الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-يحكى أن - 5

خالص عزمي

2007 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


على طريقة أفلام العيد
قال لي ؛ وكانت عيناه مغرورقتان بالدموع ؛ لقد شاهدت قوة من الاحتلال وهي تدخل ؛ الطرف الجنوبي من بغداد حيث ( الكرادة الشرقية داخل ) ؛ مع دروعها ودباباتها ؛ واسلحتها الثقيلة ؛ فتقتحم بعض المقاهي االشعبية ؛ وتداهم البيوت ؛ وتعتقل افرادا مدنيين مسالمين ؛ نساءا واطفالا وشيوخا ؛ وتضع يدها على المدخرات ؛ والممتلكات المنقولة ؛ ثم تغطي سماء المنطقة ؛ بزخات من الرصاص الفتاك ؛ وتخرج غير مبالية بما احدثته من قتل ورعب وتدمير فقانون الاحتلال يحميها من أية مسؤولية او عقاب . قلت له سأروي لك شيئا يتطابق تقريبا مع هذا الاسلوب...؛ وعند ئذ سوف لا تستغرب مما شاهدت ذلك ان مثل هذاالاقتحام المسلح نبع من موروثات الطباع ؛ وترسخ بالمقبول من العادات والتقاليد .

في سن المراهقة ؛ كنا عادة نتوجه ايام الاعياد الى دور السينما التي تتخصص في افلام رعاة البقر ؛ لما في تلك الافلام من حركة وحيوية ومعارك طاحنة ؛فنتسمر أمام الشاشة ؛ ونبقى مشدوهين بأجوائها ؛ وكانت اشهر دور السينما التي تعرض مثل هذه الافلام أيام العيد هي ( الرشيد ؛ والزوراء ؛وركس ) وكان ابطال الافلام الامريكية الذين نفضلهم على غيرهم هم ( ولاس بيري ؛ وألان لاد ؛ وكاري كوبر ؛ وسخاري سكوت ؛ وجون وين ) وذلك لقدرتهم السريعة في المداهمة وتحطيم الابواب ؛ وتكبيل اشخاص... مما كان يتلائم وحماس تلك السن المندفعة . كانت تلك الافلام جميعا تتفق والمضمون التالي : --

مدينة هادئة آمنة ؛ تقتحمها عصابة من الاشرارتمتطي الخيول ؛ فتطلق الرصاص وتروع السكان ؛ ثم تتقدم نحو سجن البوليس ؛ فتعتدي على الحراس ؛ وتفتح الابواب مشرعة للمجرمين ؛ بعدها تتوجه نحو الفندق الوحيد فترهب الحضور ؛ وتقلب الموائد وتكسر القناني ؛ وتكبل المقامرين وتطرحهم أرضا بعد ان تسلب كل نقودهم ؛ بعد ذلك يصعد افرادها البارزون وقد لعبت الخمرة برؤسهم ؛ الى الطابق العلوي ؛ حيث غرف الراقصات فينال كل واحد منهم مشتهاه جبرا . في الصباح تكون العصابة قد استولت على كل شيء ثمين ؛ ودمرت ما في المدينة من سجن و بنك وفندق وبار ومخازن وعربدت واغتصبت النساء ؛ قبل ان تتوجه الى جهة اخرى لتعيث فيها فسادا . فهل في هذا السيناريو ما هو مختلف عما شاهدت في العراق .


ما تصير آدمي

في منتصف الخمسينات ؛ كنا نلتقي في مقاه عدة ؛ ومنها مقهى خليل القيسي في شارع الرشيد ؛ في مقابل شارع المتنبي ؛ وكان من رواها عدد من الشعراء والادباء والمذيعين والصحفيين ؛ كشاكر الجاكري ؛ وحافظ القباني ؛ وصاحب الملائكة ؛ وعبد القادر رشيد الناصري ؛ وعبد المجيد الونداوي ... وغيرهم ؛ وبينما نحن نتحاور في مواضيع الساعة آنذاك ؛ دخل المقهى صديقي الشاعر المحامي عدنان فرهاد الذي عرف بعمق معرفته باللغة العربية وفقهها وآدابها ؛ وبقدرته المتميزة بحفظ الشعر قديمه وحديثه ؛ جلس الى جانبي و وقد بدا عليه التذمر والانزعاج ؛ فلما استجليت الامر منه اتضح لي ما يأتي : -

كان من عادة فرهاد الكريمة انه متى ما رأى خطأ بلاغيا او نحويا .... الخ في نتاج منشور عمد في الحال الى اعداد رسالة خاصة الى كاتبه ؛ يوضح له فيها الاخطاء التي وقع فيها باسلوب في غاية اللباقة والذوق ؛ دون اللجوء الى نشر ما كتبه الا ما ندر ؛ وكان يعتبر نفسه بتلك الطريقة المهذبة قد ادى واجبه الاخلاقي ؛ وكانت رسائل التقدير والشكر من أغلب اؤلئك الكتاب تصلهبشكل دائم عرفانا منهم بالفضل .
.
ولكن الذي اغاضه في ذلك اليوم ؛ هو ان احد الكتاب المعروفين ؛ لم يكتف بعدم اعارة سلسلة تصحيحاته التي اجهد نفسه في مراجعتها وتثبيتها مادة ولغة لاكثر من مرة او تقديم الشكر والامتنان ؛ بل قام ذلك الكاتب الخطاء ؛ بالاتصال بالاستاذ فرهاد والطلب اليه - بلغة جافة خالية من الذوق - التوقف تماما عن مراسلته وتصحيحاته ؛ وكان هذا التصرف الصبياني هو الذي اثاره واستفزه . قلت له سأروي لك حكاية قد تخفف من حنقك وأستيائك ...واستطيع ان أوجزها لك بما يأتي : -

في بداية العهد الملكي ؛ كان الحاج كاصد ؛الفلاح المعروف بجده في زراعته والمحب لقريته الفراتية التي لم يبرحها الا ما ندر ؛ عاكفا على تربية اولاده بكل ما تيسر له من جهد ومال ؛ وكان لولده الوحيد محمود ؛ حصة الاسد من كل تلك الرعاية والعناية ؛ فقد ارسله الى الملا اولا حيث تعلم مباديء الدين واللغة والحساب ؛ ومع ان اغلب الاباء في مثل تلك القرى كانوا يكتفون بهذه المرحلة الا ان الحاج كاصد اصر على اكمال ولده تعليمه مهما كلفه ذلك من ثمن ؛ ومع ان ادخال ابنه مراحل دراسية اعلى قد كلفه جهدا ومالا ووقتا ؛ الا انه استطاع بارادته ان يجتاز كل تلك الصعوبات بعزم متين ؛ الا ان ابنه لم يقدر لابيه ما بذل من تضحيات جسام ؛ اذ كان لاينفك من ابداء التذمر وبخاصة ما كان يظهره في كل مناسبة من خجله من مهنة والده ومظهره الخارجي ؛ أما الاب فكان كلما سمع من ابنه ذلك صراحة وعلنا ابدى تجلدا وصبرا ؛ ولكن ذلك الولد العاق تمادى في استهتاره وغيه واهانته لابيه امام الناس ؛ فما كان من الاب- وقد طفح به الكيل - الا ان رد عليه وأمام بعض فلاحي القرية قائلا : ( انت ابني ابدا ما تصير آدمي ) .

