الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من معارضة سورية؟!

بولات جان

2007 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


سؤالي هذا ليس جزماً ومعرفة إستشافية مسبقة للجواب بـ"نعم" أو "لا" وليست من باب الإستخفاف لحالة ما بحد ذاتها، أي بمفهوم" المعارضة" إينما ومتى كانت قائمة.

بعيداً عن النظرة- الإستشراقية- الدونية والنظرة- الشرقية- المضخمة سأعمل على طرح جملة من الأسئلة التي تثير مخيلة الكثيرين وتقض مضاجع الأخرين وتفرج أسارير زمر أخرى. من جملة هذه الأسئلة التي تعوز الإستقراء المتأنِ للموضوع من النواحي كافة وهي:

هل من معارضة حقة في سورية...؟

ما هو شكل هذه المعارضة- المفترضة...؟

هل لها برنامج أو برامج ستراتيجية محددة..؟

هل سورية تعوزها معارضة ما...؟

هل من مشروع لثقافة المعارضة في سورية...؟

من يعترض على من وعلام الإعتراض...؟ والعشرات من الأسئلة الأخرى.

ستكون نظرة شمولية وذاتية جداَ وغير دقيقة إذ ما شبهنا كل شعوب الشرق الأوسط ودولها وحكومتها ببعضها البعض... فبقدر ما هي متشابهة تكون مختلفة إلى أبعد مدى. ومن هذا المنطلق لن يكون صائباَ إذاَ قرأنا سورية بالنظر لملامح العراق ولن نعرف لبنان بتخيل سيماء سوريا ونفس الشيء ينطبق على تحليل سياسات وأشكال الحكم الخاصة وشرائح المعارضة في كل بلد.

قد يتشابه نظام الحكم في كل من سورية والعراق" السابق" ولكن المعارضة مختلفة لدرجة ما. فبينما كانت المعارضة الدينية في العراق متمثلة في أكثرية شيعية ضد أقلية سنية، تكون المعارضة، سنية ضد أقلية شيعية- علوية في سوريا. وبينما المعارضة القومية المتمثلة بالشعب الكردي ضد أضطهاد الأكثرية (العربوية) في العراق، تكون المعارضة القومية هزيلة، مهمشة ومنفية إلى أبعد الحدود في سوريا. وبينما المعارضة العراقية لها ثقلها الإجتماعي والعسكري، تكون المعارضة في سوريا طريحة السجون أو محكومة بالمنفى أو أسيرة شعارات وإملاءات قوات الأمن والمخابرات. أي أنها منفية تماماً... وفوق كل هذا علينا أخذ النظرة الخارجية، أقصد الدول الغربية وبالأخص إمبراطورية الإمبريالية(أمريكا) إلى كل من المعارضتين في العراق سابقاً وسوريا سابقاً وحالياً.

في سنوات السبعينات والثمانيات وحتى بدايات التسعينيات كانت سوريا تتبوء مكانة الريادة السياسية بين الدول العربية وخاصة القريبة من المعسكر السوفيتي. حيث كانت تمثل البديل العربي لمصر التي أدارت وجهتها صوب الغرب وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية. كانت المنظومة الشيوعية بقيادة روسيا تقدم الدعم العسكري والسياسي لسوريا. علاوة إلى إن سوريا كانت تنظر إلى نفسها كراعية للقضية الفلسطينية وولي أمر على(الأخ المارق) لبنان، مقابل كل ذلك كانت تحصل على الدعم المادي والعسكري والسياسي والدبلوماسي من الدول العربية وبالأخص الخليجية منها. هذه الأجواء والظروف كانت تقوي ساعد الحكومة السورية وتجعلها تتصرف بكل حرية وجبروت في الداخل دون أن يردعها رادع أو يمنعها صوت أو يعترضها عارض من قبل أي دولة أو قوة خارجية. بذا تفردت سوريا بالمعارضة الداخلية وأفنتها عن بكرة أبيها دون رحمة.

شاهدت سوريا فترة إنقلابات متتالية بُعيدة جلاء الجيوش الفرنسية عن أراضيها. استمرت حالة الفوضى السياسية العارمة حتى تبوء الأسد الأب للسلطة. تفرغ الأخير للقضاء التام على كل معارضة وإجهاض كل جنين أو بذرة قد تمهد الطريق أمام معارضة ما. بدء الأسد بأقرب المقربين إليه نفياً وسجناً أو إعداماً وبقي يقضي على كل صوت حتى قضى الله أجله، وتبعه وريثه الأسد الصغير، ولكن لسوء الحظ بأن زمن الأبناء ليس كما زمن الأباء، والظروف قد تغيرت كثيراً. حيث باتت كل الأوضاع والمؤشرات تسير عكس السياسة السورية القديمة، والحالية. بالإمكان تلخيص هذه الظروف المتغيرة والمستجدات التي طرأت على العالم والمنطقة والبلد، كالأتي:



1- إنهيار المنظومة السوفيتية وتحول العالم إلى قطب واحد بإمرة أمريكا. بهذا فقدت سوريا داعمها وراعيها وحليفها الكبير(الدب القطبي).

2- إفلاس الفكر القوموي والدولة الوطنية عامةً وتفسخ حلم الوطن العربي الواحد وإنتشار تيارات الليبرالية والديمقراطية في العالم العربي، أدى إلى تجرّد سوريا من أكثر لافتاتها البراقة التي كانت تتشدق بها بين العرب وتستخدمها كسيف (ديموقليس) المسلّط على رقاب المعارضة أو شبيهاتها.

3- دخلت القضية الفلسطينية مع بداية التسعينيات مرحلة جديدة على أسس الحوار والحل السلمي إثر إتفاقيات أوسلو وشرم الشيخ. دون أن تكون لسوريا أي مبادرة أو وجود فعال على الساحة الفلسطينية، وفقدت تأييد الشارع العربي عامة والسوري خاصةً.

4- فشل سوريا إستعادة الجولان، بعد أن نفذت كل السبل، العسكرية والسياسية والدبلوماسية. علاوة على تخليها عن لواء الإسكندرون وأنطاكية لتركيا، أسقطت بذلك كل أقنعتها وأظهرت وجهها الحقيقي الضامر، وموقفها الهزيل والضعيف و العاجز أمام الخارج والداخل.

5- تحولها من ولي أمر، إلى قوة محتلة، يُنظر إليها بحقد وحنق شديدين في لبنان، ما أفقدتها دعم الشارع اللبناني والعربي والأوروبي. بعد صدور قرار 1559 من قبل الأمم المتحدة القاضي بضرورة خروج كل القوات السورية من لبنان. و فقدانها لكل امتيازاتها السابقة.

6- بعد حادثة إغتيال رفيق الحريري وتوجيه أغلب اصابع الإتهام إلى سوريا، جعلت من الأخيرة في وضعِ محرج لا تحسد عليه. حيث عُزلت تماماً سياسياً ودبلوماسياً عن العالم الخارجي والمنطقة. وقد تسير مستجدات و ملابسات التحقيق الدولي إلى أوضاع أكثر حراجة و تتمخض عن عواقب وخيمة جداً.

7- مع التدخل الإمريكي في المنطقة بدأت رياح التغيير تدق أبواب سوريا بقبضتها الفولاذية مستغلة الحنق الشعبي –الصامت، وتشجعت ما يسمى بالمعارضة السورية، أو فتاتها، على تنظيم نفسها في الخارج والإستعداد للعلب دورٍ شبيهٍ بالدور الذي لعبته المعارضة العراقية، مستقبلاَ.

8- المعارضة الشعبية، ضعيفة، غير منظمة، لم تمتلك هيكلية ومعالم أو هوية ثقافية معينة بعد... لكن المستجدات التي حصلت في السنوات الأخيرة، من إنتشار الشبكة العنكبوتية وأنظمة المعلوماتية وقنوات التلفزة الفضائية ووسائل الإتصال العالمية بالأضافة إلى غزو قيم وثقافة ما وراء الحداثة(Post Modernizim). كل ذلك خلق تململ شعبي صامت ظاهرياً وغليان في الداخل والتطلع إلى الإنفتاح والتغيير والحرية والحداثة. ونبذت الجماهير للشعارات القومية البالية والإيديولوجية المفلسة والوطنية التعيسة التي رددتها الجموع عقوداً متتالية ضد إسرائيل التي بقيت وتقوت أكثر وأكثروقبل بها كل الانظمة العربية... وناضلت هذه الجموع جرياً وراء سراب إسمه الوطن العربي الواحد، فإذداد هذا الحلم وهذا الوطن تشرذماً وإبتعاداً أكثر وأكثر عن الوحدة... ولم يكسب الشعب سوى الحرمان، الحصار والأحكام العرفية الطارئة وطغيان المحسوبية والإضطهاد والسجون والتجويع والجهل وإلى ما هنالك... والحالة هذه، نرى بإن المعارضة، كما أسلفت في بداية مقالي، هزيلة، بعيدة عن إمتلاك أو الوصول إلى خلق طروحات لثقافة المعارضة. لكنها، اي الجماهير، سئمت من هذه السلطة و كل ما يمت بها من صلة رموزاً و زمر. و باتت لا تدعمها و لا تؤيدها عموماً و لا تؤمن بشعاراتها و خطابها السياسي ا لقديم و لا تأمل منها جديداً. أي أن السلطة خسرت كل اوراقها و لا يمكنها خداع الجماهير بتاتاً.



تصنيف المعارضة السورية



- المعارضة التكنوقراطية- البيروقراطية:

قُضي عليها عبر الإنقلابات العسكرية وما يسمى بـ(الحركة التصحيحية) وخلال إنفاذ رجالات الدولة المعارضين لحكم الأسد وعائلته. لم يفلت الضباط الكبار في الجيش ولا الوزارء أو القادة والساسة المعروفين وحتى أبناء عائلة الأسد أنفسهم أصبحوا ضحايا لسياسية التطهير الوحشية هذه.

- المعارضة الدينية- المذهبية:

يعد المذهب السني الأكثرية الساحقة في سوريا وقد مثّل معارضة فعالة وقوة كاسحة في الثمانينات بطليعة حركة الأخوان المسلمين. هذه الحركة كانت تعارض سلطة الأقلية العلوية أساساً وتهدف إلى بناء سلطة دينية- سنية. لكن هذه الحركة أفنت عن بكرة أبيها على يد الجيش السوري. وقضى أعضائها وقيادتها موتاً أومؤبداً في السجون أو قضوا محكومين بالمنفى. تمكنت السلطة من إحتواء الحركة الدينية عن طريق بعض رجال الدين المتعاملين مع السلطة. فهؤلاء، كانوا دائماً بمثابة مسمار الأمام للقنبلة المذهبية السنية ضد حكم العلويين. تطوير الطرائق الدينية، تبوء رجال الدين المعتدلين وبالأخص من الكرد للسلطات الدينية و قيام (حركة المرتضى) لأمثلة بارزة على السياسية التي نهجتها الحكومة. من الفائدة بالمكان الإشارة إلى أن الأقليات الدينية الأخرى كالمسيحية والدروزية والإزداهية بعيدة جداً عن لعب دور المعارضة أو المشاركة بها لأسباب نحن بالغنى عن ذكرها.

- المعارضة القومية:

من المعروف بإن سوريا كانت وما تزال لوحة لموزاييك الشعوب والإثنيات القومية والعرقية المختلفة: من عرب وكرد وتركمان وأرمن وأشوريين وأراميين .....الخ. يأتي الكرد في صدارة كبرى الأقليات القومية في سوريا بعد الاكثرية العربية. يقطن الكرد مناطق جغرافية معينة ولهم الكثير من الحركات والتيارات والأحزاب السياسية- القومية. ولكن الكرد وحتى اليوم الراهن لم يصلوا إلى درجة تؤوهلهم للعب دور معارضة حقيقة للسلطة الشوفينية، الناكرة للهوية والوجود الكردي جملةَ وتفصيلا. فعلى الرغم من وجود حنق وغضب وحقد شديد في نفوس أبناء الشعب الكردي على ممارسات السلطة الشوفينية ضد السوريين عامةَ والكرد خاصةَ؛ إلا أنها لم تنظم(إي المعارضة) ضمن بوتقة معارضة وطنية سورية ولا قومية، لأسباب عديدة؛ سآتي على ذكرها في الأسفل. لكن قبلها، أود التنويه إلى الخطأ الذي يقع في مطباته الكثيرين في تفسيرهم أو تشبيههم للكرد والحركات الكردية في سوريا بإخواتها في العراق.



