الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار و أسئلة الوحدة

محمد مجدى عبدالهادى

2007 / 1 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أصبحت قضية الوحدة القضية الأولى لليسار فى مصر ، بعد التراجع الكبير فى نفوذه منذ سنوات ، الأمر الذى زاد من الانتباه اليه نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة التى لم تسفر فقط عن تراجع قوى اليسار ، بل عن تقدم هائل حققته قوى الاسلام السياسى ، و هو الأمر الذى أثار الفزع فى الطليعة السياسية عامة ، و اليسارية خاصة ، و التى تلقت صدمات و ضربات موجعة ليس فقط بسبب فشل نضال أكثر من من مئة عام فى تحقيق تقدم حقيقى فى وعى الشعب ، بل أيضا بسبب المستقبل المظلم الذى ينتظر الدولة و المجتمع و الأمة اذا ما وصلت احدى الدينية المتطرفة الى سدة الحكم.

و لحيوية المسألة فلابد من تناولها شموليا ، عبر اسئلة العمل الخمسة ، فنسأل :

أولا : ما هى الوحدة؟ و هو سؤال الماهية.

ثانيا : لماذا الوحدة؟ و هو سؤال السبب.

ثالثا : متى الوحدة؟ و هو سؤال الزمان.

رابعا : أين الوحدة؟ و هو سؤال المكان.

خامسا و اخيرا : كيف الوحدة؟ و هو سؤال الكيفية.



أولا : ما هى الوحدة؟

----------------- و هى الوحدة التى ننشدها ، و المقصود نوعها و ليس معناها ، فهل الوحدة التى نطلبها وحدة تنظيمية ، و هى اعلى اشكال الوحدة و ابعدها عن الطموح فى المرحلى الحالية على الأقل ، ام وححدة حركية برنامجية ، ام وحدة ائتلافية حزبية ، أم مجرد وحدة تحالفية(بالمعنى الواسع للكلمة) ، أى وحدة تنسيقية حول قضايا جزئية محددة ، و هى ادنى أشكال الوحدة ، و أقربها الى الرفض

هذه هى انواع الوحدة من حيث الشكل ، أما من حيث المضمون ، و الذى يتطابق بالضرورة مع الشكل ، فقد تكون أنواع الوحدة كما يلى :

1- وحدة فى الاستراتيجية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ و هى تتطابق مع الوحدة التنظيمية

حيث تشكل الاستراتيجية الواحدة فى هذه الحالة برنامجا واحدا لتنظيم واحد يقف الجميع تحت رايته ؛ طالما الهدف واحد ، و خطة الوصول اليه واحدة ، فيصبح محتما فى هذه الحالة اكمال هذه الحلقة بحلقة اخرى بديهية هى وحدة التنظيم ، هذا التنظيم الذى يوحد الفعل السياسى عند مستوى التكتيك فى جدله الفاعل مع الاستراتيجية على طريق تحقيق الهدف.

و هذا الشكل هو اصعب اشكال الوحدة فى هذه المرحلة على الاقل ، خصوصا اذا ما نظرنا الى الخلافات الفكرية التى تعانيها القوى اليساريى ، ليس فى مصر وحدها ، بل فى العالم العربى كله ، حيث تسود خلافات كثيرة حول الكثير من القضايا ، اضافة الى خلافات منهجية ، و قضايا لم تحسم بعد ، نا هيك عن واقع لم يقرأ ، و لا تنسى طبعا الخلافات التاريخية ، بل و الشخصية!

و الممكن هو وحدة بعض التنظيمات المتفاربة ، بحيث يقل التشتت التنظيمى و الحركى نسبيا ، فتزداد فاعلية النضال و كفاءة التنظيم.

2-وحدة برنامجية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ و هى تتطابق مع الشكل الحركى

حيث تتكون حركة تجمع عضويتها بشكل فردى حول برنامج ، تحدد نقاطه بشكل توافقى ، و هو ذات المنهج الذى تكونت على اساسه حركات ككفاية و غيرها ، و هومنهج فاشل لن يتجاوز الاعلام و المظاهرات ، بلا عائد حقيقى على المدى البعيد ، فقد يحقق بعض المكاسب الصغيرة على المدى القصير ، و التى لا ننكر اهميتها ، و هو ما يناسب حركة شعبية واسعة ، و لنه يكون بلا قيمة بالنسبة لاستراتيجية يسارية ، تحتاج الى فعل تكتيكى مترابط ، و مبنى على منهج واحد ، و ليس الفعل العشوائى ، الموضوع دائما فى خانة رد الفعل ، و المرتبط باهداف توافقية توضع بالضرورة تحكما فى الواقع الذى لا يسير على خط مستقيم ، بل ان له جدله الخاص.