التحق محمود بالوظيفة العامة ؛ فترك اسرته ؛ وذهب ليعيش منفردا مبذرا راتبه على اصدقاء السوء ؛ دون ان يقدم اية مساعدة لاسرته رعته .وتمر السنوات ؛ ويتقدم محمود بمراكزه الوظيفية باساليب لم تكن الكفاءة واحدة منها حتى يصل الى وظيفة مدير ناحية ...؛ ويا له من منصب مرموق على تلك الايام .
وذات يوم أمر محمود مأمور مركز الشرطة بجلب الحاج كاصد مكبلا مخفورا وأن يسير به من امام مقهى الناحية أمعانا بالاهانة ؛ ففعل المأمور وشرطته ذلك ؛ فلما مثل ابوه امامه وهو في تلك الحالة المزرية : قال له امام كل الحاضرين : ( : هل تذكر : لقد قلت لي مرة - انت ابدا ما تصير آدمي ... وين صار كلامك ؛ فمثل ما تشوف .. آني اصبحت مدير ناحية ؛ وانت بعدك فلاح هلكان !!) نظر والده الى الجمهور والالم يعتصره ؛ وأجاب ( آني ما كلت انت ما تصير مدير ناحية او يمكن قيمقام ؛ كل اللي كلته انك ما تصير آدمي ؛ فلو انت آدمي صدك ما جلبت ابوك مخفور) .

سمع صديفي الاستاذ عدنان فرهاد هذه الحكاية ؛ او هذه العبرة ؛ فأبتسم اقائلا .....لقد ارحت ضميري ؛ فعلا ...ان ذلك الكاتب قد يصبح مشهورا ولكن لن يصير( آدميا ). قلت له وما عليك الا ان تستمر في تصحيح ما تراه من أخطاء و وبذات اسلوبك المهذب الذي تعودت عليه فهو أجدر بتسامحك ونبل هدفك .

ولات حين مندم

السيدة سلوى ؛ طبيبة لم يمض على تخرجها غير سنوات قليلة ؛ غادرت العراق شأن العشرات من امثالها ؛كانت تجلس تتحدث لنا عما رأته من حماقة احد الاداريين حينما صب جام غضبه على أحد مراجعي قسم الطواريء في احدى المستشفيات ؛ لمجرد أن سأله بكل أدب عن الجهة التي يتوجب عليه مراجعتها ؛ ؟!! وحينما ترك المراجع الادارة دون ان ينبس ببنت شفة ؛ خشي المسؤول من النظرات التي صوبها اليه ذلك المراجع ؛ فحاول اللحاق به للا عتذار الا ان جهده ذهب ادراج الرياح: وتقول الدكتورة سلوى ؛ انها لاحظت اضطراب ذلك المسؤول طيلة اليوم ؛ ثم تسآءلت : اذن علام ذلك التصرف الاحمق ابتداءا ....؟!

قلت للجمع : سأروي لكم حادثا مشابها عن فعل أحمق آخر وردة فعله المهين : في الاربعينات من القرن الماضي كنا في مدينة الكوت ؛ وقد سمعنا ان قاضيا تملكه الغضب من ساعي المحكمة فاستدعاه وشتمه ثم قام من مكتبه وصفعه بقوة أدت بالساعي الى السقوط ارضا غائبا عن الوعي ؛ امام هذه الحالة المفاجئة انهار القاضي لفعلته .... وأستنجد بالموظفين لمساعدته ثم ركع الى جانب الساعي محاولا ايقاظه ؛ بتقبيله والتوسل اليه ( عيني ... اخويه ...على بختك ... ما صار شي .. والله بس تكوم سأعطيك مكافأة ... يمعود ابو الغيرة .... لا تسويها صدك ... ) . مرت تلك الدقائق الحرجة على القاضي وكأنها دهر ؛ وجينما استيقظ الساعي وعاد الى رشده ؛ كان القاضي قد فقد كثيرا من كرامته واحترام الموظفين والمراجعين له ؛ لقد تناقل المجتمع هناك هذه الحادثة بكثير من ألازدراء . وقد جاء امر نقله الى مدينة أخرى انقاذا له .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يكون قانون -الحريديم- في إسرائيل سببا في إنهاء الحرب؟ | ا


.. فيليب عرقتنجي ولينا أبيض: رحلة في ذكريات الحرب وأحلام الطفول




.. مصر: مشروع قانون الأحوال الشخصية.. الكلمة الأخيرة للمؤسسات ا


.. هآرتس: استعداد إسرائيل لحرب مع حزب الله بالون أكاذيب




.. إسرائيل تؤكد على خيار المواجهة مع حزب الله وواشنطن ترى أن ال