الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التيه العراقي، إلى أين؟

نجيب المدفعي

2007 / 1 / 20
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تتصاعد في يومنا هذا صيحات الفرز الطائفي في العراق، و كلٌ يـُضفي على الطرف الأخر ما عنّ له من صفات. و المتأمل للمشهد لا يجد سببا منطقيا لمثل هذا الفرز، خاصة على مستوى المواطن العادي الذي لا يجد ما يدفعه لنبذ شريك العمر أو جاره أو صديقه لأسباب لا تهمه في شيء. و مع ذلك نجد مَنْ يـُصر على دفع الناس للاصطفاف خلافا لقناعتهم. و المراقب يستطيع أن يعزو الأمر لصراع أكبر من مجرد مخاوف حقيقية تتنازع الفرد العراقي البسيط.

يمتاز العراق بموقع فريد، يقع على حدود أمم عُرفت على مدى التاريخ بالتنازع للسيطرة على هذه الأرض الخصيبة. فمنذ عهد بعيد كان النزاع الفارسي-الروماني و من ثم الساساني-البيزنطي يتمثل على أرض العراق بأشياع لهذا الطرف أو ذاك، كالمناذرة الذين مثلوا الساسانيين في وجه الغساسنة ممثلي البيزنطيين. لكن ما أسس لصراع بين طائفتين مسلمتين و من ثم امتداده المعاصر هو الصراع الإيراني-التركي. فمنذ سقوط بغداد في قبضة الشاه إسماعيل عام (1508)، احتدم صراع سُـخـّر لأغراضه الدين بصيغته الطائفية للسيطرة على وادي الرافدين. يقول لونكريك في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث- ترجمة: جعفر الخياط) عن اتخاذ السلطان سليم الأول مهمة الدفاع عن أهل السُـنة ذريعة للدخول في الحرب ضد الشاه طهماسب:" ولذلك كانت بطولة القضية السُـنية أول حجة يتذرع بها سليم لإعلان الحرب. و مهما كان الأمر فإن التصادم بين الدولتين كان لا بد منه".

و تترى الأيام و نصل إلى منتصف القرن العشرين حيث نجد أن حدة مثل هذا الطرح قد خفتت، و ليبرز إلى الواجهة صراع ذو غطاء سياسي بين جناح يساري و أخر يميني و هو في واقعه انعكاس لفورة الحرب الباردة على الداخل العراقي. و هو ما أدى إلى سلسلة من الأحداث عصفت بالعراق منذ الرابع عشر من تموز1958 و لم تنته تداعياتها حتى يومنا هذا. و في هذه الفترة قدّم العراق نفسه كنائب عن المجتمع " الدولي" في مواجهة ساخنة مع إيران على مدى ثمان سنوات، لا ناقة للعراقيين فيها و لا جمل. بدليل نهايتها التي لم تختلف عن بدايتها. و هي كحدث تـُجسد صراعا دوليا و إقليميا تطوعت القيادة العراقية لتحمّـُله.

و اليوم يتكرر المشهد، فالمطلوب من العراقيين التصدي ـ بالنيابة ـ لصراعات إقليمية و دولية لا ناقة لهم فيها و لا جمل. فالقضية الفلسطينية و مستلزمات حلها تستلزم تنفيسا للاحتقانات الناشئة عنها على أرض العراق، و الصراع مع الإرهاب الدولي يراد له أن يستمر على أرض العراق، و النزاع مع إيران حول برنامجها النووي يراد له أن يتم على أرض العراق. و الغريب أن خطاب الحكومة العراقية يتبنى مثل هكذا مفهوم، خاصة في ما يتعلق بمحاربة الإرهاب نيابة عن العالم " المتمدن".

ما الذي يضيرنا لو نتعلم درسا من الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، عندما وجد نفسه في وسط ساحة للتراشق الإعلامي بين العراق و إسرائيل في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب العراقية-الإيرانية. و أدرك أن الصدام المسلح في ما لو حدث بين الطرفين فستكون الأردن ساحة له مع ما يستجلبه من عواقب وخيمة على بلده. فكان تحركه الدءوب في رحلات مكوكية بين بغداد و عمان، و لينجح في إقناع صدام حسين بأن العدو الحقيقي هو الكويت وليس إسرائيل. و هو أمر يستحق عليه الإعجاب، رغم ما جره علينا ـ نحن العراقيين ـ من ويلات، لأنه نجح في تجنيب بلده كارثة كتلك التي حلت بالكويت.

السؤال ما الذي يجعل العراقيين هم الأكثر استعدادا ـ بين شعوب المنطقة ـ لتقبل تصفية حسابات الآخرين على أرضهم و على حساب مصلحتهم الذاتية. هل هي قلة عقل منهم؟ أم هم كما يقول المثل العراقي (شيّم الإعرُبي و أُخذ عباته) و لا نقول غيرها. يقول الدكتور علي الوردي في كتابه (دراسة في طبيعة المجتمع العراقي):" قد يجوز أن نصف الشعب العراقي بأنه شعب حائر، فقد انفتح أمامه طريقان (يقصد البداوة و الحضارة) و هو مضطر أن يسير فيهما في آن واحد. فهو يمشي في هذا الطريق حينا ثم يعود ليمشي في الطريق الآخر حينا آخر". و يبدو أن العراقيين على رأي الوردي حائرون بين العديد من الأشياء، و ليس البداوة و الحضارة فقط. و عندما تكون الحيرة في صيغة الحوار و التفاعل الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي و حتى الديني، فهي ظاهرة ايجابية. إلا أن التحول إلى إمـّعات تتجاذبنا الصيحات من هذا الطرف أو ذاك، سيجعلنا كمثل ذاك " الإعرُبي" مرارا و تكرارا، و هو أمر فيه نظر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأحزاب الانفصالية في كتالونيا تخسر الأغلبية في الانتخابات ا


.. بلينكن: الاجتياح الواسع لرفح سيزرع الفوضى ولن يؤدي إلى القضا




.. ترقب في إسرائيل لأمر جديد من محكمة العدل الدولية في قضية الإ


.. طائرتان مسيرتان عبرتا من لبنان إلى إسرائيل وانفجرتا في منطقة




.. الإعلام العبري يرصد التوتر المتصاعد بين إسرائيل والولايات ال