ان اى حركة يسارية بعيدة عن الصراع الطبقى هى حركة لا قيمة لها ، و على اليسار ترك المطالب الديموقراطية العامة للحركات الاخرى التى يشارك فيها بمفرداته ، فلا بأس بمشاركة هذه الحركات مطالبها هذه ، لكن لا يجوز ان تكون بذاتها اهدافه و لو مرحليا ، فى دولة ليس للديموقراطية الليبرالية فيها مستقبل ، ففى دولة ينزح فائض القيمة المنتج فيها الضئيل اصلا الى الخارج ، لا يكون من طريف الى التغيير الا الى اشتراكية او فاشية ، فالضرورة التاريخية تفرض مشوعا اشتراكيا فى مواجهة المروع الفاشى السلفى ، فاما الاستعداد ، و ترك الصغائر ، أو الدمار ، فالتاريخ لا يرحم.

2- وحدة استراتيجية جزئية مرحلية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تتسق مع الشكل الائتلافى للوحدة

حيث تتم الوحدة باجتماع مجموعة من الاحزاب و التنظيمات حول استراتيجية مرحلية تصل الى ابعد نقطة ممكنة فى الاتفاق ، و تضع فى الاعتبار الخلافات القريبة ، و تتجاهل الخلافات البعيدة ، جزئيا ، مع التخطيط المنهجى للتقارب باعادة قراءة الواقع المصرى و العربى بشكل مبدع و خلاق و شامل ، بعيدا عن اجترار مقولات سابقة نبتت فى واقع اخر ، و يتم ذلك عبر فتح حوار واسع تحتضنه مجلة نظرية واحدة تتبع مركز للدراسات لا يكون تابعا لحزب او تنظيم بعينه ، بل يفضل ان يكون مشتركا بين الجميع.

4-وحدة القضايا الجزئية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تتسق مع الشكل التنسيقى للوحدة

حيث يتم التنسيق بين الاحزاب و التنظيمات حول قضايا جزئية محددة ، و هو يقترب من الشكل الثانى للوحدة ، مع فارق انه يتم عن طريق التنظيمات و ليس الافراد ، و قد يتطور هذا الشكل ليصبح تحالفا حول برنامج ، مثلما هو الحال فى التحالف الاشتراكى وغيره من الاشكال المتكونة حديثا ، و هو يمثل نقطة جيدة للبدأ و التحرك.

# و اذا اعدنا ترتيب هذه الاشكال الخاصة بالوحدة ترتيبا تنازليا من حيث أيها الأفضل ، اى الأعلى فاعلية و الأكثر كفاءة ، فانها تكون التالى :

1- الوحدة التنظيمية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الحزب الثورى الواحد و الحركة الثورية الواحدة.

2- الوحدة الائتلافية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحزاب مترابطة و حركة ثورية متحدة.

3- الوحدة التحالفية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حركة سياسية واحدة و احزاب متشاركة.

--الوحدة التنسيقية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحزاب متنازعة.

4- الوحدة الحركية ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ حركة مهمشة.

- فالشكل الأول هو الأعلى فاعلية حيث تتحد الحركة الثورية بمجملها تحت قيادة حزب واحد ، يجيش كل القوى على هدف واحد و استراتيجية واحدة ، محققا اكبر كفاءة ممكنة فى استخدام القوى و الموارد المتوفرة.

- و الشكل الثانى ، يقل عنه كفاءة ، و ان قارعه فاعلية حتى مدى معين ، يفقد بعده قوته الدافعة ، فيتفكك ليبدأ الصراع.

- أما الشكل الثالث فيتفوق على الشكلين السابقين من حيث كونه الأكثر امكانا ، و يمكن أن يمثل نقطة جيدة للبدء ، على طريق الوحدة ، و الانتقال فيما بعد لأشكال أكثر رقيا ، تنتقل من الحركة السياسية الى الحركة الثورية ذات الدور التاريخى.

- و حسنا فعلت القوى اليسارية ببدءها من هذه النقطة ، حتى و ان كانت لم تصل اليها بشكل كامل ، اذ لازالت الاحزاب متفرقة عمليا ، و التحالف لا زال على المستويات القيادية ، فلم تختلط القواعد و تشتبك ، و التى يضمن تشابكها الطريق الوحيد و الصحيح الى وحدة راسخة الأركان ، تثبتها القواعد ، بعيدا خلافات القيادات و نزواتهم ، كما تفتح هذه القواعد الطريق الى التوافق عبر الحوار و النضال المشترك ، الذى عن طريق يتكشف الواقع بشكل يزيد الوحدة قوة ، بزيادة نقاط الاتفاق ، و بتعلم قبول الاختلافات ، لتكريس مبدأ التنوع فى الوحدة ، و الوحدة عبر التنوع.

فاذا كانت القوى اليسارية جادة فى وحدتها ، فعليها بفتح آفاق الوحدة على جميع المستويات التنظيمية ، و على رأسها القواعد ، و التى تتميز مفرداتها الشابة على مفردات القيادة الشائخة بعدم وجود ارث تاريخى من الصراعات و الحزازات أيا كان نوعها ، و ذلك فى الأغلب الأعم

- و هذه اجابة موجزة على سؤال الماهية



ثانيا : لماذا الوحدة ؟

------------------ كان الأحرى بنا أن يكون هذا السؤال هو أول الأسئلة ، و لكنى فضلت تأجيلة ؛ لأنه لم يعد السؤال الأهم فى هذه المرحلة ، خصوصا و أن اجابته قد تم ايجازها فى المقدمة ، أما السؤال المهم فهو كيف تكون الوحدة ؟ فليس المطلوب أى وحدة ، بل الشكل الأمثل تاريخيا ، أى الممكن الذى يقترب من الضرورى ، باعتبار السياسة جدلا بين الممكن و الضرورى.

نجيب هنا عن سؤال العلة بشكل أكثر تعمقا ، بعيدا عن النظر على المستوى السياسى ، فلننظر على المستوى التاريخى ، لنعرف السبب فيما نعيشه ، و الذى تطلب ما نحن بصدده من ضرورة الوحدة.

باختصار الاقتصاد المصرى اقتصاد تابع ، يدار وفقا لمصالح الرأسمال الغربى ، و ليس لصالح التقدم الداخلى ،هذا الاقتصاد القائم على جهاز انتاجى ضعيف الانتاجية ، ينتج فائض قيمة ضئيل بالضرورة - مما يقلل من امكانية رفع مستوى المعيشة – يتم تصدير جزء كبير منه الى الخارج وفق آليات التبعية الفاعلة فى النظام الاقتصادى بمجمله.

فائض القيمة هذا ، هو الذى يمكن عن طريقه فى حالة كبره تحقيق استقرار و توازن اقتصادى ، تقوم عليه ديموقراطية نسبية ، تتجسد فى ليبرالية سياسية تسمح بتداول محدود للسلطة فى حدود ادارة هذا الفائض.

فاذا كان هذا الفائض ضئيلا ؛ لضعف الطاقة الانتاجية ، و منتهبا ؛ بحكم التبعية و آلياتها ، فان مثل هذه الديموقراطية النسبية تكون غير ممكنة ، حيث فى حالة توافرها ، قد تؤدى بعض السياسات التى تفرضا الضرورات المعيشية للشعب الفقير الى خفض الربح المحقق من الاستثمارات ، أى تخفيض حوافز الاستثمار ، و بالتالى انهيار النمو أو ضعفه ، و من هنا العلاقة العكسية بين الديموقراطية كمتغير مستقل و النمو كمتغير تابع.

فى ظل هذا الوضع الذى ينطبق على مصر كما ينطبق على معظم دول العالم الثالث ، لا يغدو هناك من بديل للتغيير الا فى احد اتجاهين ، فى مقابل استمرار الوضع المرجعى(السائد).

هذان الاتجاهان هما :

1- الفاشية : و هى التى تعبر عن البرجوازية الصغيرة الساخطة ، و التى تثور دفاعا عن مستوى معيشتها الذى ينهار تدريجيا ، و قد تبلورت عندنا فى العالم العربى و الاسلامى فى الحركات السلفية و الأصولية(بالمعنى السياسى للكلمة و ليس المعنى العلمى) ، و هى التى يمكنها أن تكون فعالة كحركة صراع و ليس كحركة حكم( و هذا طبعا اذا لم تتغير طبيعتها فى الحكم).

2- الاشتراكية : حيث القطع مع النظام الرأسمالى التابع ، و الاستقلال عن رأس المال الامبريالى ، و اعادة بناء النظام الاجتماعى بمجمله بدءا من بنيته الاقتصادية.

هكذا يطرح التاريخ المسألة ، فاما القائم الذى سيقود الأمة الى الانقراض ، أو التغيير الذى ايا كان نوعه ، فانه سيكون أفضل من الوجهة التاريخية ، فحتى الخيار الفاشى يمكن أن ينقذ الأمة- تاريخيا ، فيتجاوز بها الهجمة الامبريالية الحالية ، جزئيا و مرحليا.

هذا اذا تحدثنا من الناحية الواقعية ، و فى ظل عدم الفعل الحالى ، أما اذا تحملنا مسئوليتنا كيسار اشتراكى ، فيمكن عندها مجابهة التاريخ بالاستجابة الصحيحة ، فعلينا كطليعة لهذه الأمة ان ننقذها ، و يبدأ هذا بتحويل الخيار الاشتراكى من الامكان بالقوة الى الامكان بالفعل.

هذا هو الذى يفرض علينا معاودة النضال ، و اعادة طرح المشوع الاشتراكى ببعده الوطنى القومى التحررى خصوصا ، فالمطلوب مشروع قومى و حضارى ، أى مشوع تاريخى ، و ليس مجرد مشروع سياسى جزئى، المطلوب هو نضال ثورى يهدف الى تجاوز القائم ، فهذا هو المطلوب عند المنعطفات التاريخية ، لا العمل السياسى المبتذل القائم على رد الفعل.

هذا هو ما يحتم الوحدة كبداية ، على طريق الوحدة الفعالة ، التى تجمع القوى لتحقيق الكفاءة ، و توحد الاستراتيجية لتحقيق الفاعلية ، الفاعلية التى تراعى التحدى التاريخى و تأخذه بالاعتبار ، لتنتقل من مجرد الفاعلية التنظيمية السياسية الى الفاعلية التاريخية ، فاعلية المواجهة و الصمود ، فى وجه التهديد الخارجى المدمر ، و البديل الداخلى المفزع ، فاعلية الثورة على واقع يقود تطوره الذاتى الى دمار الأمة ، و انعكاسه الممكن الى معارضة التاريخ.



ثالثا : متى الوحدة ؟

------------------ الآن الآن الآن

نعم ، فلم يعد هناك الكثير من الوقت للعبث ، و المتمعن فى التحليل الوارد فى اجابة السؤال السابق يمكنه أن يفهم لماذا هذا التأكيد على ضورة التعجيل من توحيد القوى و مركزتها و توجيهها وجهة واحدة ، بل ة الناظر نظرة سطحية عابرة لشارعنا السياسى ، و مناخنا الفكرى ، كلاهما يمكنه وعى هذا ، فالصراع المفترض بين المتنافسين على مستقبل هذا البلد الذى يشكل مركز العالم العربى ، الصراع على تحديد الطريق ، الصراع بين الفاشية و الاشتراكية ، نقول هذا الصراع تكاد تكون نتيجته محسومة فى ظل الواقع الراهن ، الذى يكتسح فيه الاسلام السياسى اليسار ، بحيث افتقد الأخير أى قوة حقيقية يحسب لها حساب ، و هو ما يحتم عليه العمل بأقصى ما يستطيع من قوة و سرعة من اجل استعادة نفوذه القديم ، و أخذ موقعه الحقيقى و السليم فى الصراع ، حتى يكون الصراع أكثر تكافئا ، و ليصبح على مستوى المسئولية التاريخية.