بالإمكان سرد أسباب وعوامل ضمور المعارضة الكردية في سوريا كما يلي:



1- التشتت الإيديولوجي والعقائدي بين الكرد السوريين وأحزابهم المختلفة.

2- إنعدام ستراتيجية وطنية- قومية واضحة وموحدة بين كل التيارات الموجودة.

3- شدة ووحشية الممارسات الشوفينية ضد الكرد، من تهجير وتجهيل وتجويع. وهذا يؤدي إلى إنقطاعهم عن الوعي الوطني والفكري و انعدام البيئة المناسبة لتطور معارضة وطنية قوية بين الشعب الكردي المضطهد و المقموع.

4- أكثرية الأحزاب الكردية- المتناحرة- مرتبطة مع الأحزاب الكردية الكبيرة في أجزاء كردستان الأخرى، وبالأخص العراقية.

5- غالبية القياديين ورواد الحركة الكردية (الاوائل) في سوريا، كانوا قد قدموا من أجزاء أخرى، وكان همهم الأول هو النضال في أجزائهم وتسخير الإمكانيات والقدرات والكفاءات الموجودة بين الكرد السوريين لمصلحة أجزائهم دون إهتمام بالجزء الغربي(السوري).

6- هجرة العقول الواعية والشخصيات النشطة إلى الدول الغربية، أو الإنخراط في الأحزاب الكردستانية في كل من العراق وتركيا وإيران. وإستشهاد معظمهم أدى إلى إفتقار المجتمع الكردي السوري إلى الدماء الطازجة والعقول الفتية النيرة والمفعمة بالتقدمية والمثابرة على العمل والنضال.

7- أكثرية الأحزاب الكردية القادمة من الأجزاء الأخرى كانت لها علاقات متفاوتة الدرجة مع السلطة السورية؛ لذا كانت تعمل كل ما بوسعها لإسكات الكرد السوريين وغض نظرهم عن ممارسات النظام العنصرية.

8- تشبّه قيادات الحركة الكردية في سوريا بالسلطة؛ من حيث المَلَكِية في قيادتهم للحزب، تفضيل المصلحة الحزبية على الوطنية والمصلحة الشخصية على الحزبية. عدم الإستقلالية الفكرية والتنظيمية، كل ذلك أعاقتها عن الإستحواز على ثقافة واسعة وشاملة لمعارضة الشعب الكردي وإتحادها مع التيارات والأحزاب والشرائح الوطنية والديمقراطية الأخرى في سوريا.



- المعارضة الإيديولوجية والسياسية:

التحدث عن المعارضة الإيديولوجية أوالسياسية والحزبية في سوريا مسألة متشعبة وشائكة للغاية؛ حيث تتقاطع حقائق وأجندة وإفتراضات ونتائج عدة لا تبشّر بالأمل منها. قبل التطرق إلى هذه المعضلة الشائكة علينا طرح السؤال التالي: علام الإعتراض...؟ فهل هذه الأحزاب أو التيارات تعترض على شوفينية السلطة و لا ديمقرطيتها و إنغلاقها وتفردها بالسلطة...؟ أنا شخصياً لا أشاطر من يجيب بـ نعم على أسئلتي هذه...

فمثل هذه التيارات أو الأحزاب كانت تعمل، وماتزال، الحصول على حصة في الحكم، مهما كان شكل الحكم الهادف إليه. نلاحظ بإن من يسمي نفسه بالمعارضة لا يعترض على ممارسات السطلة الشوفينية العنصرية ضد الشعب الكردي. و برامج هذه الأحزاب خالية من أي شيء يتعلق بحل القضية الكردية أو حسبانهم ضمن دائرة البشر إلا ما ندر.

بعض هذه الأحزاب بعيدة عن الديمقراطية، من السطلة ذاتها! فقد رأينا جميعاً أمهات هذه الأحزاب، أقصد الأحزاب الكبيرة، كيف تفردت بالحكم في بلدان قريبة. على سبيل المثال الأحزاب الشيوعية، لا تؤمن مبدئياً أو عملياً بالتعددية الحزبية وتنظر إلى كل التيارات خارج الفلك الماركسي على أنها تيارات مارقة ومخطئة. عموماً الكثير من تيارات المعارضة السابقة تحولت إلى حكومات إستبدادية وأكثر عنجهية من سوالفها. مصر، الجزائر، إيران، ليبيا، العراق والعديد من البلدان الأخرى لخيرُ مثال على ذلك. ونعرف جميعاً ملابسات تحالف الحزب الشيوعي السوري مع حزب البعث الشوفيني ضمن ما يسمى بالجبهة الوطنية(التقدمية).



هل من مشروع ثقافي وطني للمعارضة السورية...؟



مع تقديري وإحترامي لكل الشخصيات الوطنية المناضلة في سبيل خير الوطن سوريا... لكن محاولات فتات المعارضة السورية بتنظيم نفسها في الخارج ومداهنة الغرب طلباَ لإناطة دور خاص بها في مشروع الشرق الأوسط الكبير إمتثالاً بالمعارضة العراقية، ما هو إلا حالة هزلية لمسرحية سيئة السيناريو ومفككة المشاهد.

فالمعارضة السورية وبحسب متابعاتي لنشاطاتها وبياناتها ومناشيرها، تبدو في حالة جنينية رخوة، تتحكم عليها حالة من البكائية الإستعطافية البرغماتية وحتى الإنتهازية. وهي غير مستعدة للتضحية بل تعدُ طفيلية تبحث عن المكسب السريع... وإنتظارهم لتدخلٍ خارجي من قبل إمريكا؛ لوصولهم السريع إلى المناصب مثال بارز على ما ذهبنا إليه من تحليل. قد نكون مجحفين بحقهم إن عاتبناهم على تخليهم عن الشعب السوري، فريسة بين براثن النظام؛ لما هو معروف عن الأخير من وحشية وتطرف وقسوة شيطانية لا ترحم. حوادث حماه، حريقة سينما عامودا، مجزرة قامشلي، اغتيالات لبنان والكثير من الحوادث الأخرى، شواهد وإدلة دامغة على عنجهية هذا النظام. لذا يكون من ضمن وظائف المعارضة هو تكوين بنية تحتية بين الجماهير الشعبية عن طريق تنمية ثقافة المعارضة الحقيقية إنطلاقاً من المصلحة الشعبية والوطنية قبل كل شيء. هذه الثقافة تتمحور في تنمية وعي الشعب عن( لماذا سيعارض ويصطدم مع هذا النظام؟). بالطبع، ليس من الأخلاق الحميدة بشيء، إستخدام الجماهير الشعبية وقوداً لحركة او ثورة معارضة هدفها الأساسِ إيصال شخصيات أو زمرة معينة إلى سدة الحكم. حينه ستكون النتيجة الحتمية تكرار نفس الرتم التقليدي من اللاديمقراطية والإنقلابات وكتم الأفواه ومصادرة الحريات والحرمان وتجويع الشعب.

أنا شخصياً لا أحبذ لجوء المعارضة لإستخدام السلاح والعنف ضد السلطة لإن هذا سيقوي من حجج السطلة لضرب كل القوى والجماهير المعارضة والتيارات الوليدة التقدمية وحتى الزمر الخطيرة ضمن السطلة نفسها. ولن تتوانى عن إرتكاب المجازر وزج الألوف في السجون وإجهاض كل بارقة للحرية والتقدم والسلام الإجتماعي في البلد.

