الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طائر الشقراق ( قصة قصيرة)

سيد كاظم القريشي

2025 / 4 / 15
الادب والفن


*طائر الشقراق*
(قصة قصيرة)

سيد كاظم القريشي


كان الحرم الجامعي هادئًا ذلك الصباح، كأن الزمن قد أثقل على الأشجار الباسقة التي وقفت متراصةً، حانية أغصانها تحت وطأة الغيم الرمادي والريح الجنوبية. ممرات الحرم العتيقة، التي اعتدتُ السير فيها لسنوات، تلمع تحت بقايا المطر الليلي. كنتُ أمشي ببطء، أبحث بين الأغصان المتشابكة عن ظلٍّ أزرق مألوف.

أين أنتَ اليوم، أيها الطائر؟ أهذا الغياب نهائي، أم أن للقدر رأيًا آخر؟

استوقفتني هذه الفكرة، فتذكرتُ ما قاله ماركيز: "الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، إنما هي ما يتذكره، وكيف يتذكره ليحكيه." أكان الشقراق مجرد طائرٍ عابرٍ في سماء الجامعة، أم أنه بات جزءًا من حكايتي التي لم تنتهِ بعد؟

في سنوات البكالوريوس، كان الحرم الجامعي مشرقًا، والسماء صافية كأنها امتدادٌ للحلم. الأشجار، المتنوعة بين النخيل والسدر والصفصاف والنارنج والتوت البرّي، تنبض بالحياة، وكأنها تبارك خطوات الطلاب المتحمسين. كنتُ أجلس على العشب أراجع محاضراتي حين لمحتُه لأول مرة—طائرٌ أزرق، جميلٌ كحلمٍ يرفرف في بحر السماوات.

ـ هل رأيته؟
سألتُ صديقي، الذي كان منشغلًا بتقليب صفحات كتابه.

ـ من؟
أجاب دون اهتمام.
ـ الشقراق... طائرٌ أزرق غريب، يطير بين الأشجار كلما مررتُ هنا.
ضحك وقال:
ـ ربما مغرم بك ويراقبك

ابتسمتُ وأنا أتأمل الطائر الذي كان يطير بحرية، لا يعبأ إلا بالريح. حينها، لم أكن أعلم أن هذا الكائن الصغير سيصبح جزءًا من أيامي، رمزًا لكل لحظة تأمل، لكل حلم كنتُ أخشى أن يتلاشى.

في مرحلة الماجستير، لم تعد الأشجار مبهجة كما كانت، بل صارت ظلًّا أحتمي به من ضغوط البحث والكتابة. كنتُ أجلس على مقعد حجري، محاطًا بأوراقٍ تملؤها التعليقات، حين رأيته يحطّ قريبًا مني.
نظرتُ إليه وقلتُ بصوت خافت، وكأنني أحدّث صديقًا قديمًا:
ـ أتعرف، أيها الطائر، أحيانًا أشعر أنني فقدتُ شغفي.

رفرف بجناحيه قليلًا، كأنه يردّ عليّ، أو ربما يذكرني بما قاله ساراماغو: "التوقف عن الحلم هو كالتوقف عن الحياة."

كان الشقراق هناك في كل مرة كنتُ أحتاج فيها إلى إشارة، إلى ما يشبه رسالة خفية تقول: "لا تستسلم بعد."

الآن، بعد سنوات، أقف في المكان نفسه، تحت الأشجار التي حفظت همساتنا الصامتة. لكنني لا أرى الطائر. أبحث عنه في الأغصان، في الفراغ الممتد بين السماء والأشجار، في أثر الريح بين الأوراق.

تذكرتُ ما قاله دوستويفسكي: "الأماكن القديمة تحمل روح من مرّوا بها."

وربما لم يكن الشقراق سوى مرآةٌ لروحي، ظلٌّ للأيام التي قضيتها هنا، وللأحلام التي حلّقتُ بها عاليًا. ربما لم يعد هنا بجسده، لكنه يسكن الذاكرة، يحلّق في فضاءات القلب، في ذلك الأزرق الذي ما زال يملأني كلما نظرتُ إلى السماء.

أغمضتُ عيني للحظة، تخيلتُه من جديد، جناحاه اللامعان يعكسان ضوء الربيع، يحلق بحرية فوق الأشجار، كما كنتُ أحلم دائمًا.

*١٤ إبريل ٢٠٢٥*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | تغييرات في قواعد الأوسكار تسبب صدمة.. ما القصة؟


.. إلزام رسمي لأعضاء أكاديمية الأوسكار لمشاهدة الأفلام قبل التص




.. كلمة أخيرة - أنوشكا جبارة.. اعرف رأي النجم كريم فهمي في الف


.. كلمة أخيرة - لولا الفنان خالد سليم مكانش حد حب فارس أبو الع




.. إسعاف.. أول فيلم عربي بتقنية -أي ماكس-