الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعاً أَبا أَحمد: حين تغادرُنا الطُّيُورُ الأَصيلةُ بلا وداعٍ

محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)

2025 / 4 / 15
القضية الفلسطينية


في صمتٍ عميق، وبينما تسكننا الأوجاع التي لا تُرى، يأتي الحزن كريحٍ هوجاء تقتلع في طريقها كل ما نحب.

اليوم، نفتح أبواب الذكرى على مصراعيها، وننثر الحزن كأنه غيمٌ كثيف يغطّي سماء القلب.

رحل أبو أحمد، ذاك الذي كانت حياته نبراساً في الظلمة، وكان حلمه يشعّ في أفقٍ بعيد لا يسعه زمانٌ ولا مكان.

غادرنا كما يغادر الطير السماء، بلمحةٍ خاطفة، دون وداع، تاركاً وراءه فراغاً لا يُملأ.

نودّعه في صمتٍ، ونحاول أن نلمس أثره في كل زاوية من زوايا قلوبنا، ولكن الأثر أكبر من أن يُحتوى، والرحيل أكبر من أن نصدّقه.



حين يرحل الأحبة فجأة، دون أن نتحسّس مقدمات الرحيل، يُدرك القلب في صمتٍ لا مثيل له أن الزمان لا يرحم.

اليوم، نودّع عبدو صالح ذياب (أبا أحمد) من عشيرة عرب المواسي، الذي غادرنا كما تغادر الطيور السماء في صمتٍ قاتل، دون أن يترك وراءه سوى الذكرى.



إنه الرحيل الذي لا نملك له تفسيراً، ولا نملك حياله سوى الصمت.

لم يكن الموت في انتظاره، ولم يكن على البال أن يغادرنا بهذه السرعة، لكن القدر قرّر أن يأخذ أبا أحمد بعيداً عنا، في لحظةٍ خاطفة كأنها لم تكن.

منذ صغره، كان يحمل على عاتقه ثقل الزمان، مناضلاً في كل مراحل حياته، ولم يكن يتوقّع أن تُطفئه الحياة بتلك السرعة.



لقد قاوم الموت سنواتٍ طويلة، يواجهه كل يوم وكأنه يعيش لهدفٍ لا يُدرَك، لكن النهاية كانت أسرع مما توقعنا.

أغمض عينيه كما تُغمض الوردة التي نضجت في لحظة أخيرة، دون أن تدرك يدنا أن هذا الوداع قد جاء، ودون أن نعلم أن آخر ابتسامة له كانت هي الوداع الأخير.



يا أبا أحمد، كم كانت سرعتك كبيرة في الرحيل؟

هل كنت تشتاق إلى ولدك أحمد الذي رحل عنك منذ سنوات؟

أم أن فراقه كان ثقيلاً على قلبك، فقرّرت أن تذهب إليه في صمت؟

هل كنت تنتظر اللحظة التي تذوب فيها في أحزانه، كما يذوب الشمع في اللهب؟



كنت دائماً ذلك النور في الحياة المظلمة، تجسّد لنا الطمأنينة في زحمة الهموم، وقُوَّتُكَ كانت مَعلَماً لنا في هذه الدُّنيا الصَّعبةِ.

كنت الجسر بين الأمل واليأس، بين الحلم والواقع، بين البقاء والرحيل، لكنك غادرت قبل أن نُكمل الحكاية، غادرت دون أن نملك القدرة على أن نقول لك: انتظر.



يا أبا أحمد، كانت حياتك مليئة بالصعوبات التي تجاوزتها بحكمة، ولكنك لم تُمهلنا أن نودّعك.

كيف يمكن أن يفهم أحد أن قلبك الذي عاصر كل تلك الأوجاع سيرحل بهذه الطريقة؟

كيف يرحل المرء دون أن يعطينا فرصة لنستوعب أنه ذهب؟

لقد رحلت عنا، لكن كلماتك تبقى محفورة في قلوبنا، كأنها نُسجت لتظل هنا، رغم كل شيء.



كنت دائماً تعتقد أن الأوطان لا تموت، وأن الرجال يبقون في ذاكرة الأرض.

واليوم نردد كلماتك، ونجد أنفسنا في صراع مع الحزن الذي يعمّ قلوبنا، نكابر على واقع الرحيل الذي جاء بلا تحذير.

كيف نتقبّل هذا الفراق؟ كيف نحتمل أن يفارقنا من علمنا أن الحياة لا تكتمل دونهم؟



لقد نجوت من قسوة الحروب، وتجاوزت جحيم اللجوء، لكن الموت جاء سريعاً، بلا مقدمات.

لم يكن له وقت، فغادرتنا دون أن نتمكّن من الوداع.

كأنما الحياة كانت تريد أن تذكّرنا بأن الموت لا يحترم الحسابات، ولا ينتظر حتى تنتهي القصة.

حين تلتقي روحك بروح ولدك أحمد، ماذا ستقول له؟
هل ستخبره أن القدس ما زالت أسيرة؟
هل ستقول له إن الأمل في الوحدة صار سراباً في صحراء الخذلان؟
هل ستحدثه عن الخيانة التي تتفشى في كل زاوية، وعن الأوجاع التي تزداد ثقلاً فوق الأكتاف؟
هل ستقول له إن القدس تبكي على من خانها، وإن فلسطين تُباع في أسواق السياسة كما تُباع السلع؟
هل ستخبره أن الكلمة الطيبة صارت نادرة، وأن الأمل في غدٍ أفضل أصبح بعيد المنال؟
يا أبا أحمد، كيف سيكون كلامك؟ كيف سيكون حديثك عن عالمٍ تغيّر كثيراً ولم يَعد كما كان؟
كنت ترى في الظلام ضوءاً، وتؤمن أن النهاية قد تكون بداية جديدة، لكنك رحلت قبل أن نُنهي قراءة القصة.
سلامٌ عليك، يا من غادرت دون وداع، يا من كنت نبراساً في زمن الظلام.

نحن هنا، نردد كلماتك في قلوبنا، ننتظر من الحياة أن تمنحنا فرصة لاحتضان الذكرى التي تركتها.

فإن كانت فلسطين لم تمت، فإنها تنزف بصمت، كما ينزف جرحٌ قديم لا يُشفى.

وفي النهاية، تبقى الذكرى وحدها، كما تبقى الظلال التي تتسلل في ظلمة الليل تبحث عن ضوءٍ لا يأتي.

رحل أبو أحمد، لكن حزننا لن يغادر.

سيظل غيابه عميقاً في قلوبنا، كما تبقى الجراح التي لا تلتئم.

لقد ترك لنا فراغاً لا يُملأ، وجعل منا أسرى لذكراه، نعيش على أمل أن نلتقي يوماً في عالم لا يفصل بيننا وبين أحبّتنا.

ورغم كل شيء، نعلم أن الموت لا ينتظر أحداً، لكنه يترك وراءه أحزاناً تخلّد في قلوبنا، تذكّرنا دائماً أن الحياة لا تدوم، وأن الأحبّة يرحلون، لكنهم يظلون أحياء فينا، ما حيينا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد | دمار إثر المعارك في الخرطوم وأم درمان


.. لحظة قصف منزل لعائلة حرارة في حي التفاح بمدينة غزة




.. باكستان ترحل 100 ألف أفغاني نصفهم من الأطفال خلال 3 أسابيع


.. العالم الليلة | هيغسيث يُسرّب أسرار الحوثيين لزوجته وشقيقه..




.. خارج الصندوق| حماس تطرح حلاً جديدًا للهدنة في غزة.. وغليان ف