الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في العراق... أسطرة المفهوم -1

علي وتوت

2007 / 1 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


من موريتانيا في أقصى الغرب الأفريقي وحتى الصين في الشرق الأبعد، لا يزال الاستبداد في السلطة، وشخصنتها في معظم الأحيان، يشكل العبء الأكبر الذي تنوء بحمله المجتمعات، والذي يعوق عملية الإصلاح السياسي للأنظمة الشمولية والدكتاتورية.
وإذا ما كان (فرانسيس فوكوياما) قد أعلن نهاية التاريخ بمعناه الأيديولوجي، وقرر بزوغ شمس اللبرالية والديمقراطية على أرض البسيطة... كأفضل السبل لرخاء الأفراد والمجتمع، فإن الديمقراطية تصبح أشبه بفعل دراماتيكي في المجتمعات التي درجت على دخول عصر اللبرالية بدون استحقاقاتها. وفي هذا الشأن تبدو الحالة العراقية مثلاً جلياً.
فلا شك أن تغييراً كبيراً حصل بسقوط رمز الدكتاتور في ساحة الفردوس بوسط بغداد، لكنه حصل بفعل متغير جلل هو الآخر ممثلاً بـ (الاحتلال). إذ لم يفلح العراقيون على الرغم من نضالهم الطويل وانتفاضاتهم المتكررة وتضحياتهم الكبيرة (تشهد بذلك مقابرهم الجماعية في الشمال والجنوب) من إسقاط النظام الدكتاتوري الصدامي البغيض. لكن الاحتلال (الأنكلو – أمريكي) للعراق كان ثمناً باهضاً لخلاص العراقيين من الدكتاتورية. فهل وافق العراقيون على استبدال الحكم القمعي المرعب الذي كان يجثم على قلوبهم سنين طويلة بالاحتلال الذي صار واضحاً بأنه يجثم على قلوبهم أيضاً ؟ أم إن هذا التساؤل غير واقعي بالأساس، فالجلي في هذا الشأن أن العراقيين في كلا الحالتين لم يكونوا يملكون الخيار ليقرروا ماذا يريدون وماذا يفعلون ؟
ويفترض المشهد السياسي الشائك في العراق إلماماً بمنظومة الديمقراطية وآلياتها الحداثية، لكنه بالمقابل يفترض رؤيةً واقعية للمتغير الأشد تأثيراً في واقع العملية السياسية متمثلاً بواقع الوجود الأمريكي البريطاني على الأرض العراقية. وبغض النظر هنا عن الآراء التي تدافع عن هذا الوجود الأمريكي البريطاني في العراق، أو تلك التي تهاجمه بشدة، فإن لهذا الوجود فاعليةً وتأثيراً لا يقل كثيراً عن الحجم الذي يقدره كثيرٌ من المحللين للوجود العراقي، مثلما هو مقارب لما تصوره بعض الفضائيات العربية.
لقد كان العراق ثاني دولة في الشرق باعتماده التغيير - بعد أفغانستان- وذلك بعد سقوط دولته الهشة بالإحتلال الأمريكي والبريطاني وباقي دول التحالف، ومن ثم توزع الجماعات العراقية وفق معايير ((جديدة/قديمة)) وإعادة تشكيل تحالفاتها، ومن ثم نكوص الأفراد في هذه الجماعات إلى هويات ضيقة (طائفية وأثنية ودينية) بعيدة عن الهوية الأوسع (العراقية). فما الذي جعل حس الولاء لدى الأفراد في العراق يتراجع إلى جماعاتهم التقليدية (دين، طائفة، أثنية) ؟ هل هو محاولة إعادة بناء الولاءات وفق منظومة مغايرة تعتمد بناء الولاءات الضيقة والصعود منها لتشكيل الانتماء الأوسع ؟ أم إن توجهات إدارة الاحتلال والقوى المستفيدة من فدرلة وتقسيم الجماعة العراقية هي من عزز الولاءات الضيقة ؟
فوفقاً للمتغيرات السياسية، ظل سائداً لوقت طويل سابق، في أوساط المشتغلين بالتنمية المستدامة، أن تفوق الحداثة هو أمر بديهي وميسور، وأنها ستُخرِج السمات التقليدية والعوامل الأزلية للتكوينات المجتمعية، ومن ثم ستُحِّل محلّها أسس عقلية ومشتركات المصلحة المشتركة التي تنهض عليها العلاقات الاجتماعية. وهكذا فإن الملامح الحديثة ستخمد الانتماءات الضيقة (الأثنية والدينية والطائفية). إذْ ستتوحد هذه المجموعات (الأثنية والدينية والطائفية) في سياق أكثر شمولاً للدولة الوطنية الحديثة.

يقرر نجوجي Ngugi (أنثروبولوجي غاني) أن الهويات القبلية أو الأثنية ليست هي ما يناسب اللحظة السياسية الراهنة المتمثلة بالدولة. ولكن لاشك أن ما حدث خلال العقود التالية من تعثر آليات التنمية قد أوجد مجموعة إشكاليات للدولة الحديثة في المجتمعات التقليدية ومنها العراق. ذلك أن الجماعات والتنوعات والهيئات الاجتماعية هي تنظيمات اجتماعية تقليدية تفتقد الحداثة. وكما نعلم فإن مشروع الدولة الوطنية هو منظومة حداثية ابتداءً !!.
إذ ظل التأثير الفاعل لجماعة العشيرة ـ ومن ثم القبيلة ـ سائداً بفعل عدم إنضاج مفهوم التحضر من قبل الدولة العراقية الراحلة، فعلى الرغم من أن مشروع الدولة الراحلة قد فشل بالكامل بعد انتحارها بسرعة مرعبة على أيدي قوات الاحتلال (والذي ظل يناقض تشبث حكام هذه الدولة بتاريخها الطويل !!). فمن الواضح أن حدود الجغرافيا الوطنية غير واضح لغاية الآن لدى فئةٍ كبيرة من الجماعات العراقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24