الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ما بعد القطيعة
عزالدين جباري
(Azeddine Jabbary)
2025 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية

في مقال نُشر بتاريخ 25ـ4ـ2025 بجريدة *Aujourd’hui Le Maroc* تحت عنوان "فرنسا–الجزائر: نحو قطيعة في العلاقات الدبلوماسية؟"، رسم الكاتب الصحفي مصطفى طوسة صورة قاتمة عن مآلات العلاقة بين باريس والجزائر، مؤكدًا أن البلدين يتجهان بخطى ثابتة نحو الانفصال السياسي والدبلوماسي، ليس بسبب حادث عابر، بل بفعل تراكم مزمن لأزمات رمزية وسياسية وهيكلية.
يرى طوسة أن النظام الجزائري ما يزال رهينًا لخطاب ضدي يتغذى من الذاكرة الاستعمارية، يوظف الماضي الاستعماري الفرنسي لا بوصفه جرحًا يستدعي المصالحة، بل ذريعة لإدامة منطق التبرير والتحكم. إنه نظام – حسب رأيه – لا ينتج مشروعية من الإنجاز أو من بناء الدولة، بل من ابتزاز رمزي مستمر لفرنسا، وهي لعبة تتغذى من خطاب سياسي وإعلامي فرنسي هو الآخر، لم يتحرر كليًّا من مخيال الاستعلاء الكولونيالي.
في المقابل، لا يُغفل الكاتب السياق الفرنسي المتأزم، حيث تسهم تصاعدات اليمين المتطرف والمواقف العدوانية من مسؤولين فرنسيين، كوزير الداخلية برونو ريتايو، في توسيع الهوة وتعميق التوتر. فالأزمة إذًا مزدوجة، تغذيها ازدواجية خطابية من الطرفين: الجزائر ترفض تجاوز رواية الضحية، وفرنسا تكرر سلوك المستعلي.
لكن هذه القراءة، وإن اتسمت بنفَس تحليلي جاد، تبقى أسيرة منطق مغلق، يعيد تدوير الانفعال السياسي في دوائر السوء التاريخي دون أن يجرؤ على تصور أفق مختلف للعلاقة بين بلدين تجمعهما ذاكرة معقدة، وشعوب متشابكة المصير.
من هنا، يمكن استدعاء فلسفة الصيرورة الأصيلة كمفتاح نقدي بديل. فبدل أن نرى العلاقة بين الجزائر وفرنسا كمسار ملعون محكوم بالتكرار، يمكن أن نعيد فهمها كصيرورة مفتوحة تتطلب تجاوز اختزالات الهوية: لا الجزائر هي الضحية المطلقة، ولا فرنسا هي العقلانية البريئة. إنما هما طرفان عالقان في مرآة مضخّمة من الشكوى والمزايدة.
الصيرورة الأصيلة لا تطلب النسيان، بل تحرير الذاكرة من الانغلاق. ولا تبني السلام على أنقاض الاتهام، بل على الاعتراف بالمأساة كشرط للعبور. فأن نتحرر من استعمار الأمس لا يعني أن نُسقطه على كل خلاف سياسي، كما أن النقد الفرنسي للممارسات الجزائرية لا يبرر استدعاء مقولات التفوق أو التهديد.
ثمة حاجة إلى إعادة تخييل العلاقة. أن تصبح هذه العلاقة توترًا خلاقًا لا خصامًا دائمًا. وأن يتأسس هذا التوتر على الرغبة في تجاوز الاستعلاء والانغلاق نحو وجه مشترك، تتقاطع فيه الكرامة مع السيادة، وتنبض فيه السياسة بأفق أخلاقي وتاريخي مفتوح على التحول.
ما يحتاجه الطرفان اليوم ليس خطاب الاتهام ولا الاستسلام لحلقة الجمود العقيم، بل جرأة الدخول في صيرورة جديدة، تعترف بالذاكرة دون أن تُختزل فيها، وتنفتح على المستقبل دون أن تستنسخ أوهام الماضي.
هكذا فقط يمكن الحديث عن مصالحة حقيقية، لا تمحو الجرح، بل تحوّله إلى نبضٍ واعٍ ينير الطريق نحو شراكة متوترة، أصيلة، ومتجددة.
ومع ذلك، لا يمكن في هذا السياق تجاهل أن بعض التطورات الجيوسياسية الحديثة قد تكون ألقت بظلالها على هذا التصعيد المتبادل، ولو أن المقال لم يشر إليها صراحة.
فمن تأويلي الشخصي، أرى أن التحولات في موقف فرنسا نحو الاعتراف المتزايد بمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، وارتفاع وتيرة التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين باريس والرباط، قد ولّدت لدى الجزائر إحساسًا مضاعفًا بالعزلة والتهميش.
وهكذا، ربما تسهم هذه المستجدات، من خلف ستار المشهد الرسمي، في تأجيج حساسيات قديمة وتجعل من الخطاب التصعيدي غطاءً لقلق جيوسياسي أعمق.
لكن، إذا أردنا تجاوز منطق ردود الفعل، فإن الصيرورة الأصيلة تقتضي إعادة التفكير في هذه التحولات لا باعتبارها خسارات أو انتصارات آنية، بل باعتبارها مؤشرات على ضرورة الخروج من أسر الماضي، وتوجيه الجهود نحو ابتكار أشكال جديدة من التعايش والندية والمشاركة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية: العلاقات مع الجزائر تزداد سو

.. كريم خان: ليبيا تقبل اختصاص الجنائية الدولية في جرائم مفترضة

.. المغرب: الوزير السابق محمد زيان يطعن في قرار حبسه 3 سنوات

.. تونس: تأجيل محاكمة عبير موسي وقاضي التحقيق يستجوب مراد الزغي

.. موريتانيا: ما أسباب تشديد الحكم على الرئيس السابق؟
