الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون لعراقيون تشوش الرؤية في تقييم التجربة الذاتية

خالد صبيح

2003 / 7 / 17
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 لنبدأ اولا بتساؤل: هل المثقف العراقي منفتح على جمهوره؟
ولنحاول الان التعرف على الواقع الذي يدور فيه السؤال.
في الحادي عشر من تموز نُشر على موقع كتابات الالكتروني مقالان احدهما للكاتب <حسن النواب>  يعتذر فيه للشاعر <عبدالرزاق الربيعي> عن الاساءة التي اقترفها بحقه في مقال سابق نشره على ذات الموقع قبل ذلك ببضعة ايام، وبرر سبب الاساءة بانه كان ناتجا عن حالة السكر التي كان عليها اثناء كتابته لموضوعه، واضاف انه فوجئ في اليوم التالي لمشاهدته لما كتبه حينما راه منشورا. لم يعتذر< حسن> للقارئ بعد اكتشافه هذا بل قصر اعتذاره على الشاعر <الربيعي> وبعد ان عاتبه الاخير عتابا رقيقا في مقطع شعري.
 من غير الدخول في تقييم لهذا الموقف اوجز القول بان اعتذار<  حسن النواب> المتاخر يدلل، برايي، على استخفاف بعقل القارئ وعدم اكتراث بما يقدمه له  سواء في حالات صحوه ، التي يبدو انها نادرة، او في حالات سكره. ولاتكمن المشكلة في الاعتذار او عدمه بقدر تعلقها بالرؤية او المكانة التي يعامل بها< حسن النواب> القراء وفعل الكتابة.
الا يحق للقارئ في تلك الحالة التساؤل  في مدى ثقته بما سيقرأه < للنواب>  وكيف انه سيميز ان كانت تلك الكتابة ثمرة لحالة صحو ام سكر. بمعنى هل هي كتابة جادة ومسؤولة وتخاطب عقلا تحترمه وتسعى لتغذيته وتطويره ام هي سقط متاع او كلام عابر يصلنا عبر ضباب الخمرة وخمول الوعي ؟.  وتجدر الاشارة هنا ان ماكتبه < حسن> عن <عبدالرزاق الربيعي> كان اكثر تاثيرا وقسوة مما كتبه الاخرون فهو حاول ان يصف جوهر شخصية <الربيعي> ولم يكتف، كما الاخرون، في تحليل طبيعة الخطاب الذي ناقش به <عبدالرزاق> كتاب الرسالة المحمدية للرصافي.
ليس من مهمة هذا المقال التركيز على ماكتبه< حسن النواب> ولكن نريد هنا ان ناخذ هذا الحادث كحالة للاستشهاد بها على مايمكن اعتباره ظاهرة  تتلخص بشكل عام بالتعالي والنرجسية المفرطة لحدود تضخم الانا والرضى عن الذات عند غالبية المثقفين العراقيين الامر الذي انعكس على سلوكهم في الكتابة  وفي مناقشتاهم لقضاياهم وخلافاتهم كمثقفين افراد او كجماعة تشكل مفصلا مهما في قاعدة المجتمع وفي نسيجه العقلي .
المقال الثاني ولارتباطه بذات السياق كعينة من ذات النوعية هو للاخ < سلمان جابر الحسني>  ويعلن فيه اكتشافه لوثيقة- حجة( دامغة) ضد الكاتب < طارق حربي> لدحض ادعائه في عدم النشر في صحف النظام البعثي وقد جاء هذا الزعم < لحربي> ضمن رد على مانشره احد الاخوة لقائمة باسماء بعض الكتاب والادباء ممن روجوا  لثقافة النظام البعثي واورد اسمه فيها. وقد احتوت الوثيقة تلك على قصة للكاتب < طارق حربي> كان قد نشرها في صحيفة القادسية العراقية عام 1988 .
لم تحتو القصة مايستوجب التبرأ منها ومن عملية النشر ان كان مانشره حربي هو من هذه العينة. فالقصة تتحدث< وهنا سنتخطى الحديث عن المستوى الفني > عن الحرب العراقية الايرانية من خلال عرضها لخواطر وهواجس وتداعيات داخلية لاحد الجنود وهي ليس فيها مايمتدح الحرب او يقترب من رؤية النظام وفكره لهذا الحدث بل على العكس فهي تسجل نقاط ادانة لهذه الحرب  تضمنتها بعض العبارات اضافة لجوها العام.
مرة اخرى مايستوقفنا هنا هو ليس موقف <طارق حربي> من واقعة النشر وردة فعله المتشنجة ازاء نشر خبر قصته تلك والذي ضمنه في رده القصير الذي نشره على كتابات في اليوم التالي حيث اعتبر الامر برمته مؤامرة نابعة من الحسد والغيرة، وانما مناخ الشك والتوتر في هذا الوسط.
 اذا عطفنا هاتين الواقعتين على مادار من خلافات حادة وبالكيفية المؤذية التي وقعت بها بين الشاعر <عدنان الصائغ> واصدقاءه من جهة وبعض الكتاب من جهة اخرى،- وهي ايضا حالة ضمن حالات عديدة تسود وسط المثقفين وان لم تثار في العلن-  سنجد انفسنا امام مايمكن اعتباره ظاهرة تشيع  في وسط المثقفين وتكاد تعم الوسط الثقافي العراقي كله من اهم سماتها ومسبباتها، بتصوري، هو انعدام التواضع وتشوش في الرؤية وحساسية شخصية مفرطة ازاء النقد مما يترك اثره البين على الميل الى شخصنة الخلافات واضفاء طابع ذاتي على التقييمات واقحام المشاعر باكثر مما يستوجبه الموقف فيتحول، وفق ذلك، النقد الذي يتعرض له احد ما منهم الى حالة من الاستهداف الشخصي مقصودة وذات طابع عدائي وبدوافع مشبعة بالحسد والغيرة ومركبات نقص غامضة.
جوهر المشكلة يكمن برايي في تداعيات الازمة الوطنية- الاجتماعية التي اوصلت اليها تجربة العراق في السياسة والحكم في العقود الاربع المتاخرة. فقد بات معروفا ان مجموع ممارسات النظام البعثي < من دون ان نهمل مصدر صيرورتها في السياق العراقي مجتمعا وثقافة وسياسة > قد تركت اثارا مدمرة على مجموع البنى المشكلة لتركيبة المجتمع العراقي على المستويات كافة:  نفسية ،عقلية، ثقافية واجتماعية، بكل تفاصيل الهيكل الاجتماعي، وحتى حضارية. وقد امتد هذا الاثر الى الفرد والمجتمع على حد سواء. ويلقي هذا الخراب والتخريب بظلاله على المثقفين وعالمهم، بل هو اكثر وضوحا وصخبا عندهم لما يتميزون به من حدة في المزاج ولما عليه عمل ودور المثقف من حضور بين الجمهور.
يتركز الخلاف في واقع الحال داخل الوسط الثقافي العراقي الان على دور هذا المثقف او ذاك من ممارسات النظام البعثي ومشروعه الفاشي منذ صعوده والى مراحل تفاقمه و من ثم انحطاط ممارساته. وقد انقسم وسينقسم المثقفون العراقيون على تقييم طبيعة تلك التجربة اولا وعلى تقييم دورهم او وضعهم فيها. واذا كان الوقت مبكرا الان لطرح تقييم وموقف شامل يقول الكلمة الفصل في تقييم  هذه المعضلة فذلك لايمنع من طرح بعض التصورات حول الاوليات او المقدمات الضرورية لوضع صيغ او طرائق يمكن بها ومن خلالها فتح الطريق او اختيار المدخل السليم لمعالجتها ووقف تداعياتها ومايمكن ان تستدعيه من صعوبات وما تخلف من عقد ستستعصي على التجاوز على صعيد الحياة الثفافية وعلاقة المثقفين في شؤونهم الثفافية اولا وفي روابطهم فيما بينهم ثانيا.
المعيار او الشرط الاساسي الذي يمكن تثبيته والاعتماد عليه سلوكيا ومنهجيا في بسط ارضية خصبة لتقييم متوازن للتجربة هو التواضع .  التواضع، المتواشج مع الصدق والصراحة، كسلوك وروحية تنبع من الاهتمام بالقارئ وبالتالي المواطن والانسان، والانفتاح عليه واحترام عقله بتقديم الحقائق اليه. فالقارئ، وعلى طول الخط، بحاجة الى شرح وتوضيح للحقائق لاتبريرات او شتائم ومفاخرات، ومكابرة  او تعالي.
واحترام عقل المتلقي هو من احترام الذات للمبدع والمثقف فعليه ان لايتوانى او يخاف من ان يمارس نقدا ذاتيا لدوره واخطائه، وان كان ذلك يعتبر مثلبة في المخيلة الجمعية. وان يقدم شرحا يوظف فيه مناهج معرفية علمية لتجربته وتجربة المجتمع ومجموع المثقفين.  فكلنا يعرف طبيعة مشروع السلطة والياته التضليلية والقمعية وصعوبة، بل احيانا استحالة، الصمود في وجهه والتعبير عن الموقف او حتى الاحتفاظ بالقناعات الذاتية. لكن في ذات الوقت نحن ندرك ايضا ان للمثقف خلفية معرفية استشرافية  ببعد نظر مستقبلي تؤهله وتفرض عليه ان يلعب دورا او ان يقف موقفا اكثر مسؤولية وان لايقع ضحية سهلة لمشروع سياسي او سلطوي او ايدلوجي تدجيني او قمعي والا فمافائدة المعرفة والحساسية اللتان تميزانه عن الافراد العاديين.
 المطلوب ان يعرف المتلقي نوع التجارب الفردية وانواع الضغوط والاغراءات او الصعوبات التي وجدها هذا المثقف او ذاك، فلا تتساوى جميع التجارب ولا كذلك المواقف ناهيك عن القدرات الفردية وخصوصية الشخصية الخ.. فليس الجميع ابطالا او يمكن ان يكونوا كذلك،وليس الجميع خانع ومنقاد. وآن الاوان لكل المجتمع للاعتراف بحقيقة عجزه وضعفه امام السلطة البعثية- الفاشية وممارساتها وقيمها والاعتراف بمحدودية الطاقة البشرية على فعل الاشياء.
 بالعرض الموضوعي للتجارب الفردية المولودة وسط تجربة المجتمع والوسط الثقافي الاوسع يمكن فهم الواقع وبالتالي تجاوز ازماته. و سوف تتاسس على هذا النقد الواسع والجذري< والذي هو جهد جماعي مشترك>  معايير سوف تشكل صمام امان لدور الثقافة والمثقف في مستقبل حياة المجتمع يبعده< المثقف> عن الهامشية والتبعية او التوظيف الفظ له في ماكينة السلطة والحكم اوالاحزاب اوالايدلوجيات وتدفع به وبدوره الى المقدمة والمكان المناسب والمهيء له موضوعيا وتاريخيا، في ممارسة حثيثة لبلورة القيم الحضارية التي تدفع لبناء مجتمع يحقق انسانية الانسان ويتواصل معه كقيمة قائمة بذاتها وهذا هو الهدف الجوهري المعروف في كل مسعى معرفي وثقافي حقيقي.
فهل سيفتح المثقف العراقي قلبه وعقله للمتلقي فيبنون معا عالما من الابداع والجمال؟.

السويد
15-07-2003  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي