الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اذا فشلت الامتحانات ... فشلت الدولة

وليد حكمت

2007 / 1 / 17
حقوق الاطفال والشبيبة


سادت الفوضى في يوم 14 /1/2007 مبنى مديرية التربية والتعليم في مدينة معان إثر اقتحام طلاب الفرع الصناعي والبالغ عددهم خمسون طالبا اقتحموا هذا المبنى عنوة واحدثوا ما احدثوه احتجاجا على بعض الاجراءات والاشكاليات التي كانت تمارس في مختلف القاعات الأخرى
تعد قضية الامتحانات الثانوية من أهم المعايير العالمية الاكاديمية المتعلقة بامتلاك الفرد للبنى المعرفية والمعلومات الانسانية الضرورية والمهارات النظرية والتطبيقية المختلفة في شتى المجالات والتي تؤهله للانخراط في مختلف الفروع الاكاديمية والمهنية المختلفة لكي يعود الى المجتمع فردا منتجا مفكرا سليم العقل والجسم والخبرة .. وامتحانات الثانوية العامة في الاردن تخضع لمجموعة من العوامل منها الفلسفة التعليمية التي يرتكز عليها النظام التربوي الاردني وعوامل اخرى ترتبط بمستوى معين من الترابط التقني والمعرفي والعلمي مع بقية الأمم الاخرى اذ المطلوب من اي شعب ان ينتظم وينسجم معرفيا وتقنيا مع الامم الاخرى وخصوصا المتقدمة منها كي يتحصل ولو على الحد الادنى من امتلاك الضروريات التقنية والمعرفية كي يلتحق بركب التقدم المتطور بسرعة هائلة
مع العلم ان امتحان الثانوية العامة هو احد الاسباب الرئيسة للاصابة بمرض الاكتئاب في الاردن حيث سجلت نسبة خطيرة بهذا الشان ينضم اليه الظروف الاقتصادية الصعبة
تشرف ادارة الامتحانات في وزارة التربية على وضع الاسئلة وفق معايير تحددها طبيعة المادة العلمية والسقف المسموح به بالنسبة لعدد الطلاب الناجحين والمتفوقين والاصل ان يقوم اشخاص متخصصين في مجال القياس والتقويم واعداد الاختبارات وحسب معلوماتي القليلة ان الاشخاص القائمين على اعداد الاختبارات في الوزارة لا يمتلكون تلك المهارات المهمة وان كانوا من اصحاب الخبرة في اعداد الاختبارات

من يضع المقدمات عليه ان يرضى بالنتائج
التعليم في الاردن يبدأ هزيلا فهو من الناحية الواقعية يختلف من منطقة الى اخرى فالطالب الذي يتلقى تعليما في احدى مدارس العاصمة الحكومية او الخاصة وخصوصا في المناطق الراقية يجد المعلم صاحب الخبرة والمهارة ويجد الوسائل المساعدة من حواسيب ووسائل تعليمية ومختبرات تعليم لغة انجليزية ومراكز لتعليم اللغات الاجنبية يشرف عليها اصحاب تلك اللغات متوفرة بكثرة ويجد الجو النفسي والبيئي المريح والمشجع ويتعود على نمط معين من الامتحانات والاختبارات ودروس التقوية فعندما يصل الى مرحلة التوجيهي لا يجد صعوبة في اجتياز الاختبار بكل سهولة ان هوادى متطلبات المذاكرة بالشكل الصحيح,, اما الطالب الذي يقطن المناطق الفقيرة فلا يتوفر شيء له من ذلك , فالمعلم ضعيف معرفيا واكاديميا والهيئات التدريسية غير مستقرة والوسائل التعليمية تكاد تكون معدومة وان وجدت يمنع الطالب من استخدامها لاسباب روتينية متعلقة بطبيعة النظام التربوي البيروقراطي المعاق في بلدنا.. والطالب الفقير قد يكدح جزءا من النهار من اجل الحصول على لقمة العيش هو واسرته فيساعد اسرته الفقيرة على سد بعض الحاجيات الضرورية فيكون هذا الكدح على حساب صحته ودراسته واداءه التعليمي واكتسابه للمعارف,,, ثم أن عملية الارشاد التربوي النفسي تكاد تكون معدومة خصوصا في مناطق الجنوب واضافة الى ذلك عدم توفر البيئة التعليمية الصحية المناسبة لممارسة العملية التعلمية التعليمية للمعلم والطالب على حد سواء فالصفوف بدون تدفئة والافتقار الى المستلزمات التعليمية من وسائل تعليمية متعددة ومختبرات حقيقية ينضم الى تلك الشروط الخطيرة الشروط النفسية من استبداد وظيفي قهري يتعلق بالمعلم والطالب وانخفاض الراتب او المعاش للمعلمين وتردي الحالة الاجتماعية والاقتصادية للمعلم
يصل الطالب الاردني الى مرحلة الثانوية العامة وهو لا يتقن لغة قومه ولا حتى اللغة الانجليزية والتي تعتبر متطلبا اجباريا أما باقي المباحث فما هي الا عبارة عن حشو معلومات في رؤوس الطلبة عنوة فما ان يفرغ الطالب تلك المعلومات على ورقة الاجابة حتى تنتهي مهمته ولو استذكرته ببعض المعلومات التي حفظها بعد يومين لاجابك بالانكار والنسيان.. وهكذا تستمر مهزلة التعليم فسنويا يتخرج عشرات الآلاف من الطلبة وينضم حاليا في قطاع التعليم العالي حوالي مائة الف طالب اردني ومائة وتسع وعشرون الف طالب من خارج الاردن يدرسون في قطاع التعليم العالي ولكن لو سالنا سؤالا واحد ::: مع طيلة السنوات الماضية التي خرجت مئات الآلاف من الطلبة لماذا لم نجد مخترعا واحدا او مكتشفا او مصنعا أو سياسيا بارعا أو اقتصاديا حاذقا يقينا شر الصدمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي نتلقاها
التعليم ونظام الاختبارات المعمول به في الاردن يسير على نفس الوتيرة وان تغيرت اشكال المناهج
الوزارة تضع مقدمات متخلفة عقيمة وتطالبنا بنتائج مثالية زاهية فهي تقدم لنا العجز التام في النظام التربوي الاداري والاكاديمي والتدريسي والمنهجي ثم تضع امتحانات ذات مستوى عريض ....

شكلت فضيحة تسريب اسئلة التوجيهي في الاردن قبل عامين تقريبا وانتشار بيعها في العاصمة والمدن الاخرى التصوير الحقيقي للحالة الخطيرة والمتردية التي وصل اليها التعليم في الاردن والسائر نحو الانهيار والفشل لينعكس فشله على اساسات المجتمع الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية ايضا
لن ندخل في تفاصيل تلك الفضائح المخزية التي عبرت عن اختراق الجهاز المعنوي المثالي في نظر الكثيرين ولكننا اليوم نعيش انعكاسات خطيرة في هذا الجهاز من شأنها أن تدمر في القريب العاجل البنى الفكرية والمعرفية لافراد المجتمع
وعود الى بدء والى موضوع ابطالنا طلاب الصناعي في مدينة معان الذين اقتحموا مبنى المديرية احتجاجا على ان باقي القاعات تمارس الغش الا قاعتهم فهم يطالبون بالمساواة مع غيرهم في الحقوق والواجبات
كنت اتابع في الدورات الماضية ما يجري في قاعات الثانوية العامة بعين ملؤها الاسى والحزن لما يجري في تلك القاعات من عمليات غش تتم بوسائل مختلفة منها استخدام جهاز الخلوي او تصوير المادة التعليمية وادخالها الى القاعة واستخراج حلول الاسئلة منها مباشرة لمن يستدرك ويستطيع اما من لا يمتلك ادنى مهارة في استخراج الحل من المادة المصورة في اختبارات الكتاب المفتوح فما عليه الا ان يستنجد بعصابات تهريب الاسئلة والاجابات وهذه العصابات تعمل على حل المشكلة لدى اولئك مقابل دفع اشتراك او ثمن ورقة الاجابة على ان تصل ورقة الاجابة للطالب رغم انف القوات الامنية المحيطة بالقاعة او بأخذ الاذن منها مسبقا ...
لقد سبق ان عملت مراقبا ومساعدا ورئيسا لبعض قاعات الثانوية العامة الا انني آثرت الاستنكاف بعد ان رايت المهازل بام عيني تتم بمباركة امنية وحكومية وتربوية فآثرت السلامة منذ سنتين تقريبا فظاهرة الغش المدعمة من العصابات التي يهمها جمع المال فقط اقوى من اية حلول وخيارات اخرى
لقد تقدم بعض الطلبة لهذا العام بشكاوى بحق بعض المسؤولين التربويين في مديرية التربية لمنطقة معان تتعلق بتلقي المسؤولين لرشاوى من اولئك الطلبة مقابل تسريب ورقة الاسئلة اثناء البدء بالامتحان وتهيئة بعض الاجواء المناسبة لهم وهذا الامر يشير الى ان الفساد بدأ يصعد من اسفل الى اعلى ومن اعلى الى اسفل نزولا وصعودا الامر الذي يهدد بانهيار بنية النظام التربوي الاردني في القريب العاجل
حوادث متفرقة هنا وهناك في المدينة والقرية .. فوضى في القاعات تسريب اوراق الاجابات ... استخدام الخلوي علانية في قاعة الامتحان ... الرشوة .. استخدام القصاصات الورقية والكتب المصورة .. انتشار المجموعات التي تقوم بحل الاسئلة وبيعها الى الطلبة المتقدمين الى الامتحان... هذه المجموعات تتكون من معلمين يقومون بحل الاسئلة فور وصولها وآخرون وظيفتهم نقل الاسئلة وتجهيزها اما عبر الخلوي او الحصول عليها مباشرة من نفس القاعة وتسريبها إما بواسطة احد الموظفين وخصوصا رئيس القاعة مقابل مبلغ من المال ليس بالقليل للورقة الواحدة.. اعتداءات احيانا على المراقبين واحيانا على نفس القاعات .. تراخي امني وتساهل غير مبرر اذ ان رجل الأمن ايضا غير مقتنع بما يدور حوله بل احيانا يوفر الغطاء لمن يحاولون تسريب الاسئلة
انتجت هذه الممارسات ظواهر سلبية وخطيرة عدة منها اولا .. انتشار الرشوة بدرجة كبيرة وخصوصا بين المعلمين الذين لم يعودوا قادرين على العيش بالراتب الزهيد البخس الذي توفره لهم وزارة التربية وخصوصا مع تزايد حدة رفع الاسعار الذي يشمل كافة السلع باستثناء الانسان الذي تنخفض قيمته باستمرار
التشويش على الطلبة الجادين والمتفوقين والذين اصبحوا في حالة لا يحسدون عليها اذ ان سهرهم ومذاكرتهم وجهدهم الموصول منذ سنوات قد تعرض للمنافسة من قبل آخرين قد لا يتقنون الكتابة والقراءة من الذين يقطفون ثمار جهود غيرهم باثمان ورشاوى

من نتائج هذه الممارسات الخطيرة ايضا تخريج جيل خال من المعرفة العلمية ومفتقر الى امتلاك المهارات التقنية والمهنية والنظرية على حد سواء ومن منا سيكتشف غبن تلك الاشكاليات وغالبية وظائف الدولة الاردنية تعتمد على المهارات المكتبية البسيطة التي بامكان اي انسان يمتلك ثقافة بسيطة ان يؤديها ... وعندما يلج هؤلاء الناجحون خلسة الى اروقة الجامعة تبدأ معاناة مدرسي الجامعة اذ يفاجأ المدرس الجامعي في فصل به سبعون طالبا أن اكثر من النصف يستحق الرسوب ولكن هل يستطيع هذا المدرس ان يطبق اسس ومعايير النجاح والرسوب بحق عدد كبير من اولئك.. كلا ولسوف تطاله هو ايضا الاشكاليات الاجتماعية والادارية والقانونية في الجامعة وخارج الجامعة ... وقد التقيت ببعض المدرسين الذين يعانون من هذه الاشكاليات بحق هؤلاء الطلبة الاميين والذين لا يستطيعون تطبيق اجراءات حقيقية نافذة بحقهم
ثم يتخرج هؤلاء الطلبة المزورين لينخرطوا في سلك التربية والتعليم ذاك السلك الذي يعاني اصلا من الهشاشة والتحلل فتكبر المشكلة وتتعاظم وتفرخ بدورها اشكاليات خطيرة تؤثر على النظام التربوي والتعليمي في البلد
لقد انعدمت المصداقية الحقيقية التي كانت تتمتع بها شهادة الثانوية الاردنية بعد ان كانت مضرب المثل في التشدد والمصداقية .. وتلك الظواهر التي تطرقنا اليها لا تنفرد بها مدينة معان فقط بل تعانيها مختلف مناطق المملكة ولكن بنسب متفاوتة
حاولت مرارا وتكرارا نقل تلك المآسي الى المسؤولين الاردنيين التربويين منهم وغير التربويين ولكنني ادركت بعدها ان المسؤولين يدركون طبيعة الانهيار الذي ينخر في بنية المجتمع ويدركون مخاطره الا انهم يؤثرون الحلول الترقيعية والانانية على اصلاح الاساسات الخربة

فالخلل الاقتصادي والسياسي والاداري والاجتماعي كلها توفر ظروف موضوعية وتنعكس على مختلف مناحي الحياة ولن نستطيع تفكيك هذا الخراب ثم اصلاحه اذ ان الخرق اتسع على الراقع والخلل الاقتصادي المنبثق عن السياسات الاقتصادية الخاطئة هو الاساس الرئيس الذي ساهم في انهيار باقي القطاعات









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان


.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي




.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن


.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك




.. فشل حماية الأطفال على الإنترنت.. ميتا تخضع لتحقيقات أوروبية