الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عناصر منفصمة...7

محمد الإحسايني

2007 / 1 / 24
الادب والفن


عناصر منفصمة
رواية
سلمتها والدتها إلى عباس مقيدة اليدين حتى تتعود على الطاعة


جففت طامو الصحون انتقلت إلى سلة الخضر تبحث عن البطاطا، طامو هنا، طامو هناك...
لا غنى عنها لآل بيزاردو، الدار بدونها فلاة موحشة. جوليانة، الابنة الوحيدة لآل بيزاردو، تخلت نهائياً عن زوجها، ورفضته، وقف تحت نافذتها أياماً يطاردها مراوداً "جوليانة، حبيبتي، أنا طوطو، زوجك، عودي بحق السماء، إلى حظيرة المأوى."
أما هي، فقد سلمتها والدتها إلى عباس، مقيدة اليدين وراء ظهرها فوق بردعة حمار حتى تتعود على طاعة بعلها. كان ذلك يوم عرسها، فما أن دخل عليها، حتى هاجمها في وحشيته، فأغمي عليها، ولم تستفق إلا على زغاريد النساء يباركن ذكورية عباس، يحملن الأزار الملطخ بشيء أحمر، يلوحن به في الهواء !
تستلقى جوليانة مسندة رأسها إلى ركبتي طامو حالمة ساهمة، تمرر على جسد جوليانة البض بيدها:" جوليانة، أحسن ما فيك، وجنتاك المقطرتان عسلاً."
قشرت البطاطا والطماطم، وكانت مدام بيزاردو بدورها تضع شرائح الجانبون المطبوخ فوق أوراق الخس، وكان يحلو لها أن تخاطب جوليانة:
- كسولتي الصغيرة، إيتيني حالاً بأربع قطع فوفيليه من عند الجزار.
لمحت طامو جوليانة في فساتينها الشتوي الضيق كأروع ما تكون امرأة في ريعان الشباب، جسم غض ، قد متكامل الانساق.
- لا تنسي صغيرتي أن تأخذي زينتك. قالت مدام بيزاردو
تراجعت جوليانة، ثم لحقت بها طامو في الحمام؛ وسألتها:
- هل من مساعدة؟
- فقط أبقي بجانبي.
- أغار أن يكون فيك مطمح لطوطو، أو يكلمك جزار ماكر، أو بقال مأفون.
نادتها مدام بيزاردو:
- طامو، ردي على نار خفيفة، نوييه فريزيه، ثم اطحني "كريير".
عندما عادت طامو لإغلاق النافذة، كانت جوليانة تعبر الشارع إلى الطوار المقابل. من أجل ساقيها المثيرتين للغاية، توقفت سيارتان.
نادت طامو المدام:
- تعالي، انظري إلى جوليانة الرائعة !
وقفت بيزاردو تتأملها جذلى. وعندما استدارت جوليانة، أغلقت المدام النافذة.
ذهب طوطو إلى غير رجعة، ربما تحول إلى غجري، أو رمت به خطاه، في المفازات البعيدة يعيش وحيداً يتأمل النجوم.
ينسج أهل الدرب حول اختفاء عباس أساطير شتى، من ذلك أن الأدهم سار به نحو التريث الخالي، حيث الآفاق غير محدودة، وقيل إن الأرض خسفت به بعد ازدياد فسوقه وفواحشه، إذ لا يمكن أن يظل رهين امرأة هوجاء، سليطة اللسان. صدقت طامو ذلك في الأول. كثيراً ما كان كبور يلح في تساؤلاته الإعجازية حول اختفاء عباس:
"أين يقبع ذاك الإنسان الذي يخيفك- مخاطباً والدته- أفي حان، أم في مزبلة، أم تراه يسير على غير هدى، يجوب الأرض متنكرا؟".
كان كبور، يبحث دائماً في مزبلة ما، عله يعثر عليه حياً أو ميتاً !لكنه لا يصادف إلا عقيق قلائد حداد الموتى السود، مرمياً به عند انتهاء فترة الحداد.
وضعت جوليانة قطع الفوفيليه أمام طامو. وكانت هذه الأخيرة قد أنهت طحن الجبن، وأوشكت أن تهيئ المائدة لتأخذ مدام بيزاردو بدورها الفوفيليه إلى الفرن.
ذات مرة، لم يكتم دجوفاني ما يختلج بداخله اتجاه صديقه عباس، فأعرب عنه لطامو:
- إني لأتعجب من أمر عباس الذي انقطعت أخباره دهراً عن الدرب.
رمقه كبور شزراً ثم قال بدوره:
- لا أعتقد أن الأرض ابتلعته أو أنه يتيه في التريث الخالي.
أمن دجوفاني على قوله:
- صدقت، ابحثوا إذن في مكاتب التجنيد.
أجاب كبور:
- قد فعلنا
انتبات الرأفة قلب دجوفاني فتهدج صوته من تأثير بالغ:
- أنتما في كنفي وحمايتي !
تصدى له كبور مشككاً بعد تضعضع أحوال أسرة عباس:
- من يحمينا من الجوع يا مسيو: المال لم يعد له من قيمة؟
أكد دجوفاني عهده:
- بربي مولانا، لأضعن حداً لمعضلتكما.
وهمهم في قرارة نفسه:
- لن يكون الحل إلا الحصول على "البون"
(يقفون في طوابير على المخازن الغذائية، ليتسلموا بالبطاقات، صاع دقيق أو أرز، وفي أقل الأحوال، رغيفاً لكل رأس. تباً للأيام): انشرحت طامو، حاولت أن تختبر نفسية دجوفاني:
- كلنا نكره الحرب، أنا نفسي أخاف الجنود الذين يحفرون الخنادق في درب بن جدية
ثم ضحكت بصوت عال تواصل حديثها:
- واحد منهم يا مسيو، له ملامح مثل ملامح عباس، يظل طوال النهار يصوب فوهة مدفعه إلى السماء، دون جدوى.
تسمرت في مكانها عندما رأته أول الأمر حتى أيقنت أنه ليس زوجها، فقالت في نفسها: "من الخير أن يسرحوه من الجندية إذا هو يظل يحدق في السماء ببلاهة، ومن الخير كذلك أن يسرحوا عباساً إن كان جندياً."
ابتسم دجوفاني، ثم انطلق بالعربة.
استدارت إلى كبور، لم يفارقها الابتهاج:
- إنها الحرب يا ولدي، سوف نأخذ بدورنا حصتنا من كل المواد اقتداء بآل دجوفاني.
وكان كبور قد عاد من المدينة، وقد بيت أمره على مباشرة مسح الأحذية، لن يكلفه ذلك كثيراً، سيجد الحرية في ممارسة التلميع. الحرية يومذاك، هي الأجواء الواسعة، والآفاق التي لا يحكمها حاكم إنساني يحشر أنفه في أموره. وقد توصل في تأملاته إلى أن أقصر السبل في تحقيق أمانيه عدم الامتثال لأي كان من البشر، ولا لأي نظام من أنظمتهم.
وله الحق فيما ذهب إليه، إذ كثيراً ما تساءل:"ماذا حققوا للبشرية بجيوشهم ومفكريهم؟"
لقد صدق: الأمراض تفتك بأهل الدرب في كل مكان، ومن بقي سالماً منهم تراه غير ناج من الفقر. في كل مرة يجد أكاليل الحداد في المزبلة، في كل يوم تمر ضحايا الأوبئة أمامه، حتى الشيخ البهجة حصده "التيوفيس".
وها هو دجوفاني، قد أوفى ببعض عهده، أوجد شغلاً ملائماً لطامو.
وكان يتساءل "ماذا تعنيني الحرب أو السلام؟"قال لنفسه ذات يوم:" لو نصبوني جندياً في ساحة الوغى، لأتخنت الأعداء جروحا، ولو عينوني قائداً على ناحية، لأحكمت قبضتي في رقاب الناس، وعاقبت كل متخاذل !" وكثيرا ما كان يردد في قرارة نفسه:" لن أحجم لو كنت في مركز سلطة، عن اقتطاع رقعة أعلن فوقها حرباً على الخذلان والاستسلام !".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدورة الـ 77 من مهرجان كان السينمائي.. ما أبرز ملامحها وأهم


.. الموسيقي المصري محمد أبوذكري يصدر ألبومه الخامس -روح الفؤاد




.. بين المسرح والسياسة: المخرج وجدي معوض في عشرين 30 ??بعد اتها


.. بعد جولة عروض عربية وعالمية، مسرحية أي ميديا في باريس




.. صباح العربية | الفنانة السعودية سارة صالح تبدع في غناء أغنية