الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال هرانت دينك جريمة تضاف إلى آثام القومية

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 1 / 24
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



اغتالت اليد القومية الآثمة في السبت الماضي الصحفي التركي من أصل أرمني هرانت دينك ما أثار غضب كل الأوساط البشرية الشريفة ، مطالبة بالحفاظ على مكاسب البشرية من التمتع بحرية الرأي والتعبير. وقد أكدت الجريمة البشعة مرة أخرى أن القومية في هذا العصر لم تعد تنطوي على ذرة من الإنسانية والشرف الإنساني والروح التحررية مهما زعمت لنفسها من مآثر بطولية و من ادعاءات جوفاء ، مهما رفعت من شعارات براقة.
كما اثارت جريمة الإغتيال تساؤلات عديدة ، منها ماذا دعا الصبي المدعو ساماست المولود عام 1990 إلى أن يُقدم على ارتكابها. وقد أصاب محامي دينك كبد الحقيقة بقوله " إن ساماست لم يكن إلا الإصبع التي ضغطت على الزناد" .

ربما يكون القاتل أوغن ساماست غير منتم ٍ لأية تنظيمات محظورة حسب التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية معه، وربما لا يكون مدمنا على تعاطي المخدرات. لكن الإنتماء إلى القومية والعصبية لها ، وتعاطي مخدرات الفخر والكبرياء القومية من أخطر التنظيمات الروحية التي تتحول في أية لحظة إلى وحش كاسر ينقض على فريسته حين يراها في لحظة وداعة أو ضعف ، و هي كذلك من أخبث الأمراض في عصرنا والتي ينبغي اجتثاثها ، و هي مهمة الشوعيين والتحررين والإنسانيين في العالم.
لقد صرح المجرم – حسب ما نُقل عنه- أنه أقدم على ارتكاب جريمته بقتل الصحفي ّ دينك رئيس تحرير مجلة آغوس الأسبوعية الصادرة بالأرمنية والتركية ، لأنه أهان الأمة التركية. لقد كان هذا الصبي مدمنا على القومية ، ومعبا بمخدراتها التي تدفع إلى المدمنين عليها إلى ارتكاب جرائم أفظع بحق الإنسانية.
فالطبقة الرأسمالية الحاكمة في أمريكا تحتفل كل عام بجرائمها التي ارتكبتها قواتها في فيتنام وكمبوديا ، جنوب شرق آسيا ، وتسميها انتصارات الأمة وكلها مبررة طالما كانت – كما يصرحون- دفاعا عن الوطن أي جيوب الرأسماليين.
وإن النزعة القومية والدينية والطائفية كانت وراء كل هذ الجرائم التي ارتكبت بعد انتهاء الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية في يوغسلافيا السابقة ورواندا وغيرها ، وراح ضحيتها الملايين من الأبرياء. إن القومية والتعصب لها سببت مصائب للبشرية ، وحطمت عوائل ، وفصلت بين الأزواج ، وبين الأولاد.وكانت وراء عدوان الجار على جاره ، وخلقت الحزازات بين الزوج وزوجته، ودقت الأسفين بين الأصدقاء وزملاء العمل واتلدراسة والمعيشة. واليوم القومية والمذهبية والطائفية أمست تبرر الجرائم بحق الإنسانية من تفجير الأسواق وقتل الطلبة والتهجير القسري التي ترتكب في العراق.
لقد قلت في مقال سابق إن الضحايا الذين تطلق عليهم الميديا الرسمية وغير الرسمية تسمية مجهولي الهوية، ليسوا بمجهولي الهوية ، بل فرض النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا المحافظين الجدد هويات قاتلة ، إذ دمغتهم بهويات سنية وشيعية وعربية وكردية وتركمانية و مسيحية كلدو آشورية ، و شروقية و غروبية، وهم غافلون.
نعم كانت القومية وعصبياتها وراء أبشع الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسانية، ولا ننسى أن العروبة السياسية وشرفها كانت من مبررات جرائم حلبجة والأنفال والمقابر الجماعية في جنوبي العراق. واليوم في كردستان العراق لا يلبث الحكام وأبواقهم كعادة الشرائح الاقطاعية والبرجوازية المغتصبة للسلطات ومقدرات الناس يطالبون ياسم الكردايتي من المواطنين تأجيل كل مطاليبهم المشروعة من توفير أبسط مستلزمات المعيشة التي تليق بالبشر من خبز و ماء وكهرباء وعلاج صحي ، وعدم الاحتجاج على جرائم الطغيان و النهب والسلب والارتزاق للامبرالية و للانظمة الدكتاتورية في منطقتنا.

لقد وجهت الجماهير الغاضبة في تركيا ضربة قوية للقوميين العنصريين بكل أشكالهم أثناء تظاهرهم في العشرين من يناير 2007 في مكان جريمة اغتيال دينك وفي العاصمة أنقرة ، بشعاراتهم التي رفعوها " كلنا دينك" و " كلّنا أرمن" و " كلّنا أكراد" و " كلّنا أتراك" و " عاشت الصداقة بين الشعوب ، وعاش التضامن الإنساني" . فهذا التضامن بين القوي المتمدنة والتقدمية والمحبة للانسانية يمكن أن يكون الأساس المتين لبناء الإخاء الإنساني ، وقاعدة للنضال ضد العنصرية والعصبية القومية، و يصب في نفس الوقت رافدا جميلا في نهر الأممية الناصع المتدفق .
ومن البديهي أن حرية العقيدة و الرأي هي جزء من الهوية الإنسانية وشخصية العصر الحديث ، و أنها حق البشرية في الحياة الحرة والكريمة ، وهي من المكاسب التي دفع أحرار العالم ثمنا باهظا في سبيلها، فاصبح الدفاع عليها و صيانتها واجبا وقيمة إنسانية عظيمة.

‏الثلاثاء‏، 23‏ كانون الثاني‏، 2007
مالمو السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في سوريا بعد أعمال عنف استهدفت ممتلكات لسوريين في ت


.. فرنسا: ماذا يغير انسحاب أكثر من 200 مرشح في الجولة الثانية م




.. غزة: موجة نزوح جديدة للفلسطينيين من خان يونس إثر ضربات إسرائ


.. تركيا: توقيف أكثر من 470 شخصًا بعد أعمال عنف طالت مصالح سوري




.. في أول زيارة منذ بداية الحرب.. رئيس الوزراء المجري يصل إلى -