الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل النظام الفرعوني نظام عبودي ام راسمالي؟

حسقيل قوجمان

2007 / 1 / 22
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بعد كتابة مقالي حول دراسة المادية الديالكتيكية وصلتني رسالة من قارئ عزيز حول نظام الحكم الفرعوني اقتبس منها العبارات التالية:
"كان العاملون حرفيين ممتازين تدفع لهم أجور عالية وحتى لهم ضمانات صحية وضمانة تحنيطهم بعد الموت"... "والعمالة الغير حرفية كانت فلاحين لا يمكنهم الزراعة بسبب فيضان النيل السنوي"... "هل كان هذا النمط رأسمالية دولة في عصر ربما هو عصر العبيد في أعمال الرواد." (يقصد بالرواد كارل ماركس وانجلز)
قبل ان ابدأ بالجواب على هذا السؤال الكبير ليسمح لي قارئي العزيز وقرائي الكرام ان اعود شيئا الى الوراء. منذ انفصال الانسان عن الحيوان اصبح منتصب القامة يستخدم يديه للعمل. فكانت هناك قوى الانتاج وعلاقات الانتاج كما هو الحال في مجتمعاتنا القائمة. وقوى الانتاج كما هو معروف هي علاقة الانسان بالطبيعة. فالانسان يعمل على الطبيعة من اجل الحصول على ما يقيته وهذا هو الانتاج.
وعلاقات الانتاج هي علاقات الانسان ببعضه، اي كيفية حيازة وتوزيع هذا الانتاج. وعلاقات الانتاج تحتمها اوضاع قوى الانتاج. عاش الانسان منذ نشوئه ألافا لا نعرف عددها من السنين على شكل مجموعات. كانت الحياة الجماعية مفروضة على الانسان لانه وحده لم يكن قادرا على مكافحة الطبيعة القاسية التي وجد نفسه فيها ولان علاقته بالطبيعة، اي انتاجه، لم يمكن ان يتحقق الا بالعمل المشترك. فلكي يصطاد حيوانا كان عليه التعاون مع الاخرين لاصطياده. وكان هذا يعني ان الانتاج، الحيوان المقتنص، يكون ملكا لجميع مصطاديه يقتاتون عليه ولا فرق بين احدهم والاخر. كانت الحياة المشاعية البدائية مفروضة على الانسان لانها علاقات الانتاج الوحيدة الممكنة في تلك الظروف.
كانت حتى في تلك الظروف تجري مشاحنات وصدامات بين مجموعات مختلفة من البشر. وكان الاسرى في تلك الايام عبئا ثقيلا على الجماعة فكانوا يقتلون وربما تؤكل لحومهم.
ان قوى الانتاج، اي علاقة الانسان بالطبيعة، هي قوى سريعة الحركة دائمة التطور. ففي كل يوم يكتشف الانسان وسيلة من وسائل الطبيعة ربما كانت تؤذيه وتعرقل حياته ليسيطر عليها ويستخدمها لمصلحة انتاجه ولتحسين ظروف حياته. ولكن طالما بقي انتاج الانسان مقصورا على متطلبات عيشه وحدها كانت علاقات الانتاج المشاعية، اي حيازة الانتاج وتوزيعه، تجري على طريق المساواة اي توزيعها توزيعا متساويا بين الجماعة التي انتجتها ولا فرق بين شخص واخر فيها. وبعد الاف السنين تمكن الانسان من تخطي هذه الحالة. فقد تطورت قوى الانتاج نوعيا وازداد الانتاج كميا الى درجة كان بامكان الجماعة ان تنتج ما يزيد عن حاجتها اليومية المباشرة. اذ ذاك نشأت امكانية ان يحوز بعض الجماعة على اكثر مما يحوزه اخرون فيها او ان يحوز شخص على ما لم ينتجه اي ان يحوز على عمل الغير. فاذا كان في الجماعة صياد ماهر مثلا يثبت جدارته في الصيد اكثر من غيره ربما كان يمتاز على غيره ممن لا يستطيعون الصيد بنفس المهارة او ظهر منجمون او كهنة يستطيعون التنبؤ بمواعيد البذار فيعكفون على تنجيمهم ويعيشون على حساب الجماعة. واذ ذاك امكن ان تنشأ فكرة الملكية الخاصة، اي حيازة شخص لنفسه ما لا يحوزه الاخرون. فالفكرة كما نعلم هي نتاج للواقع المادي.
وفي حالة كهذه اصبح بالامكان الابقاء على حياة الاسير وجعله عبدا ينتج لمالكه اكثر مما يحتاجه لسد رمقه. كان هذا منشأ العبودية في التاريخ ولم يكن في تلك العصور امكانية نشوء نوع اخر من علاقات الانتاج غير العلاقات العبودية. وكانت العبودية بهذا المعنى تحريرا للعبد وانقاذا له من خطر الموت.
ما جاء في رسالتك عزيزي القارئ من ان العاملين كانوا حرفيين ممتازين تدفع لهم اجور عالية وحتى ضمانات اجتماعية صحيح كل الصحة. فهؤلاء الحرفيون الممتازون هم المهندسون العظماء الذين صمموا جميع الاهرام والمعابد والقصور الملكية وغيرها. وهولاء الاطباء العظام هم الذين توصلوا الى التحنيط الذي ادهش علماء عصرنا. وهم الذين انجزوا كل الانجازات العظيمة كبناء السفن وصناعة الاسلحة وقيادة الحروب وغير ذلك الكثير. وكان من الطبيعي ان تدفع لهؤلاء الفنيين اجور عالية وتضمن لهم ضمانات اجتماعية الى درجة التحنيط. اما ما جاء من ان العمالة غير الحرفية كانت فلاحين لا يمكنهم الزراعة بسبب فيضان النيل السنوي فمشكوك في صحتها. اولا لان هؤلاء الفلاحين لا يمكن ان يكون عددهم كافيا للقيام بالمهام البدنية اللازمة لبناء مشاريع ضخمة كالاهرام مثلا. ثانيا هل كان العمل يتوقف لدى انحسار نهر النيل وعودة الفلاحين الى زراعتهم؟ لا اعتقد ان هذا تفسير كاف للعمالة غير الحرفية الواسعة النطاق في كل مجالات حياة المجتمع.
هناك مثل عراقي يقول "الجود من الموجود". وهو مثل رائع يعني ان من يعطي شيئا يجب اولا ان يحوز على هذا الشيء. وكانت الدولة الفرعونية تدفع اجورا عالية لهؤلاء الفنيين الذي كانوا يخدمونها. فالسؤال هو من اين لهم هذه الاموال التي يدفعون منها هذه الاجور العالية؟ نعلم ان الله انزل المن من السماء على اليهود الذين هربوا مع موسى فاقتاتوا عليه اربعين عاما في الصحراء. ولكن الفراعنة كانت لهم قصورهم وحياة بذخهم وذهبهم وفضتهم وجواريه وخدم قصورهم ومن هذه الثروات الهائلة كانوا يدفعون الاجور العالية التي كانوا يدفعونها لبناة معابدهم وقبورهم. ولكن البحث الذي ذكرته لم يشر الى مصدر هذه الثروات الهائلة ولا مصدر تمويل الجيوش الضخمة. ان الفنيين الذين يتقاضون هذه الاجور العالية لا يمكن ان يكونوا هم مصدر هذه الاموال المبذولة. لابد انه كان من يخلق لهذه العوائل المالكة هذه الثروات. وفي ظروف الانتاج البدائية التي كانت سائدة انذاك كان الانتاج يعتمد بالدرجة الرئيسية على العمل الجسماني لملايين البشر. وهؤلاء الملايين من البشر هم العبيد ولا يمكن ان يكونوا غير العبيد.
لنأخذ على سبيل المثال بناء احد الاهرام. لم تكن انذاك وسائل ميكانيكية قادرة على تنفيذ الاعمال الهائلة التي يتطلبها هذا البناء. كان هذا البناء يعتمد على العمل الجسمي لملايين البشر لكي يقوموا بالاعمال الهائلة التي يتطلبها مثل هذا البناء. فهل كان هؤلاء الفنيون والفلاحون الهاربون من الفيضان كافيا للقيام بالعمل الجسمي اللازم لمثل هذا المشروع الهائل؟ انه عمل الملايين وليس عملا قام به عدد من الفنيين ذوي الاجور العالية وعدد من الفلاحين الهاربين من فيضان النيل.
ان صح ما جاء في التوراة عن هروب من اسموهم اليهود مع موسى. هل كان هؤلاء من الفنيين ذوي الاجور العالية ام من الفلاحين الهاربين من الفيضان ام كانوا عبيدا اضناهم العمل الشاق المفروض عليهم من قبل الاسياد ففضلوا الهرب مع موسى؟
فلماذا لم يذكر هؤلاء العاملون الحقيقيون في التحليل الاجتماعي الذي تحدثت عنه؟ السبب واضح وهو ان التحليل مبني على التركيب الاجتماعي للمجتمع موضوع البحث، وفي بحثنا المجتمع الفرعوني. فالتحليل يشمل العناصر البشرية التي يتكون منها المجتمع. ولم يكن العبيد ضمن هذه العناصر البشرية اذ انهم لم يكونوا بشرا في عرف اسياد العبيد. فالعبد هو حيوان ناطق لا فرق بينه وبين سائر الدواب سوى انه قادر على العمل والنطق. وهذا يصح على كافة التحليلات الاجتماعية في عصر العبودية. فحتى جمهورية افلاطون لم تتضمن ذكرا للعبيد باعتبارهم جزء من المجتمع. ان الثروات التي تمتعت بها السلالات الفرعونية كانت نتاج عمل الملايين من العبيد الذين كان للسيد ان يستخدمهم ويطعمهم ويقتلهم ويبيعهم وكان الحصول على المزيد من العبيد هدفا لبعض الحروب التي كانت تشن في تلك العصور.
اما سؤالك ان كان هذا النمط راسمالية دولة في عصر ربما هو عصر العبيد فلا اعتقد انه كانت ظروف قوى الانتاج انذاك تسمح بوجود شيء من هذا القبيل. فلكي تكون هناك راسمالية دولة يجب ان يكون هناك راسمال. ولكي يكون هناك راسمال يجب ان تكون هناك طبقة عاملة تملك قوة عملها لتستطيع بيعها الى الراسمال. والعبد او الانسان العامل انذاك لم يكن مالكا لقوة عمله او حتى لحياته. ان للراسمالية شروط لا يمكن ان تتحقق بدونها ولا يمكن اعتبار النظام الشرقي الذي تتحدث عنه نظاما راسماليا باي شكل من الاشكال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تنتخب وأوروبا تكتم أنفاسها.. اليمين المتطرف يحلم بـ-ال


.. من تأسيسه إلى تغيير اسمه.. كيف نشأ حزب التجمع الوطني الفرنسي




.. مقابلة خاصة مع رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية السودا


.. ارتباك في فرنسا مع انطلاق الجولة الثانية للانتخابات.. واليسا




.. شرطة نيويورك تقمع بالضرب متظاهرين داعمين لغزة