الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محنة أهلنا العالقين في العراق : بين جريمة السلطة وتضليل المعارضة المذهبية !

نزار نيوف

2007 / 1 / 17
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


في العراق الآن حوالي 150 عائلة سورية مهددة بحياتها نتيجة الفوضى والعنف الطائفي ـ السياسي اللذين يجتاحان هذا البلد منذ أكثر من ثلاث سنوات . ويقدر عدد هؤلاء ، دون إمكانية الحديث عن أرقام دقيقة ، ما بين 600 إلى 800 مواطن قسم كبير منهم من النساء والأطفال والأحداث .
تعود مشكلة هؤلاء في معظمها إلى أيام " المحنة الوطنية " نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات الماضية ، عندما فر آلاف السوريين ، ومنهم عدد من العسكريين ، إلى العراق وبلدان أخرى هربا من الاعتقال على خلفية الصدام المسلح بين أصوليي النظام وأصوليي الإخوان المسلمين . والبعض من هؤلاء ، ولعلهم الغالبية ، هم من البعثيين الذين تعود جذور مشكلتهم إلى زمن الانشقاق الأول في " البعث" أواسط الستينيات الماضية واندلاع المواجهة السياسية بين جناحيه في البلدين ، قبل أن يتحول إلى صراع دموي ، عبر تبادل السيارات المفخخة وفرق الاغتيال ، إثر استيلاء صدام حسين على السلطة وإنهائه " مشروع ميثاق العمل القومي " في العام 1979 وتصفية 30 من رفاقه أعضاء القيادة ، في تلك المجزرة الدموية المروعة التي اقترفها بعد أربعة أيام من انقلابه، بتهمة التآمر مع النظام السوري ، والتي شاهدها الناس في بث حي كما لو أنها شريط سينمائي من أشرطة هيتشكوك !
من بين هؤلاء يجب أن نميز أيضا بين الجيل الأول من الفارين بأرواحهم ، والجيل الثاني الذي يشكله أبناؤهم . وربما هناك جيل ثالث من الأحفاد لم يسمعوا أصلا بـ " البعث" ، ولم يعرفوا شخصا اسمه صدام حسين قبل إعدامه ، ناهيك عن معرفتهم بغريم له على الضفة الأخرى من الحدود يدعى حافظ الأسد ! وسط الجيل الأول ينبغي أن نميز أيضا بين الأشخاص الذين انخرطوا في الصراع وكانوا من أدواته السياسية أو الدموية ، وهم القلة ، وبين نسائهم وأبنائهم الذي يشكلون الغالبية ، والذين وجدوا أنفسهم وسط المعمعة عاجزين عن فعل أي شيء .. ربما سوى لعن الساعة التي ولدوا فيها عربا في " أمة عربية واحدة " لم تستطع أن تقبلهم إلا كلاجئين أو مرتزقة أو مخبرين لأجهزتها " ذات الرسالة الخالدة "!
وإذا كان الحديث يدور الآن حول سوريين بالمئات في العراق ، فإن الحديث يتعلق بعشرات ألوف العراقيين في سوريا حتى قبل سقوط النظام العراقي ، ناهيك عن مئات الألوف من الذين " لجأوا" إلى المقابر الجماعية ! ( نهاية الثمانينيات كان في دمشق وحدها حوالي 75 ألف مواطن عراقي هارب من بطش صدام حسين : بعثيين وشيوعيين ورجال دين ومثقفين مستقلين ... إلخ ).
في العراق ، كما في سوريا وإن بدرجة أقل كما ونوعا ، لجأ النظام العراقي إلى استخدام " ضيوفه " من اللاجئين السوريين للقيام بمهمات رخيصة وحقيرة . وفي حالات ليست قليلة ( كما في النصف الأول من الثمانينيات وحتى مجزرة الباصات في العام 1986 ) لغايات إجرامية . ومن أجل القيام بذلك على أكمل وجه ، أحدث النظام العراقي في قيادة حزبه القطرية مكتبا يدعى " المكتب السوري" وأسند مسؤوليته إلى نزار حمدون . و فعل النظام السوري الشيء نفسه ، حيث تولى العراقي أحمد العزاوي ، ثم فوزي الراوي بعد اغتيال الأول ، رئاسة " مكتب شؤون العراق " ، وإن بشكل صوري . ذلك لأن المسؤولية الفعلية كانت تعود إلى جهاز المخابرات العسكرية في معظم الحالات ذات الصلة ، وبشكل خاص " فرع الجزيرة " في القامشلي تحت إمرة الجنرال محمد منصورة قبل أن يصبح رئيسا للشعبة السياسية في وزارة الداخلية.
أحدث المكتبان ، من الناحية الشكلية المعلنة على الأقل ، لمساعدة اللاجئين الوافدين من بلد " العدو البعثي " الآخر ، وتسوية أمور إقامتهم ودراسة أبنائهم ، ومتابعة كل ما يتصل بأمور معيشتهم كما يليق بأي مؤسسة لشؤون اللاجئين أن تفعل . لكن الواقع على الأرض كان مختلفا كليا . فالمكتبان لم يكونا سوى " واجهة إنسانية " لممارسات وحشية وبربرية . كانا جهازي مخابرات بالمعنى الحقيقي والقذر للكلمة ، لا بمعناها المجازي ؛ مهمة كل منهما التجسس على الطرف الآخر وتجنيد الفارين من دياره كمخبرين عبر ابتزازهم بلقمة العيش والملجأ الآمن .. قبل تحويل قسم كبير منهم إلى قتلة مأجورين . ويقتضي الإنصاف القول إن النظام العراقي برع أيما براعة في ذلك ، ولم يستطع النظام السوري أن يجاريه فيما ذهب إليه إلا نادرا جدا في هذا المجال !
جند نزار حمدون من خلال "المكتب السوري" مئات السوريين ، بعثيين "قوميين" وإسلاميين ، وأرسلهم إلى سوريا لممارسة الاغتيال السياسي والذبح على الهوية ووضع السيارات المفخخة في الأماكن العامة التي كان " آخرها " حادثة الباصات الشهيرة التي نسفت على طريق دمشق ـ حمص في العام 1986 وأسفرت عن مجزرة مروعة في صفوف الأبرياء . كانت المجزرة نوعا من " عقاب جماعي " أنزله صدام حسين بالشعب السوري ردا على رفض الأسد الأب إدانة احتلال إيران جزيرة الفاو في حديثه لإحدى الصحف الأميركية ، والتي كانت أول انعطاف لصالح طهران في الحرب التي شنها صدام حسين بأوامر السعودية ومصر وواشنطن تحت شعار منع طهران من " تصدير الثورة " إلى العالم العربي !
لم تقتصر ممارسات " المكتب السوري " على تجنيد البعثيين " الصداميين " ، بل طالت " الإخوان المسلمين " أيضا ، وبشكل خاص تيار المراقب العام السابق عدنان سعد الدين المعروف بنزعته الدموية الإستئصالية المتطرفة ، و " الطليعة الإسلامية المقاتلة " التي يمكن تسميتها دون تردد بـ " سرايا دفاع " الإخوان المسلمين ! ومن هؤلاء وأولئك ، فضلا عن بعض المستقلين ، ركّب نزار حمدون ما عرف آنذاك بـجبهة " التحالف الوطني لإنقاذ سورية " التي أخذت على عاتقها " تنفيذ سياسة صدام حسين الثأرية تجاه حافظ الأسد " ، على حد تعبير الزعيم الوطني أكرم الحوراني الذي كانت سياسة حمدون و " جبهته " سببا في مغادرته العراق نهائيا إلى فرنسا ، وفي قطيعته النهائية مع النظام العراقي . وكان من اللافت أن مكتب نزار حمدون لم يكتف بتجنيد السوريين " اللاجئين " للعمل ضد النظام السوري فقط ، بل وصل به الأمر إلى حد تجنيد قسم كبير منهم كمخبرين ضد المواطنين العراقيين أنفسهم ! وهو ما كان يحصل في سوريا أيضا على أيدي المخابرات السورية فيما يخص اللاجئين العراقيين هنا ، وإن بدرجة أقل .
أدى انهيار الوضع الاقتصادي في العراق إثر حرب الثماني سنوات مع إيران ، وبسبب الحصار الإقتصادي " الأممي " الذي أعقب غزو الكويت ، إلى مغادرة القسم الأكبر من السوريين إلى دول عربية أخرى ( خصوصا الأردن والسعودية واليمن ودول الخليج ) ، فضلا عن المنافي الأوربية . ولم يبق إلا القلة التي لم يمكنها وضعها الاقتصادي من الفرار ، وبعض القيادات البعثية والإسلامية التي استمر النظام العراقي في تزويدها بحد معين من الدعم المادي الذي يوفر لها حدا أدنى من مستوى العيش اللائق ، كحالة الرئيس الأسبق أمين الحافظ والقيادي البعثي شبلي العيسمي .
مع سقوط بغداد والعراق تحت الاحتلال عادت قصة المواطنين السوريين في العراق إلى الواجهة ؛ فقد لجأ بعض العراقيين ، وأحيانا قوات الاحتلال الأميركي بالذات ، إلى ممارسة سياسة ثأرية انتقامية منهم بذريعة أنهم " كانوا يعملون جواسيس لصدام حسين " ، رغم أن هذا ليس بعيدا عن الحقيقة كثيرا ، على الاٌقل فيما يخص بعض المرتزقة منهم ! وأدى هذا الوضع إلى فرار عشرات الأسر ، وفي مقدمتهم أمين الحافظ والعيسمي اللذان تجاوزا الثمانين من العمر ، إلى منطقة الحدود السورية ـ العراقية في محاولة يائسة منهم للعودة إلى بلادهم . لكن النظام ، ورغم وجود عشرات النساء والأطفال بينهم ، رفض السماح لهم بالدخول إلى وطنهم ولو إلى ... السجن ! وبعد أيام طويلة من المعناة والمكوث في الخيام ، لجأ النظام إلى ممارسة سياسة انتقائية إزاءهم شبيهة بتلك التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين الذين يخرجون من الضفة الغربية وقطاع غزة ويحاولون الرجوع مرة أخرى ! فقد سمح بدخول البعض ، كالرئيس الحافظ الذي خصصت له السلطة منزلا في حلب وراتبا ( وهذا حقه كرئيس سابق) ، ورفض السماح للبعض الآخر الذي عاد أدراجه إلى بغداد ليموت هناك لاحقا على أيدي الميلشيات الطائفية ، أو ليجد طريقه إلى دولة أخرى ينضم فيها إلى الدياسبورا السورية التي تعيش منذ عشرات السنين مصيرا لا شبيه له إلا مصير اليهود بعد السبي البابلي ! وكانت ذروة مأساة هؤلاء في كانون الأول / ديسمبر الماضي حين اختطف منهم ثمانية رجال إلى مكان مجهول سرعان ما لاقوا حتفهم فيه بشكل مأسوي ، وفي مقدمتهم الملازم الأول الطيار أحمد عبد القادر ترمانيني الذي كان فر بطائرته إلى العراق في العام 1976 .
لم يكن تعامل بعض قوى المعارضة السورية ، لاسيما المذهبية منها ، أقل دناءة وخسة من تعامل النظام مع هذه القضية الإنسانية بامتياز . ففي الوقت الذي " طنش " النظام عن مأساتهم ، لاسيما النساء والأطفال منهم ، وتنكر لحقهم المقدس في العودة إلى وطنهم ، واعتقل العشرات ممن سمح لهم بالدخول ( حيث اختفت آثار معظهم) ، لجأ بعض قوى المعارضة المذهبية إلى تصوير هؤلاء ، وتحديدا السياسيين منهم ، كما لو أنهم مجموعة من المناضلين والقديسين الأطهار ، بل وإلى فبركة أكاذيب واختراع تاريخ نضالي لبعضهم كما في حالة الطيار السوري الملازم الأول أحمد ترمانيني الذي فر بطائرته إلى العراق بعد انكشاف علاقته بتنظيم عسكري سري تابع لـ " بعث العراق " ، وليس بسبب رفضه المزعوم قصف مخيم " تل الزعتر" كما يروج له الآن . وقد ساهم مطلع الثمانينيات ، بالتعاون مع المخابرات العراقية ، في تدريب الإرهابيين وإرسالهم إلى سوريا لتنفيذ عمليات الاغتيال السياسي وقتل عابري السبيل في الشوارع بواسطة السيارات المفخخة (*)!
إذا وضعنا النساء والأطفال جانبا ، وقلة شريفة من الرجال لاسيما الجيل الثاني ، ينبغي القول دون أدنى تردد ، وبلا أي مجاملة ، إن قسما كبيرا من هؤلاء ، لاسيما في أوساط الجيل الأول من الفارين ، كانوا أدوات إجرامية رخيصة في أيدي المخابرات العراقية ، سواء ضد المواطنين السوريين الأبرياء أو العراقيين الذي استضافوهم في بلادهم لسنوات طويلة . وبعضهم لا يستحق أقل من صفة " قاتل " بالمعنى الحرفي ـ الجنائي للكلمة ! لكن حتى القاتل له حق مقدس في يكون له وطن ، وفي أن يعود إليه ساعة يشاء . وإذا كان ثمة من تهمة موجهة له ، فيجب أن توجه له أمام قضاء عادل وشفاف يضمن له إمكانية الدفاع عن نفسه ، بل والحصول على الأسباب المخخفة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ظروف البلاد سنوات المحنة والمطاردة والفرار .
لقد ذهب صدام حسين ونظامه وأصبحا في ذمة التاريخ ؛ ولن تعمل سياسة النظام السوري في الانتقام من مشايعيه إلا على إعادة إنتاج روحه سوريـّاً ، خصوصا في الوقت التي تنصب سرادق العزاء به في أحياء دمشق ، وأكثر من مدينة سورية أخرى ، تحت سمع وبصر المخابرات السورية وموافقتها المسبقة !
(بروكسل)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ـ لمطالعة تحقيق مصور وموثق حول حول العسكريين السوريين الوحيدين اللذين رفضا قصف المخيم المذكور بتوجيهات من القائد الشيوعي رياض الترك ، يمكن العودة إلى الرابط التالي :

http://syriatruth.org/Al-Hakikah/index.php?option=com_content&task=view&id=152











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل