الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيل 57 بدايات الواقعية الليبية

أحمد الفيتوري

2007 / 1 / 19
الادب والفن


بدأت القصة الوا قعية الليبية مع المتغيرات التى ظهرت بوتيرة متسارعة فى واقع هذا الكيان ، وفى القصة العربية التى أخذت منحا واقعيا برز فيه الكتاب المصريين وخاصة " يوسف إدريس " سيد المشهد .
وقد بدأت هذه القصة بالقطيعة ؛ لقد طلع جيل يكتب القصة الواقعية وكأنه كان على اتفاق و هو الذى يمكن أن نسميه [جيل 57] فلقد بدأ نتاجه مع نهاية الخمسينات ، وكان من أبرز هم : كامل المقهور / خليفة التكبالى / رمضان عبدالله بوخيط / احمد ابراهيم الفقيه / ويوسف الشريف الذى يعلل هذا المنحى الجديد للقصة الليبية بأن : " الاختلاف فى المعالجة والاختلاف فى التناول والاختلاف فى الشكل ، أدى بالمحاولات غير الناضجة والأعمال التى أطلق عليها أصحابها عنوة قصصا قصيرة ذات يوم من الأيام الى ان تشطب من القصة وتنسحب من تلقأ نفسها من الميدان فاختفت وأصبحت كأن لم تكن ، أما الأمر بالنسبة للكتاب الشباب الذين بدأوا بعد سنة [ 1957 م ] فيختلف عن سابقيهم غاية الاختلاف ، ان القصة عند هؤلاء جاءت واقفة على قدميها منذ البداية وجاءت ظلال المنهجية تفوح من معظم أعمالهم الأدبية ، فاكتسبوا نصيبا وافرا من الجدية وحظا لا يستهان به من الموقف وقسطا من المعاناة الصادقة " .
ان هؤلاء الكتاب بدأوا الكتابة مع تحول هام طرأ على هذا المجتمع البدوي الذى شكل دولة أسميت ليبيا وبدأ النفط ملمحها ، فى الوقت الذى درس هؤلاء الكتاب أكاديميا فى الجامعات وأطلعوا على النتاجات الإبداعية المترجمة وغير المترجمة والعربية ،وحيث كان الطرح القومي التحرري يكشف عن الأشكال القائم بين الحلم والواقع ،وكانت القصة القصيرة قد حققت نقلة نوعية تكنيكيا وتنوعا زاخرا وتأثرا بالغا بعلم الاجتماع والتحليل النفسي والسينما والفنون التشكيلية … الخ ؛ كان هؤلاء الكتاب فى علاقة ذات حساسية عالية مع ما طرأ ولهذا أخذ كل واحد منهم ينظر للقصة القصيرة ويطرح رؤيته لتغيير الواقع ، وفى الوقت الذى يبدعون فيه أعمالهم القصصية يكتبون النقد ؛ نقد أعمالهم ،كل يكتب حول الآخر .
ويعللون أفضلية هذا الجنس الأدبي ويبررون هيمنته وضرورة تطويره ، ويقول الأستاذ كامل المقهور : " إن تجربتنا فى القصة حديثة ، بدأت حينما اكتشفنا إنساننافى ليبيا ، ليس كنموذج ، كشريحة فى العمل كعينة من أصناف المواد التى تعبأ فىالعلب مع المرطبات وصناديق الشاى وقنينات الخمور المغشوشة ، بل حدثناه أول ما عرفناه ونحن نخوض مع تجربته الإنسانية فى الوقوف ضد القوى التى حاولت أن تصده كحيوان برى غير مروض ، صنع حياته الحديثة عن عفوية وبغريزة طبيعية ، فصنعنا أشكالنا بعفوية وبموهبة حقيقية ، وبعدنا آنذاك عن أشكال الثابة والقوالب المصنوعة وتركنا الإنسان يصنع شكل قصته بل أننا تعثرنا فى الشكل واللغة والحوار ، لأن إنساننا كان يتعثر آنذاك فى مجتمعه وفى لغته ويختلف حتى فى حواره " .
لقد بدأ هؤلاء الكتاب يظهرون فى خارطة انقلابية تتعقد وتغتني ولكنها تتحول وتتغير بشكل يطرح فى الظاهر وجدانا ورؤية متغيرة ، ولهذا بدأ استشرافهم للواقع الاجتماعي هو الهاجس المهيمن على كتاباتهم وعلى رؤيتهم . إنهم أبناء لمجتمع جديد وبلد يظهر لأول مرة على الخارطة ، لهذا كانوا يرون أعمالهم باعتبارها الواقع الفنى وأحيانا هى الواقع لهذا كان الانعكاس عندهم ضرورة قبل أن يكون شرطا فنيا ، وبذا اهتم أغلبهم بالنماذج الشعبية والقضايا الاجتماعية ، وأخذت القصة تتطور بين أيديهم نتاجا لموهبتهم الفاعلة والأكثر حيوية ، هذه الموهبة التى كانت أكثر فاعلية من رؤيتهم ولعل الوتيرة السريعة ( والمتغضنة ) للمتغير الاجتماعي كان الحافز القوى لهذه الموهبة - القدرة الفنية الكامنة - فى أن تبدع فنا مفارقا لطرحهم النظري .ّّ
ونلاحظ أن هذا المجتمع المتغير وهذا الكيان الجديد ( مشكل الهوية ) ما جعل كاتب هو ( عبدالله القويرى ) يؤخذ بالجانب النظري فى ضرورة الإبداع ، وأهميه الكتابة القصصية حتى وهو يكتب هذه القصة التى أثقلت بالأشكال فكانت عملا ذهنيا محملا بقضايا هذا الطرح وهذا المتغير الجديد أكثر منها عملا قصصيا إبداعيا جديدا ، مما ساهم فى غموض الطرح النظري وفى إرباك العمل الإبداعي .
وهو يرى أن هذا المجتمع ( لم يكن يهتم بالأدب ) وأن من يهتم ( فهم الفئة الجديدة أو الفئة الصاعدة أو الطامحة الى التغيير ، هى تراه وتفهمه فهو المعبر عنها ، والممهد لها ، ومكتشف النفوس حولها ) ، إنه يرى الأدب كحاجة وليس كضرورة ، ولهذا حاول أن يعمل كل جهده على إيجاد هذه الحاجة ، فعمل على تحليل الواقع وكتابة القصة الواقعية ، حاول أن يضع تصورا لهذا الكيان وأن يؤطره وأن يكتب الفن الذى يبين خصوصيته ، وكان فى ذلك يدمج بين التجربة الذاتية وتجربة الوطن ، فهو مهاجر مولود فى بيئة اجتماعية أخرى وعائد الى هذا الوطن هذا الوطن الكيان الجديد الذى حاول فى كتابه ( معنى الكيان ) البحث عن معنى له . إن عبد الله القويرى وهو يحلل ويدرس يكتب السيرة الذاتية لهذا الوطن / الكيان !، وهو يبدع ويكتب قصصه كان يكتب سيرته -سيرة عبدالله القويرى - الذاتية : ( والصغار حملؤ العبء من أجل لقمة الخبز وكان النشاط فى أي مكان وبأية وسيلة للحياة فمثلها الحياة صعبة وقاسية أثناء الحرب بل أشد قسوة وصعوبة ، إن الجروح والنفوس تستيقظ والرغبات تتصارع والمعاني تبنى من جديد والتقاليد تستعيد سيطرتها ، فكان اتجاهي للصغار إذ كنت أرى حركتهم فى الطرقات وأمام المقاهي بداية لحركة فى وطني وأخذا للمسؤلية باكرا كانت قصة " سلم راجلها " هى أول قصة كتبتها ، فكانت بداية جديدة لعناء إ نسان لا يمل أن يبدأ كل مرة من جديد ) .
وهكذا يبدو أن الاستثنائي يحكم الظاهرة ، فبداية القصة القصيرة بداية لظهور كيان جديد هو ( الوطن ) لمجتمع متغير، وفى هذا الوقت كانت الكتابات القصصية تتصاعد فى قفزات بيانية والشخصيات لا تأخذ أبعاد نموها الكامل ولم يتمكن الفنان أن يمنحها تنوعها ويجعلها نماذج غنية ، وكانت اللغة فقيرة لأنها محملة بالقضايا والإشكاليات الخارجة عن العمل الفنى ، أما الحوار فكان حوارا ذهنيا معباء بالمشكل ومستبعدا للوجدان الذى كان فى طور التغير .
ومع هذه البدايات الأولى للقصة الليبية القصيرة التى بدأت بدايات لانهاية لها بدأ تحول هام يطرأ ويعيد تشكيل الأوليات ؛ فإذا كانت ليبيا قد رسمت خارطتها : إمبراطورية الرمال أو أنها صحراء مدى البصر وبعض الظلال ( الواحات ) ؛ واحات ساحلية مخرمة بأكواخ الزنك ، فاءن هذا التحول الهام والطارئ هو تفجر الصحراء بينابيع النفط الذى دفع المجتمع المتغير الى متغيرات أخرى بوتيرة أسرع ، لهذا أخذ جيل 57 يطرح تصوراته لبنية جديدة للقصة القصيرة وللعلائق الفنية وللعلاقة بالواقع ،ويقول عبدالله رمضان بوخيط : " لابد أن تعكس القصة الليبية القصيرة فى هذه الآونة من تاريخ الحركة الأدبية الواقع الاجتماعي لحركة جماهيرنا . ان الالتزام بتعرية الواقع والكشف عن الصراعات الحادثة فيه هى اليوم من مهمة الكاتب ، وإن حاجتنا الى المزيد من الارتباط بقضايا الشعب والكشف عنها سلبا وإيجابا ، لنحدد بذلك قطاعات شعبنا من خلال تركيبه الاجتماعي الجديد ،والمصحوب بعلاقات إنتاج جديدة ، لعل من أبرزها صناعة البترول ، بذلك كله يمكن اعتباره من أولى مهام رواد القصة فى ليبيا " .
ويبدو وكأن القاص يبحث عن دور فى مجتمع متغير ، هذا القاص الذى تفرض عليه إشكالات قبل أن يدرك من هو ؟ وماهى أدواته لإدراك مشكل الماهوية ؟ … ؟… ؟ .
لقد كانت الشخصية الأولى أو البطل هو المتغيرالأجتماعى ، التحولات الأنقلابية ، وكان القاص هامش هذا المتن . لهذا كان التمرد الذى وسم قصص خليفة التكبالى يختفى فى المعالجة الذهنية لقصص عبدالله القويرى .لكن نتاج ذلك كله أن الحدث هو البطل وهو سر القصة وبنياتها السردية عند الصادق النيهوم الذى استعار التهكم الشعبي أو رومانسية خليفة الفاخرى الشعرية أو محاولات يوسف الشريف أن يكون البطل هو الشخصية أو عند احمد ابراهيم الفقيه لبذى كان همه الحبكة القصصية أو عبدالله بوخيط وأجوائه الغائمة ، عند كل هؤلاء وغيرهم كان الحدث البطل ، بل الحدث هو القصة القصيرة الليبية أو أنه كان القصة ؛ قصة كيان بلا ضفاف !! .
ملاحظة : هذه المقالة كتبت عام 1984 م في السجن ودون مراجع ، ولم يتم تغيير فيها فهي وثيقة أكثر منها دراسة مدققة ، وقد نشرت في مجلة : النوافير " ، كنا نصدرها في السجن من نسخة واحدة ومن ورق السجائر السلوفان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب