الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طفيليات المجتمع 2: شيوخ العشائر ورجال الدين
صادق جبار حسين
2025 / 3 / 13مواضيع وابحاث سياسية

لطالما لعبت العشائر دورًا محوريًا في تشكيل المجتمع العراقي حيث كانت تمثل الركيزة الأساسية للتنظيم الاجتماعي قبل نشوء الدولة الحديثة .
ومع مرور الزمن لم تعد العشائر مجرد مكون أجتماعي بل تحولت إلى قوة موازية للدولة تفرض قوانينها الخاصة وتتحكم بمسارات السياسة والقضاء والاقتصاد وترسم صورة المجتمع .
ومع ذلك فإن هذا الدور الذي يفترض أن يكون تكامليًا مع سلطة الدولة تحول في العقود الأخيرة إلى عائق أمام بناء دولة القانون مما ساهم في تفتيت المجتمع وإضعاف مؤسسات الدولة.
حيث سادت الأعراف والتقاليد العشائرية محل القانون
والتي في أغلبها تتعارض مع القانون ومبادئ العدالة وحقوق الإنسان حيث تطبق بعض التقاليد أحكامًا أشد قسوة من القوانين المدنية بل وحتى الأحكام الشرعية الإسلامية .
كان يفترض أن يكون الدور العشائري تكامليًا مع سلطة الدولة الحديثة إلا أن ما حدث هو العكس تمامًا فخلال العقود الأخيرة وخاصة بعد انهيار مؤسسات الدولة وضعف تطبيق القانون أصبحت العشائر عائقًا أمام بناء دولة القانون حيث أستبدل القضاء الرسمي بالأعراف والتقاليد العشائرية التي باتت تحكم المجتمع في كثير من القضايا حتى في الجرائم الجنائية الكبرى كالقتل والاغتصاب هذه الأعراف في معظمها لا تتوافق مع القانون المدني أو حتى المبادئ الإسلامية الصحيحة بل إنها تكرّس منطق القوة والصراع على النفوذ بدلًا من تحقيق العدالة .
من أبرز هذه الممارسات "الفصول العشائرية" حيث يتم فرض تعويضات مالية ضخمة تُدفع إلى الضحية أو عشيرته بغض النظر عن طبيعة الجريمة بل وحتى في بعض الحالات يتم فرض التعويض على الضحية نفسه أو عائلته ولا يملك الحجة والقدرة على الدفاع عن نفسه خصوصًا إذا كان الطرف الآخر أقوى نفوذًا وسطوة ومن عشيرة كبيرة .
الأخطر من ذلك هو "الفصلية" وهي ممارسة تنص على تسليم نساء من العائلة المعتدية إلى العشيرة الأخرى كتعويض عن الاعتداء مما يعدّ شكلًا من أشكال العبودية الحديثة وانتهاكًا صارخًا لحقوق المرأة وكرامتها.
ظاهرة إخرى خطيرة ألا وهي "الدكة العشائرية" تمثل مظهرًا آخر من مظاهر الانفلات والفوضى حيث يقوم أفراد من عشيرة ما بتنفيذ هجمات مسلحة على منزل او منازل خصومها كوسيلة للتهديد أو الانتقام باستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة بل وأحيانًا القذائف مما يؤدي إلى ترويع العائلات وتدمير الممتلكات وفي كثير من الأحيان سقوط ضحايا أبرياء .
هذه الممارسات لم تعد مجرد تصرفات فردية بل أصبحت أداة بسط نفوذ تُستخدم لترهيب الأفراد وإجبارهم على الامتثال للأحكام العشائرية حتى لو كانت ظالمة.
العشائر لا تعترف بمبدأ المسؤولية الفردية فحين يرتكب فرد من عشيرة ما جرمًا فأنه غالبًا ما تتحمل عشيرته بأكملها العقوبة مما يعزز منطق العقاب الجماعي في تناقض صارخ مع المبادئ الحديثة للعدالة وبدلًا من أن تُحاسب الدولة الجناة وفقًا للقانون يتم فرض تسويات عشائرية قائمة على موازين القوة والقدرة على فرض الهيمنة مما يجعل المجرم أكثر نفوذًا من الضحية طالما أن عشيرته قوية وقادرة على حمايته .
وفي كثيرًا من القضايا الكبرى كجرائم القتل والاعتداء فيتم اللجوء إلى "المجالس العشائرية" بدلًا من المحاكم مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب .
لم يعد لشيوخ العشائر دور رمزي كما كان في السابق بل أصبحوا يملكون ميزانيات ضخمة تحت تصرفهم سواءً مما يكسبونه من الفصول العشائرية والطرق الأخرى او من خلال تبرعات إفراد العشيرة أو كما يُعرف بـ "صندوق العشيرة" الذي يُفترض أن يكون مخصصًا لدعم أبناء العشيرة المحتاجين أو لحل النزاعات التي تقع لأفرادها لكن في الواقع يتم استغلال هذه الأموال لمصالح شخصية حيث يحتكرها الشيوخ لأنفسهم بينما لا يجد أبناء العشيرة الذين يساهمون في تمويل الصندوق أي دعم عند الحاجة.
ولم يقتصر النفوذ العشائري على الشيوخ وزعماء القبائل بل وجد رجال الدين الشيعة وخاصة المنحدرين من نسل النبي محمد او كما يُعرفون بـ "السادة" طريقهم إلى هذه المنظومة الفاسدة .
هؤلاء الذين يُفترض أن يكونوا دعاة إصلاح وعدالة تحولوا إلى وسطاء في النزاعات إلى جانب الشيوخ لكن ليس دائمًا بدافع تحقيق الصلح وفض النزاعات وأنما من اجل الانتفاع المادي فا صبحوا جزء من شبكة المصالح التي تربطهم بزعماء العشائر .
في المجتمعات التي تسيطر عليها الأعراف والأحكام العشائرية أصبح لرجال الدين دور مزدوج فهم من جهة يمنحون الشرعية الدينية لهذه الأعراف ومن جهة أخرى يستفيدون ماديًا واجتماعيًا من هذه المنظومة حيث يتقاضون أموالًا مقابل التوسط في النزاعات أو يدعمون علنًا حلولًا عشائرية تتعارض مع القانون بحجة الحفاظ على السلم الاجتماعي .
المفارقة أن هؤلاء الذين يدعون التمسك بالشريعة لا يعارضون التقاليد التي تتنافى مع أبسط القيم الإسلامية بل يبررونها مما يمنحها بعدًا دينيًا زائفًا فبدلًا من أن يكون رجل الدين صوتًا للعدالة أصبح طرفًا في لعبة النفوذ مستغلًا سلطته الدينية لتحقيق مكاسب شخصية ، فلم نجد رجل دين واحد وقف بوجهه العشائر ورفض أعرافهم وأحكامهم الجائرة خصوصًا بما يتعلق بالفصيلة والدكات العشائرية .
التحالف بين شيوخ العشائر ورجال الدين الشيعة ليس مجرد تقاطع مصالح عابر بل هو جزء من منظومة حكم خفية تكرّس الفوضى لإدامة نفوذها والدولة في ظل ضعفها وغياب سيادة القانون وسطوة المليشيات أصبحت عاجزة عن مواجهة هذا التحالف بل إن كثيرًا من القضاة ورجال الأمن يتجنبون تطبيق القانون خشية الدخول في صراع مع العشائر أو رجال الدين الذين يمتلكون نفوذًا أقوى من مؤسسات الدولة نفسها .
هذا الخوف من المواجهة جعل القانون مجرد أداة شكلية يتم تطبيقه فقط عندما لا يتعارض مع مصالح القوى العشائرية والدينية
حيث بات المواطن العادي لا يرى فرقًا بين فساد السياسيين وسطوة العشائر وهيمنة رجال الدين إذ أن الجميع باتوا جزءًا من منظومة واحدة تقوم على نهب الدولة واستغلال المجتمع وقمع أي محاولة لبناء دولة مؤسساتية حقيقية.
لم يعد الصراع يدور فقط بين الدولة والمليشيات المسلحة بل بين القانون وتحالف شيوخ العشائر ورجال الدين الشيعة الذين شكلوا منظومة طفيلية تتغذى على معاناة المواطنين.
في بلد يُفترض أن القانون فيه هو السيد أصبح الواقع شيئًا آخر تمامًا فالقوة هي الحاكم الفعلي والقضاء بات خاضعًا للنفوذ العشائري والديني والمواطن البسيط لا يجد من يحميه
هذا الوضع لا يمثل مجرد خلل في منظومة الدولة بل هو استراتيجية مقصودة لإبقاء العراق غارقًا في الفوضى حيث تظل العشائر ورجال الدين مستفيدين بينما المواطن الذي لا ينتمي الى عشيرة قوية يدفع الثمن .
لقد تحول شيوخ العشائر ورجال الدين من رموز اجتماعية ودينية يُفترض بها تحقيق العدل إلى طفيليات تعتاش و تتغذى على معاناة المواطنين مما يجعل التغيير شبه مستحيل طالما بقي القانون عاجزًا أمام تحالف الفساد هذا فان لم تتم استعادة سلطة الدولة وهيبتها وإعلاء شأن القانون فوق كل الاعتبارات سيظل العراق رهينة لشيوخ العشائر في بلد تحكمه المصالح الشخصية بدلًا من العدالة و إحترام حقوق الانسان .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ضربات أميركية غير مسبوقة على الحوثيين.. والجماعة: لن تمر دون

.. صدمة في أوروبا ويأس في أوكرانيا.. ترامب يجبر زيلينسكي على هد

.. جماعة أنصار الله تعلن حصيلة القتلى والجرحى في الغارات الأمري

.. حسين سلامي: أنصار الله كممثلين للشعب اليمني يتخذون قراراتهم

.. ماركو روبيو: القوات الأمريكية ستحمي الشعب الأمريكي وحرية الم
