الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلفيات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط

بدر الدين شنن

2007 / 1 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


الخطأ السياسي اللافت ، الذي يقع فيه عدد كبير من السياسيين والإعلاميين العرب ، لدى تحليل خلفيات السياسة الأمريكية العدوانية والداعمة للكيان الصهيوني إزاء البلدان العربية ، هو ربط هذه السياسة بالمطلق بدور اللوبي الصهيوني في صناعة القرار الأميركي ، أو بهيمنة المحافظين الجدد على البيت الأبيض ، أو بكليهما معاً ، وهذا ما يسهم إلى حد كبير بالتغطية ، بقصد أو بدون قصد ، على صناع القرار السياسي الأميركي الحقيقيين ، على الاحتكارات الأمريكية في مجمع صناعة التسلح وفي مجموعة الشركات الاحتكارية البترولية العملاقة ، وامتدادات هذه الاحتكارات في وزارة الدفاع " البنتاغون " ، ووزارة الخارجية ، والمؤسسات الإعلامية ، ومجموعات العلاقات العامة ، التي تشكل مع مثيلاتها ، ولو كانت أقل شأناً ، في بلدان أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا ، مصدر الخطر المتوحش الدائم على السلم العالمي وعلى حق الشعوب في تقرير نمط معيشتها ومستقبلها ، والتي لضمان ا ستمرارها في إنتاج وتطوير الأسلحة بأنواعها المتعددة الإجرامية التدمير ، ولاستدامة تدفق الأرباح الهائلة إلى ماليكيها ، الذين هم أشد لؤماً وتوحشاً في بنية النظام الدولي الراهن ، لابد لها من افتعال وا ستثمار الحروب المحلية والإقليمية ، وكذلك الأمر بالنسبة للإحتكارات البترولية ، التي هي بأمس الحاجة إلى ازدهار ا ستثماراتها وتوسيعها وتسويقها ، وهذا لايتحقق إلاّ بإضعاف الشعوب صاحبة الحق بهذه الصناعة وبعوائدها ، من خلال تمزيقها بالفتن والحروب الأهلية ، وتسليط الأنظمة الديكتاتورية والمفوتة عليها

وتشير الدراسات العلمية في هذا المضمار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تصدر سنوياً 31,9 % من صادرات الأسلحة في العالم ، وتشكل حصتها مع كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا 50 % من هذه الصادرات ، وتحقق معاً أرباحاً سنوية تقدر بأكثر من ( 1000 ) مليار دولار . ولايغيبن عن الذاكرة الاقتصادية ، أن الشركات البترولية الاحتكارية وحكوماتها ، قد نهبت على شاكلة أرباح وعوائد بترولية أخرى ، ما يقدر بآلاف المليارات من الدولارات من شعوب المنطقة منذ الأربعينيات حتى الآن

إن ارتباط صناعة التسلح بالصناعة البترولية كحلقتين متكاملتين في بنية الاقتصاد الأميركي خاصة والإمبريالية العالمية عامة ، يرتكز على ا ستخدام القوة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط ، وإخضاعه للهيمنة النوعية الأمريكية في سلم أولوية الهيمنة على العالم . بمعنى أن المصالح الاستعمارية ، هي التي تدفع بالسياسات الأمريكية تجاه البلدان العربية ، ويأتي دور اللوبي الصهيوني والتعاون الأمريكي الإسرائيلي ، أو عقلية المحافظين الجدد لتسعير هذه السياسات وزيادة آلامها نسبياً على شعوب المنطقة ، ولاحاجة للإسهاب في التذكير بتاريخ الصراع العربي الأمريكي منذ قيام إ سرائيل وحلف بغداد ومبدأ أيزنهاور منذ أواسط الخمسينيات حتى الآن ، أي أن هذه السياسات ليست طارئة ولامؤقتة أو قد تزول بزوال نفوذ اللوبي الصهيوني أو إبعاد المحافظين الجدد عن البيت الأبيض

وتأسيساً على ذلك ، إن ما قدمه بوش في الأيام الماضية ، تحت عنوان ا ستراتيجية أميركا الجديدة في العراق ، ليس بجديد من الناحية الاستراتيجية ، بل هو إمعان في ا ستراتيجية احتلالية مقررة سابقة .. ومؤشر حمال مخاطر دموية جديدة على أمن وا ستقرار الشرق الأوسط . وإذا ما ترجمت المبررات التي قدمها بوش لطرح هذه " التعديلات الاستراتيجية " في العراق ، باللغة السياسية الفصحى ، فإن أخشى ما يخشاه بوش هو فشل مشروعه الاستعماري في العراق وأن يجر معه الفشل للمشروع الأمريكي العالمي .. ما سيفضي حكماً إلى ا سقاط الدور الإمبراطوري .. دور الدولة العظمى للولايات المتحدة وخسارتها مكانة وامتيازات القطب الدولي الأوحد ، الأمر الذي يفتح في المجال لإنتقال الوضع الدولي إلى القطبية المتعددة .. إلى مجهول لاأحد قادر في اللحظة الراهنة أن يحدد حجم انعكاساته على الحالة الأمريكية

وا ستطراداً ، هذا ما يفسر إلى حد ليس بقليل ، إثارة المندوب الروسي في مجلس الأمن ، المفاجئة لأميركا ، مسألة التوسع في تحقيقات لجنة التحقيق الدولية في اغتيال " الحريري " مع دول عشر لم تتعاون بعد في مسار التحقيق ، موحياً بخروج روسيا من الأقواس الأمريكية المتعلقة بموضوع الحريري ، ومن ثم ذهول أميركا من ا ستخدام الصين وروسيا معاً حق النقض " الفيتو " لإسقاط مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن متعلق بإصلاحات سياسية في دولة آسيوية صغيرة ، وذلك بعد تقرير لجنة بيكر - هاميلتون ، الذي شهد بتخبط وعجز المشروع الأمريكي البوشي في العراق ، وبعيد اعتراف بوش با ستحالة متابعة مشروعه المذكور دون " تعديلات في الاستراتيجيا الأمريكية " في العراق ، المحكومة بملاحق تعديلية أخرى سيفرضها القتال الدائر في العراق تحت عناوين متعددة ، الأمر الذي يشي أن روسيا والصين على ا ستعداد ، اليوم أو غداً ، لكسر احتكار أميركا للقطبية الدولية ، ويطرح جدياً مسألة إعادة اقتسام النفوذ والمصالح

بكلام آخر ، إن مانراه الآن من تطورات دراماتيكية بالنسبة للنفوذ الأمريكي في مواقع متعددة في الشرق الأوسط ، أهمها في العراق ومن ثم في لبنان وفلسطين ، ومن جهة أخرى عدم القدرة على وقف التقدم الحثيث لإيران لإمتلاك التكنولوجيا النووية ، ما قد يؤدي إلى حريق يشمل المنطقة برمتها ، سوف يدفع بوش إلى ممارسة ردود أفعال أكثر شراسة من قبل . لأنه يدرك أن أي تراجع عن مشروعه الإمبراطوري ، وأي إعادة لإقتسام النفوذ والمصالح دولياً ، سوف يلحق بالاقتصاد الأمريكي القائم على الاحتكارات العابرة للحدود الدولية وعلى سوق السلاح وسوق البترول وببنية المجتمع الأمريكي الكثير من الأضرار والأزمات الخطيرة . أي أنه لن يتنازل عن برميل بترول واحد ، أو عن مربع نفوذ واحد لتسويق سلاحه وسلعه وتأمين مصادر مواد أولية رخيصة في آخر مكان في العالم ببساطة ودون مقاومة .. دون حرب ودم . إن سقوط إمبراطورية بوزن أميركا لن يكون بالسلاسة التي يتوهمها البعض ، بل سيدفع العالم ثمناً اقتصادياً وسياسياً ودموياً باهظاً . وسيقع معظم عبء هذا السقوط ، الذي قد يستغرق عدداً من السنين ، على البلدان الضعيفة والصغيرة ، وخاصة في الشرق الأوسط .. الأغنى بالبترول .. والأكثر إنفاقاً على التسلح .. والأسهل ا ستباحة .. والأشد توتراً في العالم

وعلى ذلك ، فإن التعاطي مع المشروع الأمريكي - الصهيوني المدمر ، الطويل المدى والثقيل العبء ، في العراق وفي الشرق الوسط عامة ، ومع انعكاساته وا ستحقاقاته ومفاعيله ، بعقلية " النظام أولاً " .. وبأساليب الرهان على الزمن ، وعلى تغيير الواجهات والقيادات الدولية ، وعلى تشديد القبضة الأمنية والإعتقالات النوعية، وإقصاء الآخر ، لـم ، ولن يجدي نفعا.. إذ أن مواجهة مثل هذه المشاريع الدولية الرهيبة ، هي مواجهة مصيرية وجودية للشعوب والبلدان المستهدفة ، قبل أن تكون مجرد " ممانعة " شرطية لتحسين وضع تفاوضي عندما تحين مرحلة عقد صفقات عابرة ، غير مضمونة الإستدامة ، وهي تحتاج إلى قوى وقدرات الشعب كلـه .. بكل ما يعني ذلك من قدرات عسكرية وشعبية واقتصادية وسياسية . بعبارة موجزة ، إنها تتطلب القطع مع تلك الرهانات الخطيرة المغامرة المضرة بمصالح الوطن العليا ، والتسليم بضرورة التغيير الد ستوري الديمقراطي الجذري وانتهاج سياسات وطنية ديمقراطية مسؤولة جامعة ، تعتمد ا سترتيجيات علمية تبنى على الفهم العلمي لماهية وبنية أعداء البلاد ، وتتناسب وخطورة الاستحقاقات الإقليمية والدولية

ليست الاستراتيجية الأمريكية السابقة واللاحقة في العراق ، التي لوح بوش بإمتداد مفاعيلها إلى سوريا وغيرها من بلدان الشرق الأوسط .. ليست " كاريكاتورية " .. لكنها ليست مستحيلة المقاومة والانتصار عليها .. إذا توفرت الوحدة الوطنية والديمقراطية .. وامتلك الشعب إرادته وتقرير مصيره








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 3 خطوات ستُخلّصك من الدهون العنيدة


.. بمسيرات انقضاضية وأكثر من 200 صاروخ.. حزب الله يهاجم مواقع إ




.. نائب وزير الخارجية التركي: سنعمل مع قطر وكل الدول المعنية عل


.. هل تلقت حماس ضمانات بعدم استئناف نتنياهو الحرب بعد إتمام صفق




.. إغلاق مراكز التصويت في الانتخابات البريطانية| #عاجل