الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واليسار الفلسطيني

سلامة كيلة

2007 / 1 / 15
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية



لحظة المواجهة بين حركة فتح وحركة حماس باتت قائمة، والاغتيالات والاختطافات والاشتباكات مستمرة، رغم الحديث المكرور عن "حكومة الوحدة الوطنية" التي يجري التحاور حولها في ظل حملة من التخوين المتبادل والتحريض اليومي. و تبدو الدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة هي من قبيل الضغط على حركة حماس من أجل التكيف مع برنامج "السلطة" التي باتت في يدها (هذا البرنامج الذي صاغته قيادة حركة فتح حينما دخلت مغامرة إتفاقات أوسلو)، وبالتالي من أجل تقاسم السلطة التي بات الصراع منحصراً فيها.
لكن نتيجة توازن القوى، يسعى كل طرف لأن يخرج منتصراً، أو على الأقل هو الأقوى، في أي تحالف ممكن. الأمر الذي يجعل الأمور تندفع نحو الاقتتال أكثر منها نحو التفاهم. وهذا أمر طبيعي بين قوى لكل منها حساباته ومصالحه. لهذا يظل خطر الحرب الأهلية قائماً وحقيقياً، خصوصاً وأن لا قوة توازن بين الطرفين، أو تستطيع "الحجز" بينهما، أو تدفع الشعب إلى الشارع لكي يمنع المهزلة/المجزرة.
لقد كان اليسار هو الطرف المقابل لحركة فتح، خصوصاً في الأرض المحتلة، حينما كانت حركة حماس ( التي كانت تسمى حينما ذاك جماعة الإخوان المسلمين) تخوض حربها ضد الإلحاد، الذي كان يُقصد به اليسار، بالتنسيق مع الاحتلال، وبالتفاهم مع الدولة الأميركية والنظم الرجعية العربية (المملكة السعودية خصوصاً). ورغم مشاركتها في الانتفاضة الأولى، فلم تتحوّل الحركة إلى قوة موازنة إلا حينما بدأ اليسار في التراجع والانهيار. حيث بدأت تستحوذ على قاعدته التي هي في مواجهة عميقة مع الدولة الصهيونية، وكانت تتذمر من التراجعات السياسية التي كان يجريها ذاك اليسار. وحيث كانت حركة حماس قد تحولت إلى مقاومة وقد صعّدت من خطابها الصدامي، وأعلنت رفضها الحلول المرحلية، وتمسكها بكل فلسطين، وبالمقاومة طريقاً.
هذا الانقلاب في الخطاب فرض تغيّر موازين القوى إذن. وكان اليسار هو الخاسر الأعظم. حيث استحوذت حركة حماس على قاعدته، كما استمرت حركة فتح قوة كونها هي السلطة. لهذا بات هامشياً في الصراع الراهن، بين حركتي فتح وحماس. وبالتالي عاجزاً عن أن يلعب دوراً في كبح جماح الانفجار، ولجم احتمالات الحرب الأهلية. وفي وضع بات يبدو أن هذا الصراع الجارف هو بين برنامجين، أحدهما "استسلامي" تمثله حركة فتح، والآخر "ثوري" تطرحه حركة حماس.
لقد إنجرف اليسار في المسار الذي ابتدعته قيادة حركة فتح. إنجرف بالتدريج، لكنه وقف في النهاية على أرضية برنامج تلك القيادة. وحينما وصلت الأمور إلى نهايتها المنطقية في اتفاقات أوسلو، تردد بعضه، وارتبك البعض الآخر، دون أن يكتشف أن خطأه الأول كان السير في هذا الطريق. لهذا ظل يكرر البرنامج ذاته الذي أوصل إلى مأساة أوسلو، ويعيد النغمة ذاتها التي رفضها الشعب. حتى نتائج الانتخابات الأخيرة لم تجعله يخرج باستنتاج مفيد. ولم تجعله يتشكك في السياسات التي إتبعها منذ ثلاثة عقود. لهذا ظل يكررها. ولازال مصمماً على تكرارها، لكأنه لم يحفظ غيرها. ولم يعد قادراً على حفظ غيرها. فهو لا ينظر إلى الواقع ولا يستطيع ذلك.
لقد كان حزب الشعب الفلسطيني (الحزب الشيوعي سابقاً) فرحاً للسياسات التي كانت المقاومة الفلسطينية قد بدأت في الانخراط فيها، منذ برنامج النقاط العشر سنة 1974. فقد إعتبر أن المقاومة التي بدأت في تناقض مع سياساته لأنها دعت إلى تحرير فلسطين عبر المقاومة المسلحة، قد "عادت إلى رشدها". كما إكتشف أن توجهات الحزب و"نضاله" السلمي مطلقا الصحة. وأن الاعتراف بـ "دولة إسرائيل" والتعايش معها سياسة "حكيمة"، و"لقد أثبت التاريخ صحتها". لهذا أخذ يتقارب مع قيادة حركة فتح، وأصبح حليفها في السلطة، من خلال المشاركة في كل الوزارات التي كانت تشكلها. وهو لازال يفخر بأن سياساته كانت صائبة، رغم كل الانهيارات التي شهدها الوضع الفلسطيني، ورغم توضّح فشل تلك السياسات لأنها ليس لم تفضِ إلى شيء بل قدمت الغطاء للسياسة الصهيونية التي كانت تستولي على الأرض بتسارع طيلة فترة أوسلو ونشوء السلطة، في ظل وضع دولي مناسب وفّرته تلك الاتفاقات. ورغم النسبة الضئيلة التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية، والتي ربما تختصر تاريخه كله. حيث حصل على مقعد واحد (في إطار تحالف مع أطراف ثلاثة) في منطقة كانت له قوة فيها.
والجبهة الديمقراطية كانت أول من جرى استخدامه كـ "مدحلة" لتمرير "البرنامج المرحلي". حيث اعتبرت أنها صاحب "براءة الاختراع" لسياسة "ثورية" و "عقلانية" و"واقعية" سوف تؤدي إلى قيام الدولة المستقلة. وظلت في تحالف وثيق مع قيادة حركة فتح إلى حين توقيع اتفاقات أوسلو، دون أن تقطع تلك العلاقة رغم فعل قيادة فتح في انشقاقها واستقطاب المنشقين، وتحويلهم إلى "كادر فتحاوي". ولقد ظلت تدافع عن "البرنامج المرحلي" وعن هدف الدولة المستقلة عبر التفاوض . ولم تفكر في التشكيك في اختراعها ذاك رغم كل ما جرى، ورغم هامشيتها التي ظهرت، كما حزب الشعب، في الانتخابات الأخيرة، حيث حصلت على مقعد واحد كذلك. وبهذا فقد كانت تعزز من رصيد حركة فتح دون أن تخدمها السياسة الجديدة التي اعتبرت أنها من صنعها.
أما الجبهة الشعبية فقد كانت تعارض كل تلك السياسات، لكنها كانت توافق بعد إذ على الذي رفضته، لتصل إلى تبني "البرنامج المرحلي"، ولتدافع باستماتة عن شعار الدولة المستقلة. وإذا كانت قد رفضت اتفاقات أوسلو ولم تدخل في تركيب السلطة، وأشارت إلى أنها تنشط كمعارضة، إلا أن شعاراتها لم تميزها عن الآخرين. لقد كانت قوتها توازي قوة حركة فتح داخل الأرض المحتلة. وكان تنظيمها هناك متماسكاً ويرى أخطار "البرنامج المرحلي"، لهذا كان يشدد على ما هو إستراتيجي. ويحاول شد الجبهة كلها إلى ذلك. لكنه تضعضع نتيجة السياسات المركزية، خصوصاً بعد "العودة إلى الأرض المحتلة" من قبل عدد كبير من كادراتها. ورغم بقاء تميّز الجبهة، إلا أنها فشلت في أن تحافظ على قوتها، وأن تزيد من زخمها. وأصبحت المدافع عن شعار الدولة المستقلة الذي كان يبدو لقطاعات الشعب أنه وهم. خصوصاً وأن الشعب هو الذي كان يتلمس السياسات العملية للدولة الصهيونية، حيث أن أرضه هي التي كانت تصادر، وهو الذي كان يعاني العذاب من الحواجز العسكرية، ومن بشاعة البربرية الصهيونية. ولهذا أصبحت كتلة الجبهة الكبيرة في الأرض المحتلة خارج الجبهة بعد أن تراجع دورها المقاوم، وظلت تكرر ما ثبت فشله وأصبح مرفوضاً من قبل الشعب الفلسطيني.
وضع اليسار هذا، كما أشرنا وفي حينها، هو الذي جعل الشعب الفلسطيني ينتخب حركة حماس بديلاً لسلطة فتح. متجاهلاً تاريخها، وميولها الأصولية. حيث أن الشعب يلمس خطيئة "البرنامج المرحلي"، ويتحسس ما هو جوهري في السياسة الصهيونية. وبالتالي وصل إلى قناعة أن شعار الدولة المستقلة وهم. كيف إذن سوف يدعم اليسار؟ وكيف يمكن للشباب المفقر والعاطل عن العمل والمقهور أن ينخرط في يسار كهذا؟
ولابدّ من أن نشير إلى أن مشاركة هذا اليسار في الانتفاضة الثانية كانت هامشية. فقد بدأتها حركة فتح لأغراض الضغط السياسي على الدولة الصهيونية، وهيمنت عليها حركة حماس بفعل النشاط الانتحاري الذي برعت به. وإذا كانت الانتفاضة قد تحولت إلى "عمل عسكري"، فلم يفلح اليسار سوى في بعض العمليات العسكرية. ولم يستطع أن يقدّم إجابة على كيفية قيادة الانتفاضة في ظل وجود السلطة، ولا في كيفية حل مشكلات الشعب الناتجة عن ظروف الانتفاضة. وظل يحصر هدفها في : الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. أي ظل ينشط على أرضية برنامج السلطة وقيادة حركة فتح، وفي حدود مصالحها.
بالتالي كان من الطبيعي أن تتحوّل حركة حماس إلى قوة موازية لحركة فتح، وأن تحظى بشعبية أعطتها في الانتخابات البرلمانية أكثر مما كانت تتوقع. حيث أنها مثلت في وعي الشعب البديل للسلطة من حيث البرنامج و"نظافة اليد". رغم أنها لن تحافظ على هذه الصورة، نتيجة أولوياتها (التي هي ذات طابع ديني: أي أسلمة المجتمع) ومصالح الفئات التي تمثلها قيادتها (في الغالب من التجار)، وعلاقاتها مع النظم الأكثر رجعية (السعودية ودول الخليج). وبراغماتيتها التي تسمح لها القبول بما كانت ترفضه. ولقد أشار رئيسها خالد مشعل إلى القبول بحدود سنة 1967، والاعتراف بإسرائيل.
هذا الأمر يفرض أن يتبلور يسار جديد. من المناضلين في التنظيمات القائمة المعنيين بيسار جدّي، كما من الشباب الذي يسعى لأن يلعب دوراً ثورياً على أساس مشروع يساري بديل. لكن يفرض أن تتبلور رؤية جديدة تتجاوز كل السياسة التي أضاعت النضال الفلسطيني وقادته إلى مستنقع التدمير الذاتي. وأتاحت للدولة الصهيونية كل الوقت لكي تكمل مشروعها بهدوء ودون ضغوط مربكة. أقصد سياسة "البرنامج المرحلي"، و"الحل المرحلي". سياسة التفاوض و"السلام" والتعايش، والمطالبة بالممكن انطلاقاً من ميزان القوى القائم.
هذا ما يجب أن يُعمل عليه الآن دون تأخير أو تردد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يدعو إلى «تحالف كبير» في مواجهة اليمين المتطرف


.. الألعاب النارية سلاح المتظاهرين في فرنسا




.. الانتخابات البرلمانية الفرنسية.. اليمين المتطرف يقترب أكثر م


.. اشتباكات بين متظاهرين والشرطة الإسرائيلية بالقدس للمطالبة با




.. وجه فرنسا يتغير.. اليمين المتطرف يتصدر الانتخابات البرلمانية