوليفارية " المعادية للإمبريالية" .
فحين أعلن عمال مصانع النفط والغاز في فنزويلا الإعتصام احتجاجا على سياسة خافيز، وبعد الرد الذي تلقوه أدرك الماركسيون أن ما يسمى بحركة خافيز الثورية ، شئ آخر يختلف كليا عن الماركسية.
سائول لوزانو كونتلالااس القائد العمالي الفنزويلي أول ضحايا ثورة خافيز، إذ أتهم بالتواطئ في المحاولةالإنقلابية الفاشلة عام 2002 وحكم علية بالسجن 6 أعوام ، وتعرض بعد أثناء اعتقاله إلى اعتداءات واهانات من مؤيدي الرئيس المحبوب ، و بذلك استنتج الماركسيون على ألقل أن فصيلة دم خافيز تختلف عن فصيلة دم الماركسيين.
وإن خافيز يردد باستمرار اسم سيمون بوليفار بدلا من ماركس وانجلز ولينين في خطاباته وكلماته ، لعله يريد بذلك أن يقول للدنيا كلها إن دربه يفترق عن درب الشيوعية و الماركسية والإشتراكية العلمية ، وان له بالتالي تطلعات وأفكار مختلفة تطلعات الشيوعيين والماركسيين.
لقد باتت الشعبوية " البوبوليزم" التي هي على الأغلب فن ّ كسب السلطة والغلبة السياسية بديل الماركسية عند خافيز وحكومته وأنصاره، وأمست الفيصل بين أفكار خافيز وأنصاره وبين الماركسية ، مثلما كانت حدا بين مثقفين متطرفين في روسيا القرن التاسع عشر. فالتاريخ يكرر نفسه بعد أكثر من قرن ، إذ ثمة تشابه كبير
بين روسيا القرن التاسع عشر وفنزويلا القرن الحادي والعشرين.

كان النارودونيون في العقد السادس من القرن التاسع عشر يريدون لروسيا أن تصل مرحلة الإشتراكية مباشرة بدون المرور بالمرحلة الرأسمالية ، وبناء الإشتراكية على أسس الكومونات الريفية. و في العقد السابع من ذلك القرن ذهب الطلبة النارودنيون إلى الريف ليبذروا بذور الثورة، وبهذا أكدوا على الشعبوية.

وقد كانت الشعبوية في نهاية القرن التاسع عشر تشير إلى فكرة أن الثورة من عمل الجماهير العريضة ، لا أقلية مناضلة ثورية ، وقد كان الماركسيون يؤمنون غالبا بالعمل التنظيمي والحزب ، و أطلقوا تسمية الشعبوية على المختلفين معهم في هذا المجال من غير الماركسيين ، و أصبحت هذه الصفة بمرور الوقت تحمل شحنات سلبية " ، حد اعتبارها شتيمة ، حين يعنى بها أن ثمة من " يتصيد بالماء العكر".
وقد تجوز تسمية خافيز وأنصاره بنارودنيي القرن الحادي والعشرين ، لأنهم بالتحديد يسلكون نفس السلوك. وهناك فرق واحد يميز النارودونيين الجدد عن القدامى ، ألا هو الأسم وحسب. ولهذا يصح اطلاق مصطلح "النارودونيين الجد" على خافيز وأنصاره .
فإن كانت للماركسين منظومة أفكار عقائد يسلك التاريخ وفقا لها مسلكا قانونيا وموضوعيا خارج إرادة الذات ، فأن أراء وأفكار شافيز لم تعد تنطوي على تاريخ يتضمن سيرا جبريا، وقد بات بنفسه تاريخا. و بدلا من البحث عن قوانين الديالكتيك التاريخي ، والصراع الطبقي ، والأيدي الخفية للتاريخ ، يتحول هو بنفسه إلى المبدأ والمحرك التاريخي.
فبعد 3 عقود من سلطات عسكرية في امريكا اللاتينية قمعت أية معارضة ، وخاصة الشيوعيين ، وصلت أحزاب اليسار القومي إلى الحكم في عديد من بلدان أمريكا اللاتينية. ثلاثة عقود من فرض سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأجل تنمية الرأسمال العالمي على حساب مصالح المحرومين ، تحصل هذه الإنعطافة الحادة إلى اليسار . وكانت هذه الإنعطافة تعني فيما تعنيه أن الجماهير رسمت لا كبيرة في وجه السياسات الخارجية للإمبريالية الأمريكية والرأسمالية والدكتاتوريات العميلة. كما منحت هذه افنعطافة دفعة إلى الأمام للحركة العمالية في أمريكا اللاتينية.
كانت الجماهير في ظل الدكتاتوريات تعاني الحرمان والفقر وفوارق طبيقية فاحشة رغم الثروات الطبيعية العظيمة لبلدانهم. هؤلاء الفقراء أوصلوا هذه الأحزاب والشخصيات اليسارية إلى الحكم احتجاجا على الأوضاع المزرية التي كانوا يعيشونها.
وقد قامت هذه الأحزاب باصلاحات ضيقت من الفوارق الطبقية في اطار النظام الأراسمالي كانت لصالح المحرومين، لكنها لم تكن ولن تكونى حلولا جذرية و ات تهدف لخلق مجتمع اشتراكي خال من الفقر و الاجحاف والإستغلال الطبقي والإجتماعي.
إن الرئيس الفنزويلي يستخدم سلطاته للتخفيف عن كاهل الفقراء صعوبة الحياة المعيشية بتقديم الخدمات التعليمية ، والصحية المجانية ومجانية التعليم. لكنه يخلق طبقة قوية معادية للاصلاحات بتمليكها الدولة لكل رأسمال البلد بدون بديل اشتراكي علمي ، إذ يزيد من مصاعب الحياة لملاكي الأراضي والرأسماليين الذين يعملون ليلا ونهارا لاستعادة سلطاتهم المفقودة ، إذ بات المجتمع الفنزويلي ينقسم إلى قسمين ، يشكل قسما منهما ، ملاكو الأراضي، و النشطاء السياسيون والمثقفون و الطبقة المتوسطة، إذ يعتبر هذا القسم جبهة معارضة شافيز، و في الطرف المقابل يقف الفقراء والمثقفون والكادحون مع شافيز وحكومته أوفياء ومستعدين للتضحية لأجله وحكومته بالغالي والنفيس. وبهذا يتشوه الصراع الطبقي في فنزويلا ، وتفقد الطبقة العالملة أسسها الثورية و أهدافها في تحقيق الإشتراكية. الشعبوية لا تؤمن بالتنظيم ، بل بالجماهير المنفلتة و الحماسية التي يجب _ وفق الشعبوية_ أن تكون بعيدة عن الأحزاب و تنظيماتها. وإن الشعبوية تستلزم رابطة قوية بين الناس والحكومة، ويحب شافيز مثل هذه الظاهرة حبا شديدا. وهنا أيضا يفترق درب شافيز عن طريق الماركسية.التي تؤكد على أهمية التنظيم والحركة ضمن اطار المؤسسات المدنية ، ولهذا كان ماركس أحد مؤسسي الأممية الأولى و أحد أعضائها الأساسيين ، لأن التنظيم الوسيلة اللازمة للأحزاب الشيوعية في تحقيق أهداف الطبقة العاملة.

لعل شافيز ينتهج في السياسة الاقتصادية نماذج ماركسية من حيث الإدارة والقيادة ، لكنه لا شئ يربطه بالماركسية بسبب تطلعاته الإقتصادية الشعبوية. فالشعبوية الإقتصادية تعرقل النمو الإقتصادي وألإجتماعي أخيرا.
و هذا الموديل الاقتصادي الذي يتخذه خافيز سيينتج عنه التضخم ، وعجز في الدخل و مخاطر اقتصادية عديدة. و إن من ميزات الإقتصاد الشعبوي تجاهل التضخم و عجز الميزانية و المخاطرات الاقتصادية الأخرى طوال مسيرة النمو واعادة توزيع الأنتاج.
و إن كان شافيز باعتماده الكلي على واردات النفط لتغذية الاقتصاد، قد ينجو من عجز الميزانية، لكن شعبويته ، أوقعت اقتصاد فنزويلا منذ اليوم في خطر التضخم و العجز الاقتصادي . وفي هذه الظروف لا يمكن أن تكون اعادة التوزيع عادلة، ولا أن يزول الفقر والثروة ، أي القارق الطبقي في المجتمع.

إن سياسات خافيز الإقتصادية وحكومته الوطنية المعادية للإمبريالية ستكون بالتالي في خدمة الراسمالية، لا لأن أمريكا تستورد نسبة كبيرة من احتياجاتها النفطية من فنزويلا ، ولا لأن البضائع الأمريكية تنتشر في فنزويلا، فأن
الشعبوية الاقتصادية المتياسرة ، بأخذها فشل النماذج الاقتصادية لرأسمالية الدولة في العالم، و تحول النماذج اللبرالية الجديدة إلى غالبة ، وكذلك شدة عولمة الانتاجو سرعتها، تنتهي فقط في خدمة الرأسمالية.

إن احتجاج الطبقة المتوسطة والسياسيين و ملاكي الأراضي على سياسة خافيز ، وفي المستقبل القريب تعبئة الجماهير الخائبة من النماذج الشعبوية أرضية خصبة لكي يستخدمها المعارضون اليمينيون و الموالون لأمريكا والمحافظين في العالم في مواجهة حكومة خافيز ، وبالتالي اسقاطها واعادة السلطة إلى اليمين.

إن الاشتراكية - كما أكد ماركس- لا تتحقق على أساس رغبة الأفراد مثل خافيز ، أو بدافع عمل الخير ، بل يجب توفر ظروف تاريخية ضرورية لتحقيقها. و هذه الظروف تظهر فقط في مرحلة النظام الرأسمالي.
ومن كل ذلك استنتج أن اشتراكية خافيز لا تختلف شيئا عن اشتراكية عبد الناصر في مصر الذي لم يكن يؤمن بالصراع الطبقي ، بل السلام الطبقي ، أو اشتراكية حزب البعث الذي أكد مؤسسه أن أعداء الشعب العربي هم الشيوعيون . فخافيز أيضا شأنه شأن عفلق وعبد الناصر وأمثالهما ليس بماركسي ، ولا اشتراكي ، بل لا يتعدى كونه مؤسس بدعة تقترب من فرقة دراويش .
‏14‏/01‏/2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا: لماذا تتهم مارين لوبان الرئيس ماكرون بتنفيذ -انقلاب إ


.. إسرائيل تعاقب السلطة الفلسطينية: هدم منازل وضم مزيد من الأرا




.. تقدم ميداني روسي جديد في شرق أوكرانيا.. ما التفاصيل؟


.. من سيفوز بآخر بطاقتين لربع نهائي كأس أمم أوروبا؟




.. ماذا حصل بين محتجين والجيش التركي في شمال سوريا؟