رابعا : أين الوحدة ؟

------------------ قد لا يبدو لهذا السؤال محلا من الاعراب اذا ما تعاملنا معه من منظور (الأمثل) ، فالأمثل هو الوحدة على جميع المستويات و فى جميع المواقع ، هذا هو الأفضل من منظور الأمثل الأعلى و الضرورى ، الأمثل من منظور عام و مجرد ، و لكن هناك أمثل آخر يتناسب مع الامكانات الواقعية ، فلكل واقع امثله الخاص به ، و هو الضرورى المتقاطع مع الممكن على أرض هذا الواقع.

و فى ظل الواقع الذى يحياه اليسار من ضعف و تشتت لكوادره القليلة أصلا ، يصبح لا مناص من توزيع القوى على المواقع التى يفرضها العمل دائما .

هذه المواقع تتوزع بشكل دائم بين :

مواقع المواجهة ــــــــــــــــــــــــ ضرورات الحاضر

،و مواقع البناء ــــــــــــــــــــــــ ضرورات المستقبل

، فالحاضر يفرض مواجهات لابد منها ، كذا المستقبل يتطلب بناءا و استعدادا.

و فى حالة مصر ، أورثنا التاريخ فارقا ضخما بين المركز و الأطراف ، فأصبحت القاهرة هى حقا (قاهرة المدن) ،كما لاحظ جمال حمدان القاهرة هى رمانة الميزان ، و الذى يسيطر عليها يسيطر على مصر ، و هكذا حكمت الجغرافيا السياسية و الاجتماعية لمصر بان نولى القاهرة اهتمامنا الأول ، مدخلين فى اعتبارنا عاملا آخر للعمل يضاف للعوامل التقليدية التى نركز عليها كيسار ، كالعامل الطبقى و الطائفى و الجنسى ، هو العامل الجغرافى.

ما يفرض علينا هذا التركيز على القاهرة هو المواجهة المفروضة ، و الصراع المنتظر ، فهكذا حتمت ضرورات الحاضر ( و المستقبل المبنى عليه بالضرورة ) تركيز القوى فى موقع المواجهة الأول ، بل الأساسى و الحاسم ، فباقى المواقع ليس لها قيمة حقيقية اذا ما قورنت بهذا الموقع ، و متطلبات المواجهة مع قوى الفاشية تفرض علينا تركيز قوانا فى هذا الموقع ، باعتباره الموقع الحاسم فى المواجهة ، و ربما أصبح واجبا على كل يسارى ان ينتقل الى القاهرة اذا امكنه هذا.

أما عن الأطراف ، ففيها يتم البناء للمستقبل ،حيث تعمل القوى المتبقية لليسار فى باقى المواقع ، ليس بغرض خوض المواجهة ، بل بالأساس لبناء القواعد الجماهيرية ، و بالطبع المواجهة مفروضة فى جميع الأحوال ، و لكن كما نعلم ، للون الواحد درجات ، حيث ستفرض الامكانات الفعلية و الهدف - بناء القواعد الجماهيرية – التركيز على المواقع التى لا يتواجد فيها او يضعف التأثير الأصولى و السلفى.

هذه الأطراف ستمثل قواعد الامداد و الخطوط الخلفية لقوى الخط الأول ، خط المواجهة ، فى القاهرة ، حيث الميدان الحقيقى للمعركة ، الميدان الذى ستحسم فيه معارك مصر و ربما الأمة العربية لأمد لا نعلمه ، كما ستمثل - هذه القواعد فى الأطراف – ضمانة التغيير فى المستقبل.



خامسا و أخيرا : كيف الوحدة ؟

----------------------------- هنا نجد السؤال الأهم ، وهو سؤال الكيفية ، و هو سؤال يمكن للقارئ المنتبه أن يجد اجابته فى اجابة السؤال الأول ، سؤال الماهية ، حيث تحثنا عن أشكال الوحدة ومضامينها ، و لهذا لا نركز هنا سوى على بعض المبادئ التى نراها محورية لأى عمل وحدوى يصبو اليه اليسار.

أول هذه المبادئ ، هو المبدأ الذى سبق و أشرنا اليه فى اجابة السؤال الأول ، و هو مبدأ الوحدة على جميع المستويات فى أى موقع ، خصوصا المستويات القاعدية ، للأسباب التى سبق و سقناها لهذا.

ثانى هذه المبادئ ، ألا تقوم الوحدة على المحور السياسى وحده ، بل يجب أن تفعل المحاور الأخرى ، ربما بشكل أكثر من المحور السياسى ، و المحاور الأخرى المقصودة هنا هى محورى الثقافى و الاجتماعى ، و الاجتماعى لا نتحدث فيه كثيرا ، حيث لا يعدو ان يكون تابعا للمحور السياسى التنظيمى من توفير الدعم لجميع مفردات الحركة اليسارية ، بشكل مشاعى ، أى لا يرتبط بتنظيم أو جماعة ، بل تصبح مسئولية كل حزب أو تنظيم تجاه مفردات اليسار متساوية سواء أكانوا اعضاءا فى هذا الحزب أو التنظيم أم لا ، و هى المسئولية المتعلقة بمسائل الاعتقال و الدفاع و غيرها ، و لا نعتقد أن مثل هذه المسألة تحتاج الى كثير كلام.

المحور الأهم هو المحور الثقافى ، الذى يمثل - بخلاف كونه محور النشاط الدعائى - ميدان الحوارالديموقراطى بين جميع القوى و الفصائل ، و هو بهذا يمثل حائط صد لأى انشقاقات أو خلافات ، حيث عن طريقه تحتوى الخلافات ، و توضع فى موضعها و حجمها الحقيقى ، فيمكن عن طريقه حماية الوحدة ، بل و تطويرها ، لدفع الحركة للأمام.

و يتجسد هذا المحور فى مركز دراسات و دعاية واحد لا يتبع حزب أو تنظيم بعينه شأن المراكز الموجودة ، و يصدر عن هذا المركز منشورات تتمثل فى صحف و مجلات و كراسات و كتب ، تعيد طرح الثقافة اليسارية لتأخذ حجمها الصحيح فى الشارع المصرى ؛ لتعود الثقافة الاشتراكية و تأخذ وضعها اللائق فى ثقافتنا الشعبية ، الأمر الذى يمثل العنصر الأساسى فى الدفع نحو المستقبل الذى ننشده.

ثالث هذه المبادئ البدهية ، هو تفعيل الديموقراطية فى التنظيم ، بالشكل الذى يعطى الجميع حقوقا متساوية للتعبير بما يحقق كفاءة التنظيم ، و يحافظ فى ذات الوقت على فاعليته على مستوى الممارسة.

رابع هذه المبادئ و آخرها – فيما نعتقد - ، هو الذى يرتبط بالاستراتيجية ، وهو التركيز على البعد القومى الذى يرتبط بدوره بالاستراتيجية الاشتراكية التحررية ، فالوعى العربى العام و المصرى خصوصا لازال غير حساس بشكل كاف للقضايا الاجتماعية مثلما هو حساس للقضايا الوطنية ، المتمثلة أساسا فى قضايا التحرر الوطنى و الوحدة القومية ، و هو ما يجعل – من الوجهة السياسية البحتة – المشروع الوطنى التحررى أكثر المشاريع فاعلية فى التحريك الجماهير ؛ لهذا يجب ان يصبح هذا المشروع المشروع الأول لليسار ، خصوصا و أنه المشروع الأكثر ارتباطا بالضرورة التاريخية ، و بمشروع النهضة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه كانت اجابات عامة موجزة لأسئلة العمل الخمسة ، و التى تناولت موضوع وحدة اليسار بشكل نعتقد شموليته ، فلندر الحوار ، و لنبدأ العمل ، فلم يعد هناك وقتا للعبث ، فالتاريخ وضع المسألة ، و علينا الجواب ، فلنفعل ، أو نقل على الأمة السلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيناتور الأميركي بيرني ساندرز: هناك أدلة على ارتكاب إسرائي


.. مدونة الأسرة والحركة النسوية




.. كلمات رشيدة حداد وعبد الله اغميمط يوسف مكوري في المهرجان الت


.. عبد الحميد أمين عضو السكريتاريا الوطنية للجبهة المغربية لدع




.. ?? حكومة اخنوش: فشل سياسة التشغيل وتراجع القدرة الشرائية ونق