الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمازون ضدّ جيمي كارتر

صبحي حديدي

2007 / 1 / 23
الصحافة والاعلام


موقع Amazon.com، أضخم وأشهر مواقع بيع الكتب على شبكة الإنترنيت، يعتمد تقاليد ثابتة في تقديم الكتاب إلى القارىء، لكي ينقلب إلى شارٍ للبضاعة: بعد عرض المعلومات الببليوغرافية بطريقة جذابة، يسوق التحرير عدداً من الكتب ذات الصلة والتي أثارت اهتمام القرّاء الذين اشتروا الكتاب المعنيّ، ثمّ تُدرج فقرة بعنوان "مراجعات التحرير" تتضمن منتخبات وجيزة من مراجعات للكتاب إيجابية غالباً لأغراض الترويج بالطبع، منقولة في الإجمال عن دوريات متخصصة في الكتب والنشر، أو من نصّ كلمة الناشر على الغلاف الأخير للكتاب. بعد هذا كلّه، وليس قبله البتة، يختار التحرير عدداً من المراجعات الصحفية التي لا تكون إيجابية دائماً وبالضرورة، وهذا أمر مستحبّ بالتأكيد، كما يفسح المجال للقرّاء كي يكتبوا التعليقات أو المراجعات بأنفسهم.
هذه، إذاً، تقاليد ثابتة يعتمدها الموقع ولا يحيد عنها... إلا في حال الضرورات القصوى التي تبيح المحظورات وتجبّ المبادىء وتلغي أيّ وكل التزام أخلاقي، كما حدث مع كتاب الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، "فلسطين: السلام لا الأبارتيد"، الذي صدر قبل أسابيع وأثار ويثير حفيظة اللوبي الإسرائيلي في طول الولايات المتحدة وعرضها. ذلك لأنّ تحرير Amazon.com بدأ مباشرة من مراجعة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، ليست سيئة وسلبية ومناهضة للكتاب فحسب، بل تتهم كارتر بمعاداة السامية، والانحياز إلى الفلسطينيين على حساب اليهود؛ وأنّ الأغراض الحقيقية، الخفية والخافية، في الكتاب هي تحريض مسيحيي أمريكا عموماً، وأتباع المذاهب الإنجيلية خصوصاً، ضدّ اليهود والديانة اليهودية؛ وأنّ كارتر يوحي أنه في هذا الكتاب إنما ينفّذ مهمّة كلّفه بها الله، هي تعداد آثام اليهود ضدّ الفلسطينيين!
وكارتر، تقول إحدى فقرات المراجعة: "يسعى إلى إقناع المسيحيين الإنجيليين بإعادة النظر في دعمهم لإسرائيل، بعد أن صاروا مؤخراً من أشدّ الداعمين لإسرائيل، ولذلك فهو يتبنى عدداً من الحجج التي تبرهن أنّ إسرائيل ليست أمّة تخشى الله كما يظنّ المسيحيون المتدينون، وأنها تضطهد مواطنيها المسيحيين أيضاً".
هل هذه مراجعة تروّج للكتاب، أم تروّج لتجريمه وتحريمه؟ وهل يستحقّ كارتر بالذات هذا التأثيم، هو الذي قدّم للدولة العبرية اتفاقيات كامب دافيد، أفضل صفقة سياسية وعسكرية حققتها إسرائيل مع العرب، لأنها أوّلاً أخرجت مصر من دائرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟
ليت الأمر اقتصر على مراجعة سلبية كتبها رجل مناهض لأفكار كارتر، أو حتى متعاطف مع اليهود عموماً والدولة العبرية تحديداً، فهذا ليس سلوكاً عجيباً في الولايات المتحدة. ما هو أنكى من المراجعة أنّ كاتبها، جيفري غولدبيرغ، ليس يهودياً أمريكياً فقط، بل هو أيضاً: 1) مواطن إسرائيلي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، و2) متطوّع سابق في ما يُسمّى "جيش الدفاع الإسرائيلي"، و3) تطوّع، أثناء سنوات الانتفاضة الأولى، للعمل حارساً في معتقل كتزيوت، الواقع في صحراء النقب، أحد أسوأ سجون إسرائيل، والشبيه بمعسكرات الاعتقال النازية (ضمّ، في فترة تطوّع غولدبيرغ، أكثر من ستة آلاف سجين فلسطيني).
هل يعقل أنّ يكون هذا الرجل دون سواه صاحب المراجعة الأولى لكتاب كارتر، في أهمّ وأضخم مواقع بيع الكتب في العالم؟ هذا السؤال أجاب عليه الصحافي الأمريكي هنري نور بطريقة عملية، عصرية، فعّالة، وتعتمد مباشرة المبدأ القديم: داوها بالتي كانت هي الداء. ألا يسعى الموقع إلى تنشيط التجارة وزيادة الأرباح؟ حسناً، فلنقاطع تجارته إذا أصرّ على هذا السلوك الشائن مهنياً وأخلاقياً! وهكذا أطلق نور، على الإنترنيت، عريضة مفتوحة موجهة إلى جيف بيزوس، المدير العام التنفيذي لـ Amazon.com، تستعرض تفاصيل المخالفة الفاضحة التي ارتكبها تحرير الموقع، وتطالب باتخاذ إجراءات تنصف الكتاب والمؤلف، قبل تاريخ 22 من الشهر الجاري، وإلا فإنّ الموقعين على العريضة سوف: : يتوقفون عن كلّ تبضّع عن طريق الموقع (وهو، للإيضاح، يبيع عشرات الموادّ الثقافية المتنوعة، السمعية والمرئية، غير الكتب)، ويغلقون نهائياً جميع حساباتهم الجارية فيه، ويشجعون أصدقاءهم وعائلاتهم وشركاءهم على القيام بخطوات مماثلة.
وقبل يومين أرسل نور إلى بيزوس 16 ألف توقيع على العريضة، وبعد يوم واحد فقط انحنى تحرير الموقع تماماً، وبدّل الإخراج بحيث يبدأ تقديم الكتاب بمقابلة مع جيمي كارتر، خاصة بالموقع، واعتمد التحرير أريحية عالية في الإعراب عن تشرّف الموقع باستقبال كتاب من كارتر! انتصار صريح لا ريب، لكنه ليس نهائياً لانّ مراجعة غولدبيرغ ما تزال على الموقع، رغم أنها هبطت إلى الترتيب الثالث بعد مقابلة كارتر وعرض مجلة Publishers Weekly. ولهذا، لعلّ من الخير أن تزداد أعداد موقّعي العريضة (على هذا الرابط http://www.PetitionOnline.com/Amazon07/)، سعياً إلى ضغط أعلى ونتائج أفضل، ليس في هذا المثال وحده، بل في كلّ الأمثلة الأخرى المماثلة التي تنطوي على استهتار بالقضايا الكبرى، لاعتبارات سياسية شائنة مهنياً ومنحطة أخلاقياً.
يبقى تفصيل واحد جدير بالتدوين هنا: من غير الممكن توجيه تهمة العداء للسامية إلى هنري نور، عرّاب العريضة، لا لأي سبب آخر سوى أنه... يهودي! أكثر من هذا، لقد قاده ضميره الحيّ، ومواقفه المؤيدة للحقّ الفلسطيني والمناهضة لما يُسمّى "الحرب على الإرهاب"، إلى خسران عمله في صحيفةSan Francisco Chronicle، رغم أنه ليس كاتباً سياسياً بل مجرّد محرّر في قسم... الكومبيوتر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع