الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العلمانية العسكرية وتداعياتها على الواقع السياسي العربي
حمدي سيد محمد محمود
2025 / 3 / 13اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي

برزت العلمانية العسكرية في العالم العربي كنتاج للتحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ سقوط الدولة العثمانية وتصاعد المد القومي والوطني في القرن العشرين. تبنت العديد من الأنظمة العسكرية العلمانية كإطار أيديولوجي للحكم، مستندة إلى شعارات التحديث والتنمية والاستقلال الوطني، لكنها في الوقت ذاته فرضت رؤية استبدادية للعلمانية، فصلت فيها الدين عن الدولة بشكل قسري، واحتكرت المجال العام، وقوضت التعددية السياسية والاجتماعية. كان الجيش، في كثير من الدول العربية، هو الأداة الفعلية لإعادة تشكيل الدولة وفق هذه الرؤية، حيث تحول من مؤسسة وطنية إلى سلطة فوقية تتحكم في المجال السياسي والاقتصادي والإعلامي.
آليات فرض العلمانية العسكرية
لم تكن العلمانية العسكرية مجرد مشروع فكري أو فلسفي، بل كانت برنامجاً سياسياً مدعوماً بالقوة والقمع. اعتمدت الأنظمة العسكرية على أدوات عدة لفرض هذا النموذج، أبرزها السيطرة على أجهزة الدولة العميقة، وتوظيف الخطاب القومي لتبرير الاستبداد، وتهميش القوى الدينية والسياسية المعارضة. كما استخدمت هذه الأنظمة الإعلام والتعليم لإعادة تشكيل الهوية الوطنية وفق رؤية علمانية، غالباً ما كانت متأثرة بالنموذج الغربي، دون مراعاة الخصوصيات الثقافية والمجتمعية.
الصراع بين السلطة والمجتمع
واجهت العلمانية العسكرية مقاومة شديدة من المجتمعات العربية، حيث رفضت قطاعات واسعة من الشعوب محاولات إقصاء الدين من المجال العام. أدى هذا الصراع إلى صعود تيارات إسلامية بمختلف توجهاتها، بعضها انتهج المقاومة السلمية عبر الحركات السياسية والاجتماعية، بينما لجأت أخرى إلى العنف كرد فعل على القمع الممارس ضدها. خلقت هذه المواجهة حالة من عدم الاستقرار السياسي، حيث دخلت العديد من الدول العربية في دوائر من الثورات والانقلابات والصراعات الداخلية، التي أدت إلى تفكيك الدولة في بعض الأحيان، كما حدث في سوريا وليبيا والعراق.
التداعيات السياسية للعلمانية العسكرية
كانت للعلمانية العسكرية انعكاسات خطيرة على الواقع السياسي العربي، أبرزها تكريس الحكم الفردي، وإلغاء التعددية الحزبية، وتقويض المشاركة الشعبية. تحولت الدولة إلى أداة لخدمة النخب العسكرية، وأصبح الولاء للنظام بديلاً عن الولاء للوطن. كما أدت هذه الأنظمة إلى تراجع المؤسسات الديمقراطية، حيث أصبحت الانتخابات شكلية، والقضاء مسيساً، والبرلمانات أداة في يد السلطة التنفيذية.
الأثر الإقليمي والدولي
على المستوى الإقليمي، أسهمت العلمانية العسكرية في إضعاف الوحدة العربية، حيث انشغلت الأنظمة العسكرية بالحفاظ على بقائها بدلاً من بناء تحالفات قوية. كما أدى ارتباطها بالقوى الكبرى، سواء من خلال التحالفات الأمنية أو الاعتماد على الدعم الخارجي، إلى تعميق التبعية السياسية والاقتصادية.
أما دولياً، فقد استخدمت القوى الكبرى هذه الأنظمة كأدوات لتحقيق مصالحها، حيث دعمت بعضها بحجة الاستقرار، بينما استهدفت أخرى بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان. خلقت هذه السياسات واقعاً متناقضاً، حيث ظلت بعض الأنظمة العسكرية قائمة رغم ضعف شرعيتها، في حين سقطت أخرى نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية.
نحو مستقبل جديد؟
في ظل التحولات التي يشهدها العالم العربي، تبرز تساؤلات حول مستقبل العلمانية العسكرية. فمع صعود الحركات الاحتجاجية والتطورات التكنولوجية التي كسرت احتكار الأنظمة للإعلام والمعلومات، بات واضحاً أن هذه الأنظمة تواجه تحديات وجودية. ومع ذلك، فإن البديل لم يتشكل بعد، حيث ما زالت الصراعات قائمة بين مختلف القوى الفاعلة، دون وجود رؤية واضحة لمستقبل أكثر ديمقراطية وتعددية.
إن إنهاء تداعيات العلمانية العسكرية يتطلب إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبناء أنظمة سياسية توازن بين الهوية الثقافية ومتطلبات الحداثة، وتكفل التعددية والحقوق السياسية لجميع المواطنين، بعيداً عن الإقصاء والاستبداد.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ذعر عائلة أمريكية عندما حاصر إعصار مدمر منزلهم

.. بروفايل | محمد ا?حمد المهدي.. قائد الثورة المهدية في السودان

.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن أحداث الشرق الأوسط؟

.. حميدتي يتهم جهات -لم يسمها- بالعمل على تقسيم السودان

.. هل المقاومة مستعدة لتمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار
