الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكملة عالم لميس

عبد الرحمن جاسم

2007 / 1 / 18
الادب والفن


أتقنت هديل السباحة، وعشقتها. فتاة البوابة أحبت شيئاً غير البوابة. كان فصل الشمس يمر، بنوره وقيظه. وهديل التي عمل والدها كمنقذٍ بحري آنذاك تعلّمت السباحة وعشقتها. كانت تسبح يومياً، وكان البحر ملاذاً آمناً. ولكن في البحر لا بوابات، فأين كانت هديل تقف؟ أجابتني حين سألتها، أقف بجوار الحبل البحري، وأتمسك به، كما لو أنه بوابةٌ أو حائط.
الماء المنساب على جسدي يكاد يبللني وفصل الأنواء والأعاصير، يعد بالكثير، ولا سيما البرد المتناثر، وبعض مرض من هنا وهناك سيصيبني إن لم أمسح هذا الماء!
******************
أن ترى الأشياء دون أصحابها أمرٌ حزين. تعرّت البوابة فجأة. صدر القرار الجمهوري عن والدها. ستتزوج هديل آخر الصيف. لا مدرسة العام المقبل. لا أصدقاء. وأكثر ما ضايقها، أن لا بوابة، إنه حتى لم يترك لها فرصةً لوداع صديقتها الحميمة! عريسٌ بنظاراتٍ طبية، وأميركا، وحقيبة يسمونها بلغةٍ غريبة "سمسونايل". هكذا فهمت هديل اسمها. وكرهته.
لم نعرف عن هديل إلا أنها فجأة، صارت حقيبة "سمسونايل" (أو سمسونايت بحسب تسميتها الحقيقية)، حملها التاجر ذو النظارات الطبية، ورحل!
وكان أشد الناس فرحاً برحيلها، والدها، فقد نفقت واحدة، وبقيت أربع.
*******************
أخذها زوجها ومنذ اليوم الأول لكل الأماكن التي ترغب بها! لكن لا بحر! لا ماء، لا سباحة! وبطبيعة الأمر لم تكن هناك بوابة. كان ينقص هديل شيئا. لكنها لم تكن لتعترف. وهو لم يكن ليطلب شيئاً. في الشهر الثاني أيضاً لم تطلب. في الشهر الثالث طلبت أن يأخذها إلى البحر. اتسعت ابتسامته كثيراً، وقال بأنه سيأخذها إلى البحر، ولكن ليس الآن، فهي غير جاهزة. أخبرته بأنها تعرف السباحة، فأخبرها بأن السباحة، هنا، ليست كل شيء. هديل، هزت برأسها، موافقة. في اليوم السابع من شهر القمح، أخذها إلى البحر، وقال لها: هذا شاطئٌ للعراة، أنا أخلع ثيابي، وأنت تفعلين مثلي، الكل هنا يفعل هكذا، "أوكي"؟ هديل التي لم يرَ أحدٌ جسدها قبلاً، تعرت، بأمره.
********************
في السنة الثانية عرفنا. كان قد مضى على عودة هديل، ستة أشهر. ولم نكن نعلم. فالناس يتكتمون في مثل هذه الحالات. يكره الناس في عالمنا، الطلاق. أشرف قال لي يوماً، الطلاق أمر مشترك، لكن الناس في بلادنا يرمونه على الفتاة فحسب، ولماذا؟ لأنها الأضعف، ولأنهم يريدون أن يرموا اللائمة. ابتسمت ببلاهة وقتها، فأنا لم أكن أعرف من الطلاق إلا اسمه.
هديل طلقها زوجها. وأعادها إلى بيت أهلها. عند الباب -المفترض أنه صديقها(اي الباب)- صفعها والدها، "لماذا عدتِ؟". ابتلعت الصفعة بصمت، دخلت إلى خبئ النساء في بيتهم. والدها سمع القصة منها. كيف أن أحد الصحافيين شاهد جسدها العاري، فصوره، دون علم أحد، وأشركه في مسابقة لأجمل أجساد الشواطئ في العالم. فاز الجسد وطلّقت هديل. زوجها "السمسونايل" تبرئ من العار وأرسلها إلى بيت أهلها.
والدها قال: كل المشكلة من البحر! وصفعها من جديد.
*********************
أتريد أن تعلّمني الحقيقة؟
لا تتعب نفسك!
أنا لا أرى الشيء من خلالك،
بل أراك فقط خلال الشيء.
(فريدريش فون شيلر)
*********************
كان أمراً مختلفاً، كنت أتعرف عليها لأول مرة، في حفلة. مختلفةٌ عني، لا تحبب أحداً إلا بمقدارما تقدر على حبه. لميس أرادت أن تريني عالماً آخراً، بي. الحفلة التي دعيتُ إليها كانت شيئاً مختلفاً. تعرفت بلميس يومها. ساحة واسعة للرقص. راقصٌ وراقصة، وأضواءٌ خافتة. وأمراٌ حميم لم أستطع أبداً أنا أن أتحمله أو أقبله. ليلتها خرجت لميس من كل الأقبية، لتفتح لي عالمها. ولم تعد!
*********************
كانا يذوبان مع بعضهما، هكذا أسرّت لي لميس. أخبرتني أنها تتمنى أن تتسلقها يده، كما تسللت بحرية في ظهر مراقصته الحميمة. أنامل الراقصة تتناول خيطاً وهمياً، تلاعبه، والرقص يتصاعد بوتيرته. لميس التي خافت بداخلي واختبأت فجأة. كانت تطل برأسها بين الفينة والأخرى. لكن الرغبة بأن تكون الأخرى لازمتها. وأنا التي لا دخل لها بالأمر، استكنت، بصبرٍ وآناة أخذت أصغي لتأوهات لميس.
لم تعرف لميس النوم ليلتها. ليلتها كذلك، ساد الصمت كل الأماكن في عالم لميس!
********************
أطرقتُ أصغي للصوت الجديد بداخلي. ولادة أنثاي أنا، تتعرى خجلاً، ووقاحةً في آن. عالم لميس يفتح أبوابه ويولد. أبنيته تشهق، وضحكاته لا تعرف الخجل. كانت تمسك بيدي لترشدني إلى الأماكن في عالمها. هنا نهر "ديوتيما" وهناك مسرى "دونيو" وامرأة بلباسٍ فرعوني، همست لي لميس بأنها "كليو" ولكنها لا تحب أن يناديها أحد. فالملكات بلا أسماء. لميس التي أمسكت بيدي، أجلستني على ضفة النهر، وقالت، اليوم في يوم النهر، أجلسك، كي تكوني أنتِ أنا، ونتبادل كل شيء، حتى أرواحنا، دون "حجر الفلاسفة".
لم تكن لميس خائفةً من أبي، ولا من نظرات الآخرين. ولا حتى من طبيب الأسنان.
(تشيلر من أشهر الشعراء الألمان وأكثرهم غزارة.
ديوتيما: الكاهنة التي علّمت سقراط الحكمة.
دونيو: الإسم مأخوذ من رائعة راينر ماريا ريلكه-الشاعر الألماني- "مراثي دونيو").








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب