الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة الفيديوهات وبيع الأوهام حين يُستَغَلُّ الإعلام العمومي كملحقٍ انتخابوي لثنائية المال والسلطة .

محمد أمين وشن

2025 / 3 / 25
السياسة والعلاقات الدولية


" حين تتحول الحقيقة إلى بضاعة ، يصبح الكذب عملة رائجة "
من روح الفكر الماركسي النقدي


في لحظة سياسية فارقة، بين شظايا الأزمات الاجتماعية المتراكمة وضيق عيش المواطن الكادح ، تطلع علينا إحدى قنواتنا العمومية بما يشبه الكوميديا السوداء ، فيديو دعائي فاخر ، مصقول كواجهة متجر رأسمالي ، يبيع لنا إنجازات حكومية "وهمية " يفترضون أنها الممر السحري نحو " المغرب الذي يريدون ترؤس حكومته سنة 2030 "، حيث يضيفون بخفة لا تخلو من تبجح "وما زال طموحنا أكبر ". لكن أي طموح أكبر هذا يتحدثون عنه ، هل طموحهم الذي يُشَيَّد على ركام الحاجات الاجتماعية المهدورة ؟ أم ذاك الذي يبنونه على أنقاض المدرسة العمومية، والمستشفى المريض، والشباب العاطل، والأسرة التي تكافح لسد رمقها أمام أعينهم الجاحظة التي لا ترى فيها سوى رقمًا انتخابويًا مؤجلًا إلى حين ؟

لقد بات جليًا أن الحكومة ، التي من المفترض أن تُقدّم حصيلتها للشعب داخل المؤسسات الدستورية ، اختارت أن تتوارى خلف حجاب الإعلام العمومي ، مستعملةً إياه كملحق انتخابوي لا كمنبر لخدمة الصالح العام ، أو مكان للبوليميك السياسي بين الأغلبية و المعارضة حتّى ، والأدهى من ذلك أن هذه "الإنجازات الكبرى" الذين يريدون إدخالها لرؤوس المغاربة قبل عقول مريديهم هي في الأُسِّ قفزات ظرفية، وأمجاد رياضية، لا علاقة لها بسياسات الحكومة، بل بجهد أبناء هذا الشعب الذي تريد هذه الحكومة ذاتها سرقته في وضح النهار و تحويله إلى واجهة تجميل.

و ها هي حكومة الثلاثي المتحالف، التي نتجت أسفا عن تحالف المصالح لا البرامج، تحاول التسابق لتثبيت أقدامها لولاية حكومية قادمة وهي في حلمها واهمة ، مستعملةً الشعار الوطني والمونديال في عملية "ركمجة" مكشوفة على موجة الظرفية. في تعبير صريح على أن من يُفلس في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، لا يجد بُدًّا من تسويق الأوهام وصرف أنظار المواطنين عن جراحهم ومعاناتهم اليومية التي يتكبدونها جراء ضعف قدرتهم الشرائية التي تسبب فيها تضارب المصالح ، و غلاء أسعار المحروقات ، و رفض تشغيل مصفاة لاسامير ، و غيرها ..... ، مما أدى إلى ارتفاع تسلسلي في كل المواد الاستهلاكية خاصة تلك التي يستعملها المواطن البسيط في معيشه اليومي .
إننا أمام مشهد كلاسيكي، تكرّر عبر التاريخ فالأوليغارشيا الاقتصادية التي لم تكتفِ بخنق السوق، بل مدت يدها لتُطبق على صوت الإعلام الحر ، على القرار السياسي النبيل ، وعلى أدوات صناعة الوعي الجماعي ، و هي نفسها الحلقة المُفرغة التي طالما حذر منها الفكر التقدمي ، حين تتحوّل السلطة التنفيذية من راعٍ للمصلحة العامة إلى جهاز موضوع في خدمة القلة ، حيث تتزين بشعارات فارغة، وتنفق من جيب المواطن على حملاتها التنميقية .
و لعل السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه على كل القوى الديمقراطية الحية والتي من واحبها الأخلاقي الترافع بشأنه ، هو بأي حق تم تمويل هذه الفيديوهات من المال العام ؟ وأين هي مبادئ الشفافية ، وتكافؤ الفرص ، والمحاسبة التي طالما تغنّى بها الخطاب الحكومي الرسمي ؟

فحين تُهمّش المعارضة، وتُختزل الأدوار الدستورية للمؤسسات في خطابات جوفاء لا تجيب عن انتظارات الشعب بأي حال من الأحوال ، بل وتسيء لصورة المؤسسة الدستورية و أدوارها ، و لا تتماهى و الخطابات الملكية السامية الداعية غير ما مرة إلى برلمان فعال ، نزيه ، ملتزم بمصلحة المواطن ، منتصر لها، متجاوز للممارسات الشعبوية ، والتسيير الموسمي المناسباتي .

وهو الأمر الذي أصبح يثير النقاش حول طبيعة هذه الحكومة نفسها ، هل نحن اليوم أمام حكومة همها مراعاة مصالح عموم المواطنين وهذا و بالنظر لنتائج سياستها العمومية أمر نستبعده على كل حال ، أم أمام جهاز بيروقراطي يعيد إنتاج هيمنة الأقلية الممسكة بالثروة و السياسة و الإعلام ، والمتحكمة في مسار الانتخابات قبل أوانها ؟

لقد أضحى الإعلام العمومي رهينةً للولاءات السياسية والمالية، لا صدًى لصوت الشعب و لعل ما يجري اليوم يذكرنا بتحليل ماركس حين قال: "الطبقة التي تملك وسائل الإنتاج، تملك وسائل إنتاج الأفكار " ، وها نحن نرى يا حسرتاه كيف تُنتَج الأفكار في هذا الوطن أفكارٌ معلبة، شعارات مُسطحة، وصور تُصاغ لإخفاء التفاوتات الطبقية، لا لتقليصها .
لكن شعبا بأكمله لا يمكن أن يُخدر بالصور إلى الأبد ، فالأزمات العميقة لا تعالج بمساحيق إعلامية ، والعدالة الاجتماعية لا تأتي عبر إنجازات مونديالية ، بل عبر خيارات سياسية واضحة و ملموسة في توزيع الثروة ، في تجديد نموذج التنمية ، وفي رد الاعتبار للمدرسة والمستشفى ، والكرامة المواطِنة ، و العدالة الاجتماعية و المجالية ...
إن القوى اليسارية والديمقراطية اليوم ، ومعها كل القوى الحية في المجتمع، مدعوة إلى فضح هذا النهج التنميقي الذي تنتجه حكومة الأوليغارشيا ، والدفاع عن دولة المؤسسات الحقيقية، حيث تُطرح الحصيلة داخل قبة البرلمان لا عبر شريط ممول من جيوب المواطنين، حيث يُحترم ذكاء الشعب ولا يُستغفل .
و ختاما، لا بد أن نعيد للذاكرة بيت المتنبي العظيم :
"ما كل ما يتمنى المرء يدركه ** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"
أما نحن، فرياحنا نريدها عاصفة تهب من أجل الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية ، لا مجرد نسمات تريد و فقط تجميل وجه الأوليغارشيا الحاكمة ، و إثارة الغبار لحجب حقيقتهم عن شعب خبرهم لما يربو الأربع سنوات الا القليل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عراقجي في الصين ومحادثات إيرانية - أميركية السبت ...ما فرص ا


.. فرق الإطفاء تسابق الزمن لإخماد حرائق الغابات في نيوجيرسي الت




.. محمود عباس يسب حماس بلفظ لاذع بسبب الرهائن.. ما الرد المتوقع


.. كابوس الانهيار يهدد بريطانيا.. فهل تسقط عن عرشها كقوة عظمى؟




.. خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول توسيع العملية العسكرية ف