الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف العراقي وتحديات المرحلة الراهنة

ناصرعمران الموسوي

2007 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


تعني الثقافة في ما تعنيه ، المنظومة الضخمة من الافكار والمباديء والعقائد والسلوك وهي محور لتفاعل كل تلك المكونات المشكلة من عناصر مبلورة وفق اهداف وغايات تتماشى بشكل مطرد مع السائد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا حينا ، وبشكل مضاد حينا اخر ، مع جملة من تلك العناصر ، وخلاصته هي واحدة من اهم مركبات دفع التفاعل السلوكي البشري نحو ذرى الانسانية والتحضر ، وهي مثلما تكون سلوك وتصرف تكون وظيفة . وهذا مايشير اليه (انطونيوغرامشي ) في كتابه ( دفاتر السجن ) الذي يقول فيه ان كل الناس مثقفون لكن لايمارس كل الناس وظيفة المثقفين ، وبمحاولة ( غرامشي ) لبناء تشكيلة ثقافية كاملة تدور بكليتيها حول المحور الاجتماعي ، فهو يقسم الذين يمارسون الوظيفة الثقافية الى قسمين :
1- المثقف التقليدي : وهو المثقف المحدد والمحجم والمرتبط دائما بغايات محددة وبها يواصل عمله في ظل الاشياء نفسها كلمعلم والاداري ورجل الدين .
2- المثقف العضوي : وهو المثقف المرتبط بالمجتمع على نحو فعال وهو الاداة المحركة لتغيير العقول وتوسيع الاسواق وادخال النهج الاصلاحي في تقليدية متخمة بالركود .
على ضوء ذلك فالثقافة مرآة تعكس الى حد ما درجة تطور المجتمع . وفي زمن تقول فيه فوهات المدافع والبنادق وعربات (الهامر) والطائرات الشبحية التي ترى بالعين المجردة او تلك التي لاترى ، وسوى كانت بهذا الوصف او بذاك الوصف فأن ــ القائد الضرورة اوفى بعهده ــ فحصلت الفة غريبة بين رعاة الماشية وطائرات الشبح . فكلما اشتاق الى رؤيتها اهدته عربون تعارف ناري ، وهذا جزء من ثقافة الحروب ، ثقافة ارتباط هذه المخلوقات الحربية بالدماء فماذا يستطيع المثقف ان يفعل حين تكون العلاقات النارية مستمرة تتبعها بعد ذلك ثقافات العربات المفخخة والاغتيالات بالهوية والخطف والسرقة وليس انتهاءا بالاغتصاب وقطع الرؤوس . كل هذه النيران اكتوى بها المثقف ماديا ومعنويا وهو الخارج من حربين وحصار عاث كالارضة في جسد المجتمع العراقي . المثقف وحده القادر على ان تتسع فضاءاته ليستوعب كل تلك الجراح والالام والدموع .
ماذا يمكن ان تخلف الحروب ، سواء اكنت خاسرا او منتصرا ! وحده المثقف استعرض مخلوقات الحروب طوابير اراملها وثكالاها ويتاماها والمعاقين فيها ومزيدا من دمارها وحرائقها ، كل ذلك عرضه المثقف كبطاقة تعريف حقيقية لواقع الحروب التي يحاول امراؤها وملوكها ان يقدموها ببطاقة اخرى ، فكثيرا ماقدموها لشعوبهم بأعتبارها ( نصر من الله وفتح قريب ) او دفاعا عن بوابات شرقية او غربية .. او اشياء اخرى . لكن المثقف وحده من تفاعل في مختبراتها دخل دهاليزها المظلمة ، عانى ، تألم ، صرخ ، فهب بعد كل ذلك بعاصفة مدمرة كشفت وتكشف لرأي العام عنجهية الحروب ومروجيها . قد يقول قائل ان كثير من المثقفين كانوا بوقها وتاجها ورتاجها ، فنقول نعم ، هناك منهم عرابوا حروب فمن الذي جعل بابل تنهض من جديد بدماء مستمرة ( من نبوخذ نصر الى صدام حسين ) ومن الذي جعل ( رمية القائد المنتصر مسددة بتوفيق من الله ) ( ومارميت اذ رميت ولكن الله رمى ) . وكنا نعتقد بأن القائد رام ٍ من نوع خاص الا ان هذا الرامي الاستثنائي لم يكن سوى (جؤذر ) ، هذا الجؤذر لم يكن سوى نمرا ورقيا خلقه المرتزقة والاتنهازيون وسفاحوا الليالي المظلمة ، الذين قدر لهم ان يتحكموا بمصير العراق ، العراق الذي قيل قديما بأنه ساحة لرواج الافكار والثقافات بل منتجع لتفعيل هذه الثقافات والافكار .
والعراقي قاريء بالفطرة ارتباطه بها وثيق فليس ببعيد ان تكون ارض العراق منبر الحرف الكوني الاول ، ورائد الشعر الحديث وصاحب المعلقات الخالدة ، لايمكن لثقافة ولدت في رحم حضارة الا ان تكون بمستوى تحديات المراحل التي مرت والمراحل الراهنة .
ماذا يمكن ان تقدم الثقافة الان ، وهي رغم تنسمها للحرية الا ان فضاءاتها مازالت محاصرة بأدران المراحل السابقة اضافة لترسبات الواقع السياسي العالمي الذي انعكس بشكل كبير على الساحة العراقية ، فظل العراق ساحة للمزايدات وتصفية الحسابات ، ومسيرة من المعارك بالنيابة عن الاخرين حتى انه اصبح عالميا ساحة لقتال الارهاب والارهابيين .
فلم يدم حلم سقوط نظام صدام الفاشي بتلك الوردية الزاهية فأصبحت الوان هذا الحلم فاقعة حين تداخلت الاوراق بين المحتل والمحرر وبين المستعمر والمتعتق من عبودية سنوات طويلة ، مالذي ستقوله الثقافات ومالذي سيقوم به المثقف العضوي ــ حسب الفهم الغرامشي ـــ ان المثقف في المرحلة التاريخية الحالية وتحدياتها يجب ان يفهم التاريخ كخطوة للانسانية حسب مفهوم ( هيغل ) لاخليط مظلم من افعال عنيفة غير واعية ، واذا تم فهم التاريخ بهذه الكيفية فأننا نحتاج الى مران حقيقي في دعم واقعنا الحالي ، وعلى المثقف ان يكون صوته هادرا في جلبة اصوات عديدة ـــ صوت المحتل ، الايديولوجيات السياسية ، الهة الديانات الجديدة ، ستراتيجيات الدول المجاورة ــ حتى يصل صوته الى اذن المواطن العراقي المثقف فطريا والذي يميز الغث من السمين بخاصة انه الان في خضم صياغة وثيقة من اخطر الوثائق واهمها في حياته والتي من خلالها سيلغي عهود كثيرة كانت تسجل بأسماء كثيرة غير العراق ، ان العراقي له تجربته والمثقف العراقي له تجربته والمعادلة تكتمل لتكون تجربة ثقافية عراقية تستوعب المرحلة الراهنة تحقق كينونتها واتنمائها بعيدا عن دكتاتورية السياسي والمؤسسات السلطوية التي عانت منها الثقافة العراقية ردحا طويلا من الزمن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ترجح موسكو كفة البرهان في حربه ضد قوات الدعم السريع؟ | ال


.. مراسم إحياء الذكرى الـ80 لإنزال النورماندي: وصول الملك البري




.. كلمة ملك بريطانيا تشارلز الثالث في مراسم إحياء الذكرى الـ 80


.. إحياء الذكرى الثمانين لإنزال قوات الحلفاء في النورماندي




.. الإمارات: منفذ مالي لدول قابعة تحت العقوبات الغربية؟ • فرانس