نفس الشيء ينطبق على تأمل البعد لتدخلِ أمريكي لسوريا، على خلفيات المشروع الأمريكي (الشرق الأوسط الكبير). لأن الأخيرة منشغلة بالعراق، وإعادة تنظيم علاقاتها مع أوروبا وروسيا، وقد تكون إيران ضمن إولوياتها لتدخلِ عسكريٍ محتمل. فبحسب الكثير من السياسين والمحللين، يستبعدون تدخلاً عسكرياً أمريكاً لسوريا، بل يرجحون خيار العمل على جعل سوريا تستسلم وترضخ لإرادتها وتخرج عن كونها عقبة أمام مشاريع أمريكا والصهيونية في المنطقة. فحسب رأي هؤلاء المحللين، لو نفذت سوريا كل ذلك فإن السطلة ستنفذ بجلدها وتحافظ على عرشها. وأنا متأكد بإن الكثير من أرباب السطلة سيبقون بعيدين في هذه الحالة عن كراسي الحكم لأنهم غير محبذون من قِبل الامبراطوية الامريكية و الجماهير الشعبية ايضاً، و بالاخص(الحرس القديم) و الملطخين ايديهم بدماء الشعب و المعارضة.

فصيل آخر من المحللين والسياسيين، يؤكدون حتمية تدخلٍ عسكريٍ أمريكي لسوريا مباشرة، لإعادة تشكيل ورسم معالم سوريا الجديدة و إعادة تأهيلها لتكون ركن من أركان الشرق الأوسط (الأمريكي) الكبير!



بين كلى الرأين، أعود لأسأل: أين هي المعارضة من كل ذلك...؟

فإن سقطت هذه الحكومة بعد تدخل إمريكي، فهل المعارضة مهيئة لتحمل الأعباء الوطنية وبناء سوريا ديمقراطية...؟ هل لهذه المعارضة التي نتحدث عنها إرضية وخلفية فكرية وثقافية وإيديولوجية سياسية كي تساوي بين كل فئات الشعب السوري وأطيافه وإعادة الحقوق إلى الجماهير...؟

لنفترض بإن أمريكا ومعها حلفائها الغربيين رجحوا كفة إرغام سوريا على الإستسلام وقبول كل شروطها... حينها سيفسح المجال أمام بعض النشاطات الإجتماعية والسياسية والثقافية في البلد. فهل المعارضة- في الخارج- تمتلك آلية وبرنامج عملي للعمل الشعبي والقيام بنشاطات تقوي المجتمع وتطوره وتنمي وعيه الثقافي...؟ وهل المعارضة مستعدة للتضحية في سبيل الوصول إلى الأهداف النبيلة...؟



الخلاصة:

النظام السوري الحالي ورغم كل صفاته العنيفة وأفناء المعارضة أو دفعهم للإنتحار أو الفرار أو الإنزواء... ورغم كل شعاراتها الرنانة وخطابتها الطنانة، إلا إن كل الظروف العالمية والمحلية والداخلية تؤدي إلى نتيجة مفاضها: لا مفر من النظام البعثي وسلطته في سوريا من الإنهيار والتفسخ كما حصل للبعث العراقي.

ففي كلى الحالتين سيسقط النظام السوري الحالي عاجلاً أم أجلاً. ولكن إن حدث ذلك عبر تدخل إمريكي مباشر، فإن ذلك سيقصم ظهر المعارضة السورية أيضاً وتكون هدفاً لغضب الجماهير والغوغاء وزمر المقاومة التي قد تنبثق فيما بعد، لإنهم سيُصنفُون المعارضة ضمن خانة (القادمون على المدرعات الأمريكية). أما الخيار الثاني، أي الإستسلام للنظام العالمي وقبول كل شروطه، سيكون فرصة كبيرة أمام المعارضة الوليدة لإثبات كينونته وإظهار كفاءاته في الحراك السياسي والإجتماعي داخل البلد. وعن طريق نضالها ستتمكن المعارضة من إسقاط البقية المتبقية من زُمر ورموز السلطة الحالية دون هدر نقطة دم أو اللجوء إلى العنف. وخير من يلعب دور هذه المعارضة هي المعارضة الشعبية وخير وسيلة تعتصم بها المعارضة الشعبية وفئات المعارضة الأخرى في الكفاح هو العصيان المدني واللاعنف.

فكل طرق الإحتجاج والمقاطعة والعصيان المدني متاحة، دون أن تستفز الوحش الرابض في صدر النظام. عدم دفع الضرائب، مقاطعة الدوائر الرسمية، والمحاكم، الرد الوجداني المتمثل في رفض التجنيد الإجباري والخدمة العسكرية، رفع وتعليق اللافتات واللوحات المعبرة عن السلام الداخلي والديمقراطية وحقوق الإنسان وحق الرأي، فتح قنوات إذاعية غيرمرخصة لها، مقاطعة مسؤولي الدولة والموظفين والمتعاملين معهم إجتماعياَ. إرسال البرقيات والرسائل وباقات الورود إلى المعتقلين السياسيين، رفع عرائض للشكوى ضد القوانين والأنظمة والمؤسسات الجائرة بحق المواطن، الإضراب عن المدراس، الإضراب عن العمل في شركات ومصانع الدولة، نشر وتوزيع صور المفقودين والمسجونين والمُعدمين في الجرائد ومواقع الإنترنت والتلفاز والوكالات الإعلامية بالإضافة إلى مقاطعة التلفزيون والإذاعة السورية التي لا تعرف سوء التطبيل والتزمير للنظام وأزلامه.

وإن كنت قد تطرقت إلى سبل العصيان المدني والصراع اللاعنيف الموجب تتبعه في سوريا أود أن أتطرق إلى سبل الصراع الواجب القيام به من قبل الشعب الكردي في سوريا.

المقومات الثقافية والجغرفية والسياسية والقومية المغايرة للشعب الكردي في سوريا تقوي وتزيد من سبل العصيان المدني والعمليات السلمية. وقبل كل شيء يتوجب على كل التيارات والأطياف الكردية المختلفة في سوريا أن تتوحد تحت مظلة كونفدراسيون ديمقراطي وطني كردي في سوريا.

بعض اساليب العصيان المدني السلمي:



1- خلع كل اللافتات التي تحمل أسماءً غير كردية والمعرّبة(من قبل النظام بهدف طمث الهوية الكردية)... إعادة تسمية المدن والقرى والنواحي والشوارع والأماكن الأثرية والجغرافية بإسمائها الاصلية.

2- فتح دورات شعبية لتدريس الأدب و اللغة الكردية وتشجيع العرب على تعلم اللغة الكردية.

3- تحويل العيد الوطني" نوروز" إلى يوم لللحمة الوطنية بين كافة شرائح المجتمع السوري بكل فئاته والتاكيد على الوحدة الوطنية وبناء المجتمع الديمقراطي الحر.

4- نشر وتوزيع الكراسات والجرائد والمجلات والكتب والصور التي تنفع في توعية ونشر الثقافة الكردية بين المجتمع.

5- مقاطعة التلفزيون والإذاعة وكافة الوسائل الإعلام التابعة للسلطة.

6- نبذ ومقاطعة كل المنتسبين لحزب البعث وجهاز المخابرات والأمن والشرطة والمتطوعين في الجيش والمتعاملين مع السطلة والموظفين المرتشين والإنتهازين.

7- تنظيم حملة شاملة لطلب الجنسية لكل الكرد المحرومين منها وفي حال رُفض طلبهم هذا يلجؤن إلى الإنسحاب من الجنسية السورية نهائياً.كأعتراض أخلاقي على حرمان أخوانهم من الجنسية و حقوق المواطنة.

8- التحدث بالغة الكردية (فقط) في الاماكن العامة و مع المسؤولين.

ويوجد العشرات من الإساليب والسبل الأخرى وهي موضوع بحث مختلف ولكن من المفيد القول بأن خيرُ ما تفعله المعارضة الشعبية هو إستخدام العصيان المدني للتعبير عن ذاتها في سوريا.

أنهي مقالي هذا بصرخة رددها جمال الدين الافغاني قائلاً: " قوّضوا كل سلطة مطلقة..."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