الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب غزة وعصر التنوير المؤجل

عاهد صبحي حلس

2025 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


ليست حرب غزة مجرد لحظة عابرة من الألم والمعاناة، بل قد تكون منعطفًا تاريخيًا يؤذن بولادة وعي جديد، لو توفرت له شروط المراجعة لا شروط المناكفة. إنها ليست فقط حربًا بالسلاح، بل صدمة وجودية عميقة كشفت هشاشة البنية العقلية للعالم العربي، وجعلت من الأسئلة القديمة أكثر إلحاحًا:
ما العلاقة بين الدين والعقل؟
هل النص الغيبي يُلغي الفعل العقلي أم يستدعيه؟
ما حدود المقاومة، هل تقاس عظمتها بقدر ما تقدمه من دملء ام بقدر ما تحققه من اهداف ؟
هل الغرب كيان منافق أم نموذج حضاري علينا تفكيكه لا استعداؤه؟
وما موقعنا – نحن العرب – من هذا كله؟

هذه الحرب، رغم ما خلّفته من دمار هائل في غزة، ورغم ما فضحته من خذلان عربي وفقدان للتوازن الأخلاقي العالمي، تحمل في طياتها فرصة نادرة لمراجعة شاملة. لحظة من هذا النوع، بكل مأساويتها، تُعادل في عمقها الفلسفي ما مثّلته فتنة خلق القرآن في العصر العباسي من انفجار أسئلة كبرى أعادت تعريف العلاقة بين النص والعقل، والسلطة والحرية، والإيمان والتأويل.

لكن ما يُجهض هذه اللحظة ويجعلها عقيمة هو مناخ الرداءة الذي فرضته المناكفات الحزبية. لا تقتل هذه المناكفات إمكانية التأمل وحسب، بل تقود إلى حالة من الغباء الجماعي، حيث تُستبدل الأسئلة بالتخوين، والحوار بالتشويه، ويصبح الهدف ليس الفهم بل الانتصار على الخصم.
في هذا المناخ، يُتهم من انتقدوا هجوم السابع من أكتوبر بالجبن والخيانة، بل وبالحديث بلسان العدو، في حين يُتهم من اتخذوا قرار الهجوم بالتهور والغطرسة والتفريط بدماء المدنيين لأجندات حزبية أو إقليمية. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا من هذه التنميطات الساذجة.
فالمقاومون لم يجنوا مكسبًا شخصيًا،والمنتقدون لم يكونوا انهزاميين، بل عقلانيين يبحثون في العواقب، لا في الشعارات.

غياب التأمل الفلسفي لا يعني فقط أننا نُفوّت فرصة للمعرفة، بل يعني أننا نعيد إنتاج الخطأ ذاته، ونزرع البذور لمآسٍ قادمة.
ما نحتاجه ليس انتصار خطاب على آخر، بل انبثاق وعي يتجاوز هذا الانقسام الثنائي الذي يُجرّد الطرف الآخر من إنسانيته في سبيل إثبات “صوابية الذات”.

القرآن نفسه لم يكن نصًا يُكرّس المكابرة، بل حثّ على المراجعة، وأقسم بالنفس اللوامة التي تُعيد النظر في خطاياها لتتطهر منها. أين هذه النفس في واقعنا السياسي والفكري؟
أين لحظة الصدق مع الذات التي تقول: “أخطأنا، تعالوا نفكر من جديد”؟
التاريخ لا ينتظر، والدماء لا تُمحى بالشعارات، والمستقبل لا يُبنى إلا بأدوات تفكيك الحاضر.
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي للكاتب
أحمد التاوتي ( 2025 / 4 / 16 - 20:09 )
هي صدمة نتجت عن عدم تعلمنا من صدمة 67... و صدمة 67 نتيجة هي الأخرى لعدم تعلمنا من صدمة 48... و هذه أيضا نتيجة لتعنت سبقها.. و نحن اليوم إذا لم نتعلم من الصدمة الراهنة، فأهلا و مرحبا بصمة قادمة وشيكة. و هكذا، كل عام و نحن بخير مع كارما الصدمات

اخر الافلام

.. كانوا ينوون نقل الحقائق.. إسرائيل تمنع برلمانيين ومنتخبون فر


.. بوتين: لا نستبعد بحث مقترح تمديد وقف الهجمات على أهداف مدنية




.. وقع عليها 100 من رؤساء جامعات وكليات.. عريضة مشتركة تدين -ال


.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استهداف طيران إسرائيلي لسيارة جنوب ل




.. العاشرة | الضغوط الأميركية تنجح.. روسيا وأوكرانيا تتفقان على