الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عناصر منفصمة...3

محمد الإحسايني

2007 / 1 / 18
الادب والفن


محمد الإحسايني
عناصر منفصمة
رواية
3
لسان الشهوة يلتهمك أكثر من المرض عاجلك الله بالقتل
"مسعودة"

ارتقى الدرج في خفة، وقفت مسعودة مشدوهة لحركته غير العادية. أحياناً يحتاج إلى من يسانده في ارتقاء الدرج.
أي نسمة من نسمات المحيط اخترقت الجدران الأندلسية المبلطة بالفسيفساء لتستقر في خياشيمه إلى حد القيء؟
الزيتون الأسود، الدومينو، أوراق الخزامى اليابسة، صور متناثرة لبريجيت باردو في أوضاع عارية، أسطوانات قديمة لمطربين من الشرق ... من يجمع بين هذه العناصر وتلك؟
يمتزج في أعماقه هذا الخليط، ثم ينفصم عنه انفصاما فلا يبقى منه إلا الشكل، أو أثر مرور رغباته.
اندلف إلى غرفة النوم. غيثة ممددة، جسم لدن عاجي، تسلل على أصابع قدميه. دس رأسه بين شعرها: هذا الشعر العنبري فقد هو أيضا طعمه، كأنه أثر بعد عين، يأفل إلى النسيان، لا يتذكره إلا عند النوم، التغزل به أصبح مملاً. تململت غيثة تتمتم:
- إليك عني... ثمل دائما أنت، أفرغ أولاً ما في معدتك ! وجرت إليها الغطاء.
زوجة سائقه، جميلة فاتنة اللحاظ، ذات صدر واقف، صامد أمام حوادث الأيام، إلا أمام نداء الهوى. هذا ما كان يود أن يقنع به نفسه. توسلت إليه: " حرام، سيدي الباشا، إني متزوجة ". حاولت الهروب منه إلى النافذة. هل يسترخص الإنسان عهداً قطعه على نفسه ؟ ! ألم يدرك ذلك في الضابطة السرية؟ علقوا الفدائيين أمام ناظريه. لا واحد منهم كشف عن الخلية ! النافذة أغلقها قبل أن تجيء إليه. قاومت هي إلحاحه ! لم تنل منه المقاومة. ثم رفعت إليه رأسها، طرحت الخجل جانباً: الموت، ولا هذا الخزي ! ثم بصقت عليه. قابل الإهانة بالمراودة الفاضحة، مسترسلاً في غيه: أنت أعظم أن تدنسك يد سائق ! اقتربي، فهاجمها...
جلست تسند رأسها على ركبتيها، مشكلة منهما هرماً احاطتهما بذراعيها في تلفيفة عجيبة، حتى لا ينفك الرباط، ثم انخرطت في النحيب. ما تصنع بالمضمة الذهبية !
تركت كل شيء يسقط على أرضية الصالة، حتى الخمار، ثم غادرت جواره.
رفع الزوج دعوى شرف ضده. تلقى المسؤولون " الميساج" طردوه من الباشوية. لا تزال الدعوى جارية منذ سنوات في المحكمة.
خرج من عند غيتة ، وجد مسعودة تهم بمساعدته على إزالة البذلة، قالت له، بعد أن جردته من البذلة والقميص، ورباط العنق:
- لم يبق إلا الملابس الداخلية.
انبطح على الأريكة، جسم مترهل، حيث راحت تدهن صدره بالمرهم المركب من عناصر محرقة وكان قد وصف له ضد الروماتزم. المرأة هي المرأة، الانقياد لحرارة يدين سمراوين يرغمه على تلبية نداء رغباته. نسي مرضه المزمن، تملكته عزيمة على الإثم، باح لها:
- أريدك الليلة.
- لماذا الليلة فقط؟.. قف عند حدك...
في عنفوان النشوة، جرها إليه. سمعها تهمهم في استسلام:
- لسان الشهوة يلتهمك أكثر من المرض، عاجلك الله بالقتل.إنك لا تتبدل !
- لن أقف عند هذا الحد، لكنني سأتعقل هذه المرة.
ذلك كان رده، ثم أطفأت النور لتسبح سمرتها في الظلام.
كان يأتيها المرة تلو الأخرى. تكتفي هي بممارسة سلطة سيدة من النبلاء عليه لفترة محددة، وعندما تفتح عينيها في عالم الحاضر، تجده يهمس إليها: " ليس لدي ما أعظك به أكثر من الإنصات لنداءات جسدك. إن حكمته بسيطة، ومنطقه واضح بيّن، يلازمك منذ الطفولة، فبوحي لي برغبته، فهي اللغة الوحيدة لهذا الجسد ! " لثمت شفتيه في امتنان:
- إنك مبالغ !
دخل غرفة غيتة. بعد ذلك، انبطح على السرير، أدار ظهره إليها، تلمسته عبثاً كأنها افتقدته في حلم، ثم دفع عنه يدها في تؤدة: " ما أكثر الأعداء المتربصين حتى في الحلم ! "
يتمدد بارك ليوطي منبطحاً، ليعكس امتداداً منزوعاً من قلب آنفا المجيدة. سمعتهم يقولون: إن السهل الممتد نحو الشرق تنتقل منه إلى عهد قريب، القوافل المتجهة إلى مراكش. وينبثق تمثال مجادة المارشال النحاسي شاهداً على الاغتصاب أمام مبني المصالح البلدية، في حين يتأكد الاحتلال بالجبص فقط في تمثالين لفارسين أحدهما فرنسي يرفع حصانه رأسه عالياً وثانيهما مغربي يطأطىء حصانه رأسه إلى الأسفل. الفارسان يتصافحان. وفي قاعدة التمثال: "اعتقاد قلبي مطلق أن أفضل حكم يصلح للمغرب هو الخضوع للاحتلال الفرنسي !"
انعطف وإياها إلى مقعد خال في البارك، تركها تسترد منه يدها . فلما اعتدلا في المقعد سألته:
- سوف تتركني وحيدة أحيا حلقة مفرغة.
تمتمت شفتاه؛ وهو يعاقر كأس حبه الأول:
- حقا، إننا ندفع بأنفسنا إلى نهاية الملل.
وكأنما هي تخاف أن تغيبه الأيام، فراحت تمحضه النصيحة:
- إياك أن تتردى في منتهى القبح والرداءة !
سألته؛ وكأنما انفلتت من لسانها هذه العبارة :
- أصحيح أنك مدفوع إلى السفر لطلب العلم؟
أجابها إجابة الواثق بمقصده:
- طبعاً؛ كمُلت عندي كل الحوافز.
منت نفسها رغم الفترة الطويلة التي تستغرقها الدراسة:
- نحن مدعوون إلى الخروج من هذا الصمت الكئيب الذي يخيم علينا.
انحنى على وجنتها في جرأة، حاول ضمها إليه، لكنها أبعدته بدافع خفي، لم تكن تدري، لا هي، ولا هو، كنهه، ولا كيف انبعث من كيانها فجأة؛ ثم عادت تمسك بيده فجأة، محتفظة بإبائها:
- حميد: هل إذا عظم شأنك لدى الخاصة والعامة، ورجع إليك الناس في كل الأمور، تنساني، وتنسى الدرب؟
أطرق إلى الأرض يتأمل مغزى كلماتها؛ سارحاً ببصره في بهاء البارك وهندسة نباتاته. ثم أعادت عليه قولها ثانية وثالثة... توسل إليها في وله؛ يتذوق نعمة الهوى لأول مرة:
- صدقيني، إن عناقاً حاراً ينسيني حتى نفسي.
ثم مر في حركة لا واعية بشفتيه على وجنتها...
استفاقت من أحلامها تردد:
- اطلب العلم لذات العلم، لا لمنحة جارية بالمقابل !
تلك هي رابحة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة جيجي زايد شقيقة الفنانة الراحلة معالي زايد


.. راجع اللغة العربية في ساعة.. أقوى مراجعة لمادة اللغة العربية




.. تغطية خاصة من حفل افتتاح الدورة السابعة والسبعين لمهرجان كان


.. حول العالم | موسيقى فريدة بأنامل أطفال مكفوفين في تايلاند




.. الدورة الـ 77 من مهرجان كان السينمائي.. ما أبرز ملامحها وأهم