الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غورباتشوفية؟

أوزجان يشار

2025 / 3 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


منذ صعود دونالد ترامب إلى ساحة السياسة الأمريكية، لم تعد السياسة مجرّد إدارة حكومية أو تنافس حزبي، بل تحوّلت إلى ساحة صدام هوياتي وثقافي عميق. ترامب، الذي دخل البيت الأبيض تحت شعار “إعادة أمريكا إلى عظمتها”، لم يكن مجرّد رجل أعمال استثنائي أو شخصية خارجة عن المألوف، بل بدا وكأنه تجسيد حيّ لتيار أمريكي قديم طالما اختبأ خلف أقنعة بيضاء… وها هو الآن يخلعها بجرأة صارخة.

جذور رجل… وظلال تاريخ

ترامب لا يمكن فهمه خارج سياقه التاريخي، فهو ابنٌ لطبقة بيضاء محافظة، تنتمي شعوريًا إلى أمريكا ما قبل الحقوق المدنية، تلك التي كانت فيها السيطرة الاقتصادية والثقافية والسياسية بيد الرجل الأبيض الأنجلوساكسوني البروتستانتي. هذه الهوية المهتزّة وجدت في ترامب صوتها الانتقامي، وأصبح هو الناطق باسم “القلق الأبيض” في وجه ما يعتبره أنصاره “غزواً ديموغرافياً” من قبل المهاجرين والملونين والنساء.

خطابه السياسي الذي يهاجم الأقليات، خاصة من أمريكا اللاتينية والمسلمين، لم يكن عشوائيًا أو ناتجًا عن زلات لسان، بل جاء ممنهجًا ومدروسًا لاستثارة القاعدة الشعبية الغاضبة، تلك التي تشعر أنها تخسر امتيازاتها في مجتمع يتحوّل ديموغرافيًا وثقافيًا.

العدوّ الداخلي: الديمقراطيون كمرآة للكراهية

العداء الشرس الذي يبديه ترامب تجاه الحزب الديمقراطي ليس خلافًا أيديولوجيًا بقدر ما هو صراع وجودي مع تمثيلهم للتنوع العرقي والجندري في أمريكا. فقد بلغت حربه الرمزية ذروتها مع الرئيس السابق باراك أوباما، حين قاد حملة “birther” المشككة في جنسيته الأمريكية، وكرر مواقفه العدائية من شخصيات ديمقراطية أخرى مثل كامالا هاريس، التي تعكس بتعدديتها وجرأتها كل ما يكرهه ترامب في “أمريكا الجديدة”.

أما النساء، فغالبًا ما كنّ هدفًا لتصريحاته المستفزة، التي لا تعبّر فقط عن ذكورية مفرطة، بل عن رفض عميق لصعود المرأة كلاعب مستقل في الحياة العامة.

أمريكا العظيمة… أم أمريكا المتخيلة؟

شعار “Make America Great Again” بدا وكأنه نداء نوستالجي إلى ماضٍ لم يكن يومًا عادلًا أو شاملًا. فالسياسات الاقتصادية لترامب، رغم ادّعائها دعم الطبقة العاملة، صبّت في صالح الأثرياء وخفضت الضرائب على الشركات، دون إصلاح جذري للاقتصاد الحقيقي. الحرب التجارية مع الصين أضرت بالمزارعين والصناعات، وتضخّمت الديون العامة بشكل غير مسبوق.

كل هذا يجعل من خطاب “العظمة” مجرّد غطاء على واقع اقتصادي هش، ومحاولة لتشتيت الانتباه من خلال إطلاق تصريحات مثيرة حول ضم كندا أو غرينلاند أو تحويل غزة إلى منطقة اقتصادية!

السياسة الخارجية: تصادم بدل تحالف

على المستوى الدولي، أعاد ترامب تعريف موقع أمريكا عبر الانسحاب من الاتفاقات البيئية والتجارية والثقافية، وتبنّي سياسة “أمريكا أولًا” بنسختها الأحادية العنيفة. اصطدم بالحلفاء التقليديين في أوروبا، وفتح جبهات اقتصادية وسياسية مع الصين، مما زاد من عزلة بلاده، وأضعف دورها القيادي العالمي.

إن استمراره في هذا النهج قد يُعجّل بتفكك التحالف الغربي، ويفسح المجال لصعود قوى بديلة على الساحة الدولية.

هل تتفكك أمريكا؟

ربما تبدو فكرة تفكك الولايات المتحدة ضربًا من الخيال، لكن ما تشهده بعض الولايات الليبرالية مثل كاليفورنيا ونيويورك من رفض متصاعد للسلطة الفيدرالية، وإطلاق مبادرات سياسية واقتصادية خاصة، يثير التساؤلات. بل إن حركات رمزية مثل “Calexit” أو “Texit” تعبّر عن تململ داخلي قد يتعاظم إذا استمرت الفوضى السياسية والانقسام الثقافي.

قد لا يكون ترامب هو غورباتشوف الذي يُعلن نهاية أمريكا بصوت واضح، لكنه قد يكون ذلك السياسي الذي زرع بذور الشك في وحدة البلاد، وأعاد فتح الجرح التاريخي الذي حاولت أمريكا نسيانه.

هل يحمي الدستور البلاد؟

الدستور الأمريكي، بثقله التاريخي ومبدأ الفصل بين السلطات، يظلّ حصنًا نظريًا ضدّ الانهيار. فالقضاء المستقل، والانتخابات اللامركزية، وقوة الصحافة والمجتمع المدني، كلها عوامل تعزز صمود الاتحاد.

لكن الأزمة الحقيقية تكمن في تآكل الثقة، فإذا انهارت القيم المشتركة بين المواطنين، فلن تحميهم القوانين وحدها. فالديمقراطية ليست نصوصًا فقط، بل عقد اجتماعي وروحي لا بد أن يُجدد.

خاتمة: ترامب كأعراض أزمة أمة

دونالد ترامب ليس مرضًا فرديًا، بل أعراض أزمة وجودية تعصف بأمريكا منذ عقود. هو ابن الخوف، وربيب الغضب، وصوت لأولئك الذين يعتقدون أن التاريخ سرق منهم بلدهم. فإن لم تجد أمريكا قيادة تنقذها من هذا الانقسام، فإن شعارات العظمة قد تتحوّل إلى مرثية وطن يتداعى تحت وطأة الكراهية والارتباك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عراقجي في الصين ومحادثات إيرانية - أميركية السبت ...ما فرص ا


.. فرق الإطفاء تسابق الزمن لإخماد حرائق الغابات في نيوجيرسي الت




.. محمود عباس يسب حماس بلفظ لاذع بسبب الرهائن.. ما الرد المتوقع


.. كابوس الانهيار يهدد بريطانيا.. فهل تسقط عن عرشها كقوة عظمى؟




.. خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول توسيع العملية العسكرية